الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

اللص والكلاب

نشر بتاريخ: 11/01/2015 ( آخر تحديث: 13/01/2015 الساعة: 19:43 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

ذات سنة ، وقبل دخول السلطة الى فلسطين . تحوّل العديد من نشطاء الحركة الوطنية الى " مهنة " تشقيف السيارات ، وصار للوظيفة الجديدة تجار وموظفين وزبائن ولصوص .وبعد دخول السلطة ورواتبها الشحيحة جدا في ذلك الوقت ، اخذت المهنة المستحدثة رواجا اكبر فصارت السيارات المسروقة سمة العصر ، وصار العقيد يسوق السيارة المسروقة قبل الجندي ، والنقيب قبل الرقيب ، والزعيم التنظيمي من كل الفصائل قبل العنصر الوافد ، بل ان بعض الاجهزة الامنية صارت تتسابق لحماية اللصوص واقتسام الغنائم معها ، سواء في قطاع غزة او مدن الضفة الغربية .
وصار الموظف المحترم يذهب الى عمله مواصلات - المواصلات العامة سيئة وبلا مواعيد ولا حافلات ولا قطارات ولا اجور ثابتة - بينما العاطل عن العمل يسوق سيارة من نوع مرسيدس موديل حديث وثمنها لا يتجاوز 2000 شيكل ( 500 دولار ) ، وظل الامر مستمرا لاكثر من 15 سنة على هذا المنوال .

كتبنا كثيرا ، وقلنا أكثر حتى ملّ الناس من هذا الكلام ، وظلّت السيارة المسروقة حبيبة الجماهير والصديقة الوفية للفقراء وصغار الموظفين الذين بالكاد يستطيعون الصمود في وجه الغلاء والاحتكارات . حتى ان بعض رجال الدين " حللوها " . وانا شخصيا اعرف مساجد وبيوت الله تسرق كهرباء الان وستجد من يبرر الامر بسهولة .

وأخيرا حين جاء المسؤولون لاستشارتنا حول السيارات المسروقة ، قلنا لهم ان الخلل فيكم وليس في الناس ، الخلل في القرارات " الغبية " التي اتخذها الوزراء والمدراء بشأن المواصلات وطريقة المسارعة لمنع تحويل السيارات الاسرائيلية الرخيصة للضفة واحتكار السيارات الجديدة الغالية للاغنياء . ولو ان الحكومة والبنوك وفّرت للمواطن البسيط البديل البسيط للتنقل والتنقل لما اضطر للسيارة المسروقة .

وبالفعل جرى "تعويم" السيارات الصغيرة وبكفالة البنوك وتسهيلات شركات التأمين ، فترك الناس السيارات المسروقة واشتروا لعائلاتهم واطفالهم سيارات خاصة بهم . وانتهت الظاهرة تلقائيا .

حل مشكلة السجائر ، ومشكلة الكهرباء ، ومشكلة المياه ، ومشكلة الدين ، ومشكلة الكفر والالحاد ، وحصار غزة ومشكلة الكبت الجنسي وجميع مشاكل الناس سهلة لو كان هناك من يفهم بالخوارزميات، ويعرض حلولا وبدائل ناضجة امام الناس.

مثلا - لو قامت الحكومة بالانتقال الى الطاقة الشمسية ، وسرى مفعول هذا القرار على جميع الوزارات وفي كل المدن ودوائر السير ، وبعد ذلك سرى مفعول الامر على جميع المنظمات غير الحكومية والاغنياء ورجال الاعمال والمصانع ، لصار هناك قدوة ناجحة امام المواطنين والاحياء الفقيرة والقرى والمخميات لتخذو حذو الحكومة ، وستنتقل الحالة الى اللجان الشعبية والموظفين واصحاب المعامل الصغيرة وتربح شركة الكهرباء كثيرا ويتخلص المواطن من هموم الكهرباء كثيرا .

ولو عدنا لقراءة رواية " اللص والكلاب " للراحل نجيب محفوظ لعرفنا : ان كل لص في العالم يعتقد انه برئ وان السبب في ورطته هم الكلاب من حوله والذين تسببوا له في هذه الورطة . وحتى نخرج من هذه الجدلية ، لا نريد ان نقرر من هو اللص ومن هم الكلاب ، بل علينا ان نبدأ بالحل . والحل ليس عند المواطن بل ان المواطن اخر من سيشارك في الحل . فالمسؤول اولا ، الغني اولا ، القائد اولا .