نشر بتاريخ: 04/09/2013 ( آخر تحديث: 08/09/2013 الساعة: 22:01 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
منذ أشعار طاغور في الهند ومرورا بتعاليم بوذا في الصين والمهاتما وكونفوشيوش وبيدبا الفارسي ووصولا لخمسين نبي في الارض المقدسة ، لا يزال الشرق عكس الغرب ، والشرق يصنع الاسرار , لكنه لا يطيق النوم على خنجرها . والناس هنا لا يحبون التقية والجماعات المغلقة , ولا طاقة لهم على الغموض وصكوك الغفران ، فترى الاوّلين عبدوا النار والحجر والجاموس والتمر والطير والبحر على ان يقبلوا الصمت ، ويكفر الشرق من دون رسل. حتى جاء الانبياء وكشفوا امام الناس اسرار نواميس الكون .
الشرق حالة تفاعلية موروثة تباعا مع ثقافة الصحراء ، جبلتهم قسوتها وعجنتهم لوعتها ولوّحت وجوههم شموسها ، واذا نسي البدوي الطريق نفذ منه الماء ومات فوق الرمال الساخنة ، وابن الصحراء يثق بالجمل ولا يثق بالسياسي ، فهو يحب الاسود والابيض ,والسياسيون يحبّون اللون الرمادي .
ويفضل العربي المشي الاف الكيلومترات في بطن الصحراء على العيش عبدا في قصور منيفة . ولا يأكل العربي الا اذا جاع ، واذا أكل قام بسرعة قبل ان يملأ بطنه . فقالوا قديما : نحن قوم لا نأكل حتى نجوع واذا أكلنا لا نشبع .
في الغرب يصل الصراع والتنافس حد التوحش ، وفي افريقيا يأكل القوي الضعيف ، وفي امريكا اللاتينية صار الناس يشبهون الشجر من شدة حبهم للحرية ومقاومة القمع والاحتلال ، وفي اوروبا وصلوا القمر بعد ان خلعوا الوسيط بينهم وبين الارباب . اما هنا في بلاد الشرق فالحرية موقف شخصي واجتماعي متّصل تجاه قضايا محددة وليست بنودا مفصّلة في اتفاقيات مبهمة .انها رقصة غجرية بلا سبب ولكنها لازمة من لوازم العشق الابدي ، يمكن ان يشارك فيها الغرباء ويمكن ان يصنعوا منها احد افلام هوليوود لكنها تفقد قيمتها ان خرجت من أرضها .
وبعد خمس جلسات تفاوضية بين طاقمنا التفاوضي وطاقم اسرائيل ، لا تزال الامور غامضة ولا يجرؤ اي قائد من اي جهة ان يخرج للجمهور ويتحدث عن تقدم او اختراق في ملفات الحل النهائي . ويرشح من هنا او من هناك تفاصيل عن جزئيات صغيرة تدلل مرة اخرى على صعوبة التوصل لاتفاق سلمي ينهي حالة الجمود القائمة منذ العام 1998 وحتى اليوم .وجلسات المفاوضات تعاني من فقر الادارة والتنظيم وجداول الجلسات مهلهلة ، والوسيط الامريكي غير مقبول من جانب اسرائيل رغم انه يهودي امريكي ، الا ان اسرائيل لا تريد لاحد ان يتدخل في الامر سواها . حتى لو كان الوسيط مارتن انديك .
خمس جلسات تدور خلالها الطواقم حول نفسها واسرائيل تريد ان تبحث في ملفات الامن ، وبصراحة , ان الوفد الفلسطيني لا يستطيع البحث في ملفات الامن حتى لو اراد ذلك ، فنحن ليس لدينا غواصات ولا حاملات طائرات ولا اسراب مقاتلة ونفاثة ولا صواريخ بالستية ولا مستودعات كيماوية . وحين تبحث معنا اسرائيل الامن فانها تقصد ان تطلب منا الاعتقالات وعمل الشرطة . ولم ينس احد ان الامن عندنا هو تكافل المخيم وتعاضد القرية وريادة المدينة . وان فقدت تل ابيب امنها فان بلاطة ليست مسؤولة عن ذلك ، واذا غضب بدوي في صحراء سيناء وأراد ان يقصف ايلات فان بيت لحم لا شأن لها بذلك . فالشرق شرق والغرب غرب .