نشر بتاريخ: 19/10/2013 ( آخر تحديث: 23/10/2013 الساعة: 10:51 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
ألقى رئيس وزراء الحكومة المقالة اسماعيل هنية خطابا مطولا استغرق 90 دقيقة ، تطرق خلاله الى جميع قضايا الامة والعالم والشرق الاوسط والصراع مع اسرائيل والعلاقة مع مصر وسوريا والحدود والمعابر والمفاوضات والاسرى والحرب واليابسة والبحار وغزة والضفة والقدس والحصار وجامعة الدول العربية والانفاق وسيناء والمصالحة والوحدة الوطنية وجائزة نوبل والمعارك الاعلامية واللاجئين من سوريا والخدع الامريكية والاقصى وجامعة الدول العربية والتوظيف والشعوب والربيع العربي وغيرها.
وبصراحة. لقد كان الكلام جميلا ، لانه مجرد كلام جميل، ولا يستطيع اي محلل ان يقول عكس ذلك ، اما على ارض الواقع فالسياسيين لهم طرائق اخرى في التعبير عن مصالح احزابهم، ومن خلال تجربتنا الصحافية نعرف ان جميع المسؤولين تقريبا يقولون كلاما معسولا أشبه بكلام الفلاسفة للحصول على شهرة لاعبي كرة القدم.
د.سلام فياض كان يطيل خطاباته ايضا، ومن باب المحبة نصحناه ان يقلل من الشرح والاستفاضة ، وكان يستقبل الملاحظة بابتسامة . اما الرئيس المعزول مرسي فقد حصل على الارقام القياسية في طول الخطابات وحس فكاهتها ، وكان يبحر في الخطابة حتى ننعس وننام قبل ان يتم كلامه ،والرئيس الدكتور بشار الاسد مبحر في الخطابات بشكل كبير , ولكن الاجدر والابرز في الحصول على هذا اللقب هو الزعيم الكوبي فيدل كاسترو فقد وصل به الحد ذات مرة ان ألقى خطابا استمر لمدة 18 ساعة !!!!
وفي سلّم التنافس كان الزعيم الراحل معمر القذافي ، ورغم ان خطاباته كانت محشوّة بالفكاهة والضحك ، الا ان هذا لم يعف النقاد من كيل الانتقادات له بشكل كبير ، بل ان التلفزيون الليبي ذات يوم بث شريط فيديو للقذافي على التلفزيون الحكومي وهو يحرك حذاءه وكتب تحتها " الزعيم بفكر " .
وللقادة عادات على الشعوب ان تتحملها ، فالرئيس اوباما يشعر الحضور انهم في اجتماع مجلس طلبة وليس في اجتماع سياسي ، فهو كثير الحركة والتلويح بيديه ، اما برلسكوني فكان يقلّد نجوم الفن برفقة الصبايا الفاتنات ، وستالين كان يدب الذعر في قلوب المواطنين السوفييت حين يلقي خطابا لدرجة ان المراقبين كانوا يصابون بالباصور من شدة الخوف منه . والرئيس الراحل صدام حسين كان يحب ان " يطخ " عدة رصاصات خلال خطاباته او ان يطلق " مشط " رصاص للتاكيد على ان رأيه هو السديد . اما الملك الراحل الحسين بن طلال فكان فذا فطحلا من فطاحل اللغة العربية وكان اساتذة اللغة العربية يحارون في كل جديد منه . اما السادات فكان يميل للهجة الشعبية المصرية فيما جمال عبد الناصر هو الاعظم والاكثر جماهيرية في خطابات القرن الماضي بالنسبة للعرب . اما عبد الكريم قاسم في العراق فكان يقول " العراق بضم العين " وحين قالوا له لماذا تقول العوراق وليس العيراق بكسر العين " اجابهم : انا لن اكسر عين العراق ما حييت .
والرئيس السوداني يواصل التلويح بعصاه امام الكاميرا لدرجة تشعر انه سيضربك العصا على رأسك من شدة حماسته ، ورغم كل هذه الحماسة انقسمت السوادن الى نصفين ، اما الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح فكان يفاجئ الجميع بمصافحات وتعليقات لا تصدر عن طالب سنة اولى جامعة ، وأشهرها " طخ الكف " مع الرئيس الامريكي بوش .
اما الرئيس الفلسطيني فهو يخرج عن النص المكتوب ويفاجئ الجميع بعبارة هنا او هناك تقلب الدنيا ولا تقعدها ، مثل قوله امام الصحافة المصرية سيادة الرئيس مبارك بدلا عن مرسي ، ومرة اخرى في جامعة الدول العربية شكر مبارك بدلا من أن يشكر مرسي . وغيرها من المواقف . ورغم انه لا يحب الخطابات الطويلة الا ان الجميع يلتقط انفاسه خشية ان يضيف عبارة هنا او هناك فتؤدي الى استنفار اسرائيل دوليا وامريكيا فتقوم الدنيا ولا تقعد .
الزعيم عرفات كان صاحب اكبر ثابت في تاريخ الخطابات ويكرر نفس العبارات التي تستفز اسرائيل مثل "عالقدس رايحين شهداء بالملايين" او "يا جبل ما يهزك ريح " او " اللي مش عاجبو يشرب من البحر الميت"، لدرجة كادت تتسبب بجلطة للمحللين الاسرائيليين ، فلو قام احد الصحافيين بسؤاله عن وقوع عملية تفجيرية في تل ابيب كان يسارع للرد على السؤال بسؤال: انا ابحث عن ديغول لصنع السلام . فهل يوجد ديغول في اسرائيل ؟ حتى انني اعتقد ان شارون مات اكلينيكا من تحت رأس تصريحات الزعيم عرفات ورغم ان شارون دس السم لعرفات الا ان عرفات جلط شارون.
وذات يوم أمير قطر السابق لوزيرة الخارجية الامريكية مادلين اولبرايت: يبدو انك اكتسبتي وزنا اضافيا . وتبدين ناصحة . فغضبت السيدة وخرجت وتوترت العلاقة بين قطر وامريكا وانقطعت عدة أشهر بسبب زلة لسان الامير.
شارون كان في وضع اسوأ حين قال لوزيرة خارجية امريكا كونداليسا رايس خلال اجتماع هام في تل ابيب : لماذا ترتدين بنطلون ، انتي تملكين ساقين جميلين فلماذا تقومين بتغطيتهما . وانتفضت رايس غاضبة ووقعت ازمة دبلوماسية لولا تدخل اللوبي الصهيوني في امريكا لحل الازمة .
على كل حال ، الحمد لله ان رئيس الوزراء رامي الحمد الله لا يحب الخطابات . او لغاية الان لم نجرب طعمها بعد . وانا اقترح ان كل مسؤول يريد القاء خطاب للامة ان يقف على رجل واحدة ، لنضمن حينها انه لن يطيل اكثر من ثلاث دقائق.