السبت: 16/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

ورود المقابر جميلة ... لكن لا احد يشمّها

نشر بتاريخ: 09/01/2014 ( آخر تحديث: 11/01/2014 الساعة: 15:59 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

في علم الجمال... تكون الطبيعة هي الام. هي الأصل المعلم الكبير، ومنها يستوحي الفنانون ومهندسو الروعة تعاليم الذوق الرفيع، وكلما ارادت امّة ان ترقى الى أعلى مستويات التكنولوجيا والتطور عليها ان تقترب اكثر وتفهم بابداع دروس الطبيعة.

ومن القصص الجميلة التي رواها لي صديقي الاردني فيصل .. يحكى ان رجلا كان يحبّ ابنه حبّا كبيرا، وقد تعلّق الولد بأبيه حتى صار لا يفارقه. ولما دنا أجل الاب، وصعدت روحه الى بارئها، بكى الشاب بكاء خشنا حتى انه لم يعترف بموت ابيه ورفض فكرة الوداع، فظلّ يعانق أباه بكلّ قوة، ومنع رجال الحي من دفنه، ومهما حاولوا اقناعه ان الحبّ لا يعني التمسك بالمحبوب وعدم تركه، وانما تفهم فكرة الابتعاد عنه احيانا. بل ان أرقى درجات الحب تكون مخبئة بين ثنايا الوداع والفراق. لكن الولد رفض الاصغاء ومنعهم من دفنه وظل يبكي عليه والدموع تغسل وجه الاب الميت بكل حرارة.

وخشية أن يغافله اهله ورجال الحي ويدفنوا والده في غفلة منه، قرر الشاب حمل جثة والده والهرب بها بأسرع ما يملك الى الصحراء، وكانت سعادته كبيرة لانه حقّق ما أراد واحتفظ بمن يحب وقهر العادة التي درج عليها قومه من قبله.. فكيف يعقل أن يدفن والده الذي رباه واحسن تعليمه ولم يبخل عليه بأي شيء!!!

وبعد مسيرة يوم في الصحراء انتفخت جثة الميت، وغداة اليوم صارت رائحة الجثة لا تطاق. حتى ان الولد الحبيب لم يتمكن من الاقتراب منها او تقبيلها كما فعل أمس، وفي اليوم الثالث صارت الجثة عبئا لا يمكن احتماله، وكان رأس الولد يدوخ كلما فكّر في الاقتراب من والده الميت... فصار يتمنى لو ان احدا يساعده في دفنه والتخلص من جثته التي بدأت تتعفن.

طار الحنان، وولّت العواطف الجيّاشة هاربة من رائحة الجثة، وثقلت حتى كادت تتفتق من حيث يساندها، فاضطر الى رفسها برجله الى داخل حفرة حفرها لوحده.. ولما غطاها بالتراب وأنفه مزكوم.

وتذكّر رجال الحي واهله حين كانوا يريدون تعطير الميت بالروائح الزكية وتكريمه في صلاة عامة ودفنه بكل احترام ... وندم ندما شديدا على هيامه وانفعاله الطائشان.

سادتي، هناك قادة نحبّهم جدا ونحترمهم جدا ونعترف بما قدّموه للوطن وللقدس، هناك قادة كبار واسماء كبيرة لكن لم يعد بمقدروهم ان يشغلوا مناصبهم أكثر... هناك قادة حاولوا ان يخدموا فلسطين فأضروا بفلسطين احيانا وخدموها احيانا وانتهى عقد عملهم. وهناك قادة حاولوا ان ينجحوا رغم انوفهم وانوفنا وبالقوة وبالصراخ وبالدكتاتورية الا انهم فشلوا ولا يدركون ان الناس تحبّهم لكن لم تعد تطيق رائحتهم. هناك وزراء ورموز ووجوه من كل الفصائل والقوى والتيارات بدءا من رفح وحتى جنين ومن تل الصافي حتى المسمية ومن راس الناقورة حتى صحراء النقب، قدّموا لفلسطين وللوطن وللقضية .. لكن لم يعد بالامكان معهم أكثر. فقد تغير الشعب الفلسطيني 3 مرات وتبدّلت ثلاثة أجيال وهم على حالهم لم يتغيروا بعد.

لكن العام 2014 عام التغيير، عام التغيير، عام التجديد، عام الوداع، فهل يعقل ان الصين تعاني نقصا بـ 20 مليون عامل وتعمل السكرتيرة وظيفتين في اليوم وقررت السماح للاسرة بانجاب طفل اّخر، والعالم العربي لا يزال يجلس على المقاهي ويطلب شاي وأرجيلة وعاطل عن العمل ويشاهد الاتجاه المعاكس؟