نشر بتاريخ: 07/06/2014 ( آخر تحديث: 09/06/2014 الساعة: 21:59 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
حين سقطت القدس ووصل اسحق رابين على ظهر دبابات العصابات الصهيونية الى باب العامود في اول حزيران عام 1967 ، كانت الجيوش العربية مهزومة وذليلة وكانت الامّة في حالة ضياع خطير ، ومن وادي الهزيمة السحيق انبلج شعاع الثورة الفلسطينية وصار لزاما ان يجد حاضنته داخل العاصمة المحتلة .
لا جيوش ولا جامعة دول عربية ولا امم متحدة ولا رجال اعمال ولا احزاب عربية قومية ولا داعش ولا اخوان مسلمين ، فقد هرب كل من أراد الهرب ، وظل في القدس كل من كتب الله له ولاولاده شرف البقاء فيها .
والقدس لم تبدأ من هنا ، لان القدس قبل 67 كانت منارة للفكر العربي والاسلامي مثلها مثل الازهر الشريف ومثل مكة المكرمة ومثل حاضرة الفاتيكان .
ويؤكد الارشيف الاسرائيلي ان الثقافة والبناء المعماري والصحافة والصناعة ونشاط المرأة ونظام المواصلات والساحة وسكة الحديد ومطار قلنديا في القدس كانت تنافس وتضاحي عواصم اوروبية ، وليس صحيحا ما تبثه الدعاية الصهيونية ان القدس كانت فقيرة ومتهالكة حين سقطت بيد الاحتلال ، ولو لاحظنا مقر المجلس الاسلامي الاعلى في القدس ومناطق روميما والطالبية وعين كارم ولفتا وساطاف ، لوجدنا انها حتى الان تمثل أجمل مناطق ما يسمى اسرائيل وان شمعون بيريس والكنيست ونتانياهو يسكنون في منازل عربية فلسطينية اشيدت في عشرينات القرن الماضي ولا يزال ثمن المنزل الواحد منها يساوي خمسة ملايين دولار على الاقل .
من هنا بدأ الاعلام الفلسطيني ، بهدوء وانطلاقا من الذاكرة ، وبنظرة عجالة الى الوراء سنجد ان الاعلام الفلسطيني ليس مايكروفونات وكاميرات بث وقنوات غنية في عواصم الخليج ، وانما فكرة مستديمة جرى البناء عليها ، بدء من اختيار الاسماء مثل محمد وعيسى وعبد المنعم وعبد الرؤوف ويوسف وصالح وابو صالح مرورا بمريم وفاطمة وام حسين والياس وجورج . وان كل مراهق كان يخربش على جدران المنازل في القدس كان يؤدي دور رئيس تحريرم ن دون ان يعلم ، وان سائق سيارة الاجرة كان صحافيا بالفطرة ومثله صاحب الفرن وبائع الصحف وصاحبة الودع وبائع الكعك وكشك الفلافل وحامل صينية الهرايس والكنافة ، كلهم كانوا صحفيين بامتياز لانهم حملوا فكرة ونشروها ودافعوا عنها ونجحوا في تثبيتها .
في العام 1987 واندلاع انتفاضة الحجارة قدّمت القدس ذاتها وقدّرت ذاتها أكثر ، وأعادت نفسها وابناءها الى خارطة السياسة الفلسطينية كدرة تاج القضية الفلسطينية ، ومع توقيع اتفاق اوسلو تعرضت القدس لتقهقر كبير ، لم يكن ظاهرا في بادئ الامر ، لكن الصحافة الفلسطينية انتقلت لا اراديا الى رام الله وبدأت مؤسسات الصحافة تهاجر الى حيث يقيم الزعيم الراحل ياسر عرفات ، ورغم انه شخصيا أمر بعدم النزل عن الجبل ، وصاح اكثر من مرة لا تتركوا القدس . الا ان اغراءات السلطة واجهزة الامن والوزارات وبريق السلطة اعمى بصيرة الاستراتيجية الفلسطينية ، فرحل كبار الصحفيين والنقابة والمؤسسات الى رام الله وكانت خطوة بائسة ندفع ثمنها حتى يومنا هذا .
ومع اندلاع انتفاضة الاقصى ، استغلت اسرائيل الامر ومنعت سكان الضفة من دخول القدس ، فاستطابت الصحافة العربية والعالمية والفلسطينية تغطية اخبار المقاطعة وحصارها ، وكنيسة المهد وغزة وحماسها وصواريخها وحصارها على تغطية اخبار القدس ، فشعر اهلها لاول مرة انهم لوحدهم ، وان اسرائيل انفردت بهم تماما .
ومع بناء الجدار القهري عام 2004 اكتمل المخطط الشيطاني الاسرائيلي حتى يومنا هذا ، وبقي اهل القدس لوحدهم يواجهون اكبر مخطط تهويدي احلالي عنصري ، ولكن وفي السنتين الاخيريتين انتبهت القيادة والتنظيمات الفلسطينية الى الواقع المأساوي الذي خلفته الاستراتيجية الخاطئة في العشرين سنة الماضية .
واليوم تعيش القدس مرحلة مشابهة لسنة 1967 ، لم يبق في العاصمة المحتلة للدفاع عن القدس سوى الصحافة ، والكاميرات ، والهواتف الذكية ، والمواقع الالكترونية وتويتر وفيس بوك والواتس اب ولجنة هامشية في منظمة التحرير تسمى لجنة القدس وابو علاء قريع ، ونخبة من طلبة مصاطب العلم والصحافيين الذين اّمنوا بقضيتهم ... ولكنهم سينتصرون .
لان الاعلام الفلسطيني هزم الاعلام الاسرائيلي والامبريالي بعلبة رش ، وبشعارات خربشها شبان على الجدران ، وستنتصر الصحافة الفلسطينية وستدافع عن القدس وستحميها ولو ببيت شعر لمحمود درويش او توفيق زياد ، ولو بنكتة من كتابات ايميل ،ولو بصفحة على الفيس بوك او هشتاغ على تويتر او بث من سكايب ، ولو بأية من قران او اقتباسات الانجيل ، ولو بدمعة من فاطمة او زغرودة من خديجة . سننتصر ، وهذا وعد الله . ان وعد الله حق .