نشر بتاريخ: 16/02/2015 ( آخر تحديث: 16/02/2015 الساعة: 10:37 )
الكاتب: عماد توفيق عفانة
يتراجع مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية ويتقدموا في ساحات المعارك التي يخوضونها في كل من سوريا والعراق وذلك في اطار سياسة الكر والفر التي تتميز بها المعارك الطويلة عبر التاريخ.
فتراجع تنظيم الدولة عن كوباني، قابله تقدمها في مناطق اخرى في العراق وسوريا، وليس ذلك فحسب فقد تمدد اذرع تنظيم الدولة الأخطبوطية في عدد من الدول العربية مثل مصر وتنظيم انصار بيت المقدس، وفي ليبيا مع تنظيم انصار الشريعة، عدا عن تمدده في دول المغرب العربي، حتى وصلت الامور الى ظهروه في عقر دار القاعدة وطالبان حيث ظهر مؤخرا في افغانستان وفي غيرها من بلاد المسلمين.
وها هو تنظيم الدولة يعوض عن خسارته في بعض المناطق وعلى بعض الجبهات هنا او هناك بتسجيله لحضور إعلامي طاغي يتمدد ولا ينحسر، "ليس بفضل تقوى التنظيم، وورع رجالاته، ولا بفضل تمسكهم المفرط بأهداب الدين، ولكن بخبرة مصورين يمتلكون كاميرات حديثة عالية الدقة، توضع بزوايا ملائمة لتقديم فرجة مثيرة، تدخل عميقاً في الجهاز العصبي، وتبقى هناك مدة طويلة".
هذا الحضور الاعلامي الطاغي كفيل بان يغطي على أي أخبار للهزائم او لتراجع التنظيم في أي من الجبهات.
لا شك ان افلام التنظيم الاستعراضية، التي بثها التنظيم لإعدام مناوئيه او اسراه ايا كانوا باستخدام سلاح إعلامي حاد الملامح، وخطاباً دينياً باذخاً مستندا الى روايات من بطون التاريخ، وهي بضاعة رائجة في أيامنا مع انتشار انصاف المتعلمين وانصاف المثقفين وانصاف المتفيقهين، في ظل التشويه الثقافي والمعرفي والحضاري لتاريخ العرب والمسلمين الناصع.
ومع اعتماد تنظيم الدولة على غزو الصورة، وعلى التلاعب بالانفعالات العاطفية للمستهدفين، فان التنظيم ينجح والى حد ما بالإيحاء للشعوب أنه تنظيم اسلامي حقيقي نابع من تراث المنطقة وموروثها الثقافي، عبر ارتكازه بقوة على المكون العاطفي للشعوب، ما يثير جدلا يقسم نظرة الناس حياله الى شطرين كبيرين وبينهما اناس على الاعراف.
يظهر الشطر الأول مساندا وداعما له بقوة تدفعهم للانخراط في صفوفه.
فيما يتجلى الشطر الثاني في العداء الشديد الذي يصل إلى حد التجييش لمواجهته.
فيما يترقب شطر الأعراف لمن ستؤول الغلبة كي يرمي بثقله في جانبه عله ينجو من هذه الفتنة التي تجعل الحليم حيران.
يتقدم تنظيم الدولة فيما تنظيم الاخوان المسلمين الضارب في العراقة والقدم والذي يبلغ أعداد منتسبيه بالملايين فانه يشهد تراجعا مدفوعا بقوة القهر.
ينتشر تنظيم الدولة المتطرف ويمد اذرعه بقوة السلاح ويزداد منتسبوه على امتداد خارطة الوطن العربي، فيما يتراجع تنظيم الاخوان المعتدل والعقلاني باصراره اعتماد مبدأ سلميتنا اقوى من الرصاص.
ينتشر تنظيم الدولة ويتمدد في نفوس وعقول الناشئة على امتداد رقعة العالم، ويسيطر فيه المسلمون الجدد القادمون أو المدفوعون - لا فرق - من دول الغرب، ويسيطرون على حدود المشهد وتفاصيل الصورة على حساب المسلمين متطرفين او معتدلين – لا فرق- المنتسبين للتنظيم من اهل البلاد الاسلامية التي يتربع التنظيم على انفاسها.
فيما يتراجع الاخوان المسلمون ويحذفون من المشهد العام للصورة في اليمن لصالح الحوثيون، وفي مصر لصالح الانتهازيون، وفي الامارات لصالح المتخابرون، وفي سوريا لصالح البعثيون، وفي الاردن لصالح الهاشميون، وفي السعودية لصالح الوهابيون، اما في غزة فهم مقموعون محاصرون.
لكن الا ترون معي ان تنظيم الدولة تموضع في الفراغ الذي تركه التنظيم السني الاقدم والأعرق والأكثر اعتدالا على وجه الخارطة وراءه...!!
ألم ندرس جميعا ومنذ نعومة اظفارنا ان الأجسام المائعة تتمدد في كل مكان فارغ....!!
ألم يكن حري بتنظيم الاخوان المسلمون ان يغير طريقته في التغيير مع توالي الأجيال وارتفاع نسبة الوعي وشيوع الثقافة الاسلامية وغزوها عقر ظلامية الغرب المتقدم تكنولوجيا ..!!
ألم يكن أجدر بتنظيم الاخوان تنويع اساليبه في مواجهة الانظمة القمعية بما يستوعب الاجيال الصاعدة ذوات الميول المختلفة بين التطرف والاعتدال للحيلولة بين اجيالنا وبين القوى العالمية التي وجدت في تنظيم الدولة كما وجدت في القاعدة من قبلها، مفرخة نموذجية لجيش من الأغبياء لتدمير الذات وتوفير الوقت والجهد والمال على قوى الغرب الذي يسعى لإدامة نهبنا واستباحتنا اطول فترة ممكنة قبل ان نصحوا..!!..
ألم يكن حري بالاخوان المسلمين تحشيد شباب الامة وطاقتها المهدورة في محرقة داعش خلف حركة حماس راس حربة المقاومة لتحرير فلسطين كأشرف واحق واعدل قضية عوضا عن تركهم نهبا للافكار والجماعات المتطرفة..!!
أليس تصدير الحلفاء المحليين كالأردن ودول الخليج والعراق والاكراد وغيرها لمواجهة تنظيم الدولة هي معركة صرفة للتدمير الذاتي بكل ما للكلمة من معنى...!!
اليس ما تفعله انظمتنا وتنظيم الدولة صد للإسلام عن مزيد من الفتح والانتشار في بلاد الغرب التي من المرشح ان يصبح عدد منها دول ذات اغلبية مسلمة في غضون عشرية بسيطة..؟
الم يكن حري بتنظيم الاخوان المسلمين التفكير بطريقة مختلفة عن التفكير في زمن الترماي لحرمان القوى الاستعمارية من استخدام بعضنا كقفازات لها لتدمير بعضنا...!!
منذ مسرحية الحادي عشر من سبتمبر( أيلول) 2001 ، والعالم الامبريالي الاستعماري الكولينالي – وقل ما شئت من هذه المصطلحات ذات الزوايا الحادة - يتظاهر بأنه منشغل في إيجاد علاج لظاهرة "الإرهاب" – هذا المصطلح الذي يطلقه الغرب على كل من يقف حائلا دون تحقيق مصالحه في نهب والسيطرة على بلاد العرب والمسلمين- ، ورغم الجهود الدولية التي يتظاهر العالم الامبريالي ببذلها فإننا نرى تنامي متسارع لظاهرة "الارهاب" عوضا عن القضاء عليه او على الاقل تحجيمه..!!
قبل ظهور القاعدة انشغل عالمنا العربي ومثقفونا ومتفيهقينا بتحليل ظاهرة العولمة، لدرجة دفعت البعض لوضعها في دائرة الحلال والحرام .
ارادت القوى الاستعمارية من العولمة تسهيل نهب ثروات المستضعفين، ونجحوا إلى حد ما ، ونجح معهم حركات أخرى ليس من بينها الاخوان المسلمون في تحقيق اهدافهم الخاصة.
فاذا كان الاستعمار اراد من العولمة تسهيل الانتقال بحرية للأفراد- الغربيين- ، وحمل جنسيات دول لم يولدوا فيها، فيما يبقى ولائهم لدولهم وقضاياهم الوطنية، فان جماعات اسلامية استفادت من هذه الحركة للتوغل والتوسع والانتشار بأفكارها في بلاد الغرب والعرب على حد سواء.
واذا كان الاستعمار اراد من العولمة توسيع دائرة حركة المال، فان جماعات اسلامية وفرت لها حرية حركة الأموال لنقل اموالها بطرق غير قانونية، باستخدام أليات تمويل مخالفة واستخدمت الأعمال الخيرية كغطاء لتنموية الموارد بعيدا عن الحظر الذي تفرضه دول الغرب بين فينة واخرى على هذه الحركة او تلك او هذا الشخص او ذلك .
واذا كان الاستعمار اراد من العولمة تسهيل حركة الأفكار والأيدولوجيات لغزو العالم العربي والاسلامي وتشويه عقيدته الاسلامية، فان حركات اسلامية وفرت لها هذه الحرية امكانية نقل أفكارها الخاصة بسرعة هائلة ، وسرعة تجهيز الأفكار اصحبت سهلة باستخدام ذات التقنيات التي يفخر الغرب بالبراعة بابتكارها.
واذا كان الاستعمار اراد من العولمة توسيع دائرة الإعلام بهدف التسويق للأفكار الخبيثة والمضللة لأجيال المسلمين والتواصل مع طبقات برجوازية موالية للغرب وحشد قوتهم لقيادة التغيير في بلاد العرب والمسلمين لجهة تثبيت الولاء للأفكار والحكومات والثقافة الغربية، فان حركات اسلامية نجحت ببراعة في استخدام حرية الاعلام والامكانات اللامحدودة للتواصل بين البشر لتجنيد الاتباع واختراق المجتمعات باستخدام العصب الديني وبتوظيف الممارسات القمعية على مختلف مستوياتها التي يمارسها الغرب وقاعدته المتقدمة – "اسرائيل- بحق العرب والمسلمين" .
اذا كان الاستعمار اراد من العولمة توسيع سيطرته على العالم الثالث، فان العولمة انتجت كيانات وحركات اخرى احتلت الفراغ الذي فشلت جماعة الاخوان المعتدلة بإشغاله لنشر افكار وقيم الاسلام الذي فتح مشارق الارض ومغاربها بأخلاقه الحميدة، فملأت الحركات الأخرى مثل القاعدة ومن بعدها داعش لنشر افكار شاذة وسلوكيات منافية لتعليم الدين الحنيف.
الأمر الذي يوضح كيف نجح تنظيم الدولة وبسهولة في حشد أكثر من 30 ألف مقاتل من أكثر من 70 دولة وجنسية، رغم أنه عمره الزمني لم تجاوز العشر سنوات..!!.
وبالطبع فان فشل نظام الدول الإقليمي هو سبب أساسي في استمرار هذه الحركات، وهذا لا ينفي مدى قدرة داعش على الاستفادة من التناقضات القائمة بين دول الإقليم ذاته، فنجد دولة ما تمول الإخوان نكاية في دولة أخرى، ودولة أخرى تمول الحوثيين في اليمن لتحقيق مكاسب سياسية ضد دولة منافسة وهكذا.
لطالما نبهت جماعة " الأخوان" وحذرت العالم ان البديل عن السماح للإسلام المعتدل من الصعود الى سدة الحكم فان البديل هو ما تشهده المنطقة اليوم.
لأنه باختصار ان من يحارب العنف والتطرف ويحارب نقيضه في ذات الوقت لن ينتج إلا مزيد من الفراغات التي ستحتلها جماعات وافكار لن يقف عنفها عند حدود الاقليم بل ستنتقل الى عقر عواصم الغرب المترفة.