نشر بتاريخ: 23/12/2014 ( آخر تحديث: 25/12/2014 الساعة: 21:15 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
العمل هو جهد عقلاني مبذول لقاء أجر مدفوع ومحدد . والعمل قد يكون عضليا او مهاراتيا او ذهنيا او فيزيائيا وهو مشروط زمانيا ومكانيا . والعمل واجب وحق وليس ثمة مجتمع انساني يستطيع التقدم نحو الحضارة من دون تشكيل طبقة واسعة من العمال تتولى مهمة التشييد والبناء والصيانة .
والعمل متعة ، والعمل عبادة لمن يعرف معنى قيمة العمل . ولا غرو ان نقابات العمال هي الاهم من بين جميع النقابات في المجتمعات المتقدمة ، وقد كانت طبقة العمال في فلسطين من اهم واوسع طبقات المجتمع وحسب احصاءات ما قبل النكبة كان في فلسطين اكثر من 40 الف عامل سعودي وخليجي يعملون في يافا وحيفا وعكا ، والى جانب الفلاحين وعمال الارض ظلّت طبقة العمال والموانئ وشق الطرق وسكك الحديد هي الاقوى والاكثر اخلاصا لفلسطين عبر عصور التاريخ .
بعد احتلال فلسطين اتسعت طبقة العمال أكثر ولكنها أصبحت اكثر عبودية واقل اجرا . كان العامل الفلسطيني يعمل بالسخرة في ورشات العمل الاسرائيلية ، وقايضه الاحتلال لقمة عيشه مقابل بناء المستوطنات اليهودية على أرضه ، ونعرف كثيرين من اهالي فلسطين صادر الاحتلال ارضهم وبساتينهم واضطروا للذهاب للعمل فيها لاقامة مستوطنات ، انا شخصيا عملت في قريتي التي هاجر منها اهلي عام 1948 وكنت طفلا صغيرا اعمل في حصد ثمار الخوخ والدراق لصالح اليهود من اصل ايراني والذين استوطنوا بلدة ابي واجدادي !!!!
في العام 1977 فاز الليكود بالحكم في اسرائيل فزادت اجور العمال واصبح للعامل " مكانة " اكثر من الطبيب والمهندس والمعلم والتاجر ، بل ان اي فلسطيني فقير معه اربعة اولاد كان يعمل في اسرائيل وخلال سنوات يبني بيتا ويشتري سيارة ويزوّج اولاده ... وظلت الامور هكذا مدّ وجزر حتى جرى توقيع اتفاقية اوسلو . ودعا حينها شمعون بيريس الى تخفيض مستوى حياة الشعب الفلسطيني ليصبح قريبا من مستوى دخل الاردن وليس مثل مستوى حياة سكان تل ابيب !!! ونجح فعلا في تنفيذ ذلك . واصبح العامل الذي رفض سابقا الدخول في سلك الشرطة والامن الفلسطيني ووظيفة السلطة يتوسل كي يعمل في هذه الوظائف . وجرى ربط كل حياة الشعب الفلسطيني ومن كل الفصائل بوظيفة السلطة ، وحتى غزة التي انسحب منها الاحتلال صارت تتظاهر من أجل الراتب .
بعد اوسلو جرى تشكيل وزارة العمل ، فأصبح لدينا وزارات عمل ولكن ليس لدينا عمل ... وعلا شأن الموظف والجندي والبائع ومندوب المبيعات وتراجعت قيمة العامل ، وصولا الى ما نشهده الان ، مئات الاف العمال في غزة عاطلون عن العمل ويجرعون الذل والاهانة على حواجز الاحتلال العسكرية ، ومثلهم في الضفة والقدس .... وجميع الحكومات والدول الصديقة التي وعدتنا بمناطق صناعية " لحست كلامها " .
الان لدينا حكومات ، ولدينا وزارات عمل ، ولدينا خطط ، ولدينا تخطيط ،وضرائب ، ومحاكم عمل ونقابات وبرلمانات وفصائل وقوى وفضائيات ومعابر وارتباط مدني وارتباط عسكري وانترنت وواي فاي وواتس أب واكس أل وريد بول وكورنفلكس وهوت بيرد . ولكن ليس لدينا عمل .