نشر بتاريخ: 29/06/2014 ( آخر تحديث: 03/07/2014 الساعة: 11:01 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
حين قررت الجهات الدولية " التي لا نعرف اسمها " ، انهاء حقبة عرفات . كانت اولى اشارات انتهاء تلك الحقبة ، الاعتداء على رموز وممثلي عرفات في النواحي البعيدة عن العاصمة السياسية ، وقد تكون الجهات التي نفذت تلك الاعمال وطنية وشريفة ولكنها لم تدرك لحظتها انها بيدها انهت حقبة عرفات ، وقد بدأ الامر بخطف قائد الشرطة في غزة واهانته مرورا بضرب محافظ جنين وجلده امام اهل السوق وصولا الى ضرب احد مستشاري عرفات في قلب مدينة رام الله .
ان المسّ برموز اي نظام ، وتحقيرهم واهانتهم وضربهم ، هي الطلقة الاولى التي تؤذن بانتهاء الحقبة وبداية مخاض الحقبة التالية لصالح الجهة المستفيدة بغض النظر عن ارهاصاتها . ولا أرى في الهجوم على الهباش سوى ثمرة لمرحلة جديدة شارك أكثر من طرف وقد يكون فصائل عدة بما فيها الحزب الحاكم . وان تكسير ضلوع قاضي القضاة في المسجد الاقصى ( بغض النظر عن "جزئية" الاتفاق معه او الاختلاف معه ) هو كسر لهيبة المرحلة القائمة وتحطيم رموزها .
من ناحية ثانية . " ادارة التوحش " هو احدث كتاب صادر عن جهة داعش ، لمؤلفه ابو بكر الناجي ، وهو خلاصة فكر الجماعات الجهادية الحديثة المسماة داعش ، وابو بكر الناجي يعتمد ويقتبس كثيرا من الشيخ عمر ابو عمر ( المعروف ابو قتادة الفلسطيني ) وهو فلسطيني من بيت لحم ولد عام 1960 وعاش في الاردن قبل ان ينتقل الى لندن . ويمكن القول انه الاب الروحي للشيخ ابو بكر الناجي .
اما الشيخ نبيل نعيم ، وهو صديق الظواهري واسامة بن لادن وانشق عنهما وعاد للقاهرة ، فهو يعتبر ابا بكر البغدادي ( قائد داعش الحالي ) جاسوس وعميل للمخابرات الامريكية ، وييقول ان معظم الحركات السلفية الجهادية مقرها في لندن التي هي وكر لجميع مخابرات العالم ، على حد قوله .
الشيخ نبيل نعيم يتهم ابا بكر البغدادي انه تلقى تدريبا في معسكرات امريكية في الاردن ، لكن من يقرأ كتاب ادارة التوحش سيرى في هذا المؤلف اكثر من مجرد اتهام عابر .
فالقاعدة والسفلية الجهادية ترى ان مرحلة شوكة النكاية والانهاك يجب ان تسبق مرحلة ادارة التوحش " حتمية "والتي يجب ان تمر بها كل منطقة ، والسلفية لا تعترف بحدود الامم المتحدة وترى ان الوطن بحدوده الحالية مجرد بدعة صليبية تم تسميتها في اتفاقية سايكس بيكو ، كما يحمل الكتاب اتهاما لحماس والجهاد الاسلامي انها قوى شعبوية لا تطبق الشريعة وانما تلهث وراء الدولة المدنية العلمانية بقصد او من دون قصد . ولا يذكر المؤلف اذا يعتبر غزة منطقة توحش ام انها لم ترق بعد لمثل هذه الدرجة .
ولو اخذنا حادثة الهباش باعتبار انها في اطار خلاف التيارات الاسلامية وان اتهام الرئاسة لحزب التحرير صحيح وفي مكانه ، سنجد ان هناك من ينخز السلطة بشوكة الانهاك ، قبل دفعها الى مرحلة التوحش .
ولكن ابو بكر الناجي لا يكفّر التيارات الاسلامية الخمسة القائمة الان ويكتفي بالقول انه لا يتفق معها ، ويقول انها جنحت عن الحق وهي:
السلفية الجهادية - القاعدة
سلفية الصحوة ورمزها سلمان العودة
الاخوان المسلمين - الحركة الام التنظيم العالمي
سلفية الترابي والبشير في السودان - منشقة عن التنظيم الدولي
السلفية الشعبية مثل حماس والجهاد الاسلامي
والفكر السلفي لا يكفّر بعضه بعضا ولا يقاتله مثلما يقاتل كافر ، وانما يحاججه ويوقف مدّه في المساجد ، وانا لم اسمع على لسان شيوخ حزب التحرير او حماس انهم كفّروا الهباش لكنهم اختلفوا معه في طاعة السلطان ... امّا في كتاب داعش فيقولون ان العيش في مرحلة التوحش اهون الف مرة من العيش في ظل هوان السلطان ، وهي فتوى جديدة في بطن السنة ، لان الشيعة هم الذين قالوا ذلك فيما تنعّم شيوخ السنة الف سنة في حضرة السلاطين ولم يشقوا عصا الطاعة عليهم .
واذا لم اخطئ الظن ،فانني وجدت كتاب ادارة التوحش سطحيا ويمكن ان يكون خطة عمل او كتيب ارشاد ميدانية للمقاتلين في جبال جرداء او لمجموعة مطاردين في الارياف تبحث عنهم السلطات . ولكنه لا يرقى الى مستوى الفقه العميق ، وقد اخد الشخ ابو بكر الناجي اجمل ما عند اليسار وشتمهم واخرجهم عن الملة باعتبار انهم اصحاب مبادئ قذرة وحياة اباحية ، واخذ أجمل ما عند اجهزة المخابرات من نظريات امنية وشتمهم واستباح دمهم ، واخذ افضل ما عند حماس والجهاد الاسلامي ووضع فيهم عوارا ، واخذ اجمل في ما في الاستراكية واجمل ما في الرأسمالية وأجمل ما في العرب وأجمل ما في علوم الادارة واجمل في ما في القرأن واجمل ما في الضمان الاجتماعي ، وفي النهاية قال هذا هو طريق الحق وديدن السلفية الحقة .
على كل حال لست انا من يقرر من ناحية فقهية قيمة الكتاب ، لكن هذا الاصدار يشدد ويؤكد على ان مرحلة التوحش هي المرحلة التي يجب ان تعيشها كل من الدول التالية ( الاردن - اليمن - العراق - سوريا - المغرب العربي - مصر - وبلاد الحرمين ) . اما الدول التي لم تذكر هنا فعلى السلفيين المجاهدين انهاكها واستنزاف مواردها من خلال استهداف المنتجعات السياحية وابار البترول والشركات الاجنبية ، لتحطيم موارد الدولة واستنزاف جيشها ومخابراتها . والغريب ان داعش لم تطرح بعد امر اسرائيل على جدول قتالها ، وربما تكون أجلتها الى مرحلة ما بعد توحش الوطن العربي اولها !