نشر بتاريخ: 17/02/2015 ( آخر تحديث: 17/02/2015 الساعة: 11:20 )
الكاتب: عدنان عطية رمضان
بعد كل حادث اجرامي تكثر الاستنكارات والشجب والتبرؤ من الفاعلين المجرمين ويوصفون ويوسمون بابشع الصفات والسمات كانهم لا يمتون الى عالمنا وواقعنا بصلة ويوكد على ذلك بايات من الذكر الحكيم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك من الحوادث التاريخية متناسين ان هناك ملايين الاحداث اليومية التي تعزز الفكر الداعشي سواء الاسلامي منه او اية الوان ونسخ اخرى يهودية او مسيحية او غيرها ، وذلك سواء في السياسات الدولية ومؤسساتها او مراكز صنع القرارا ودوائر الاستخبارات او في مراكز الابحاث والجامعات والشركات الكبرى للاعلام والتسويق و في المدارس والجامعات والمساجد واحاديث الشيوخ الذين يعيشون بين ظهرانينا وعلى الشاشات وفي فضاءات الفيس والنت وغيرها ، حيث ان هذه الاستنكارات لا تساوي نقطة من بحر فقه التوحش العالمي باشكاله والوانه المختلفة وهو غير مقتصر على داعش وهي بالمناسبة وليدة شرعية لحواضن علنية وشرعية حتى ممن يدعون محاربتها .
الارهاب والفاشية ليسا حكرا على دين او طائفة او عرق او شعب بل هي متلازمة الوجود الانساني في كل مكان وعبر حقب التاريخ المختلفة بل ان جزء اساسي في تاريخ البشرية هو تاريخ الفظائع التي اوقعها الانسان باخيه الانسان ولطالما نجح البشر في اضفاء صفة القداسة والضرورة لتبرير هذه الجرائم بل الفخر بالعنف والجرائم التي يتم ارتكابها للوصول الى غاياتهم المتمثلة بمزيد من السلطة والثروة والسيطرة .
اليوم تشرع ابواب العالم على مصراعيها للدخول الى عالم مليئ بالفوضى والعنف والحروب وما نشهده الان ما هو الا بداية لعصر جديد تتداخل فيه مغذيات الصراع المستعرة ، والتي ستزداد اشتعالا لتأخذ مسميات طائفية ودينية وعرقية وطبقية وسياسية تدخل البشرية في اتون محارق وحروب مدمرة للحضارة والانسان في كل مكان ولا احد بمنأى عنها ، الفوضى ستعم العالم حتى وان كانت ساحاتها الاساسية هذه الايام هي منطقة الشرق الاوسط لكنها ستطال الجميع وفي الغالب سيدفع ثمنها الاكبر الفقراء في كل مكان كما كانت الحال الان ودائما .
ندخل عتبات هذه المرحلة هذه الايام ولا نعلم كيف ستكون نهاياتها ومتى ؟ لكن الاكيد ان وجه العالم لن يبقى كما هو في الاعوام القادمة
هي حروب تفرض نفسها علينا ولا ينفع فيها ان يضع الناس رؤوسهم في الرمل فوقود الحرب هم من حولنا واعزائنا ابنائنا واصدقائنا وبنو جلدتنا
والسؤال الذي يطرح نفسه هل هل هذا العنف وهذه الحروب نتيجة حتمية ولا بد منها ؟ دعونا نرى الصورة في كليتها وليس في هذا الحدث او ذاك وسنجد ان الاجابة ببساطة هي نعم . فلقد تم التاسيس لهذا العنف عبر مراحل تاريخية مختلفة وفي العقود الاخيرة بعد الحرب العالمية الاولى والثانية لم يتم الاستثمار في السلم والعدالة كما اشيع بمقدار ما كان العالم ساحة للتحضير للمواجهات الكبرى بل كان ساحة لزرع بذور الكراهية والظلم وعدم العدالة التي يتم بدء الحصاد فيها هذه الاعوام .
لقد كان الوجه الاخر لدولة الرفاه في اوروبا وامريكا وبعض بقاع ما سمي بالعالم الديمقراطي هو ما شهدته بلدان العالم الثالث من فقر ومرض وجهل وامية و فشل للتنمية ومظالم الدكتاتوريات والظلم والقهر والحروب وهما وجهان لسياق تاريخي واحد لا انفصام لعراه في عالم الامبريالية وما بعدها
حيث انه لم يتم استثمار مراكز الابحاث والدراسات والتطور العلمي لتسهيل حياة البشر فحسب بل ايضا وبالاساس للسيطرة على الشعوب وضمان الحد الاقصى من تراكم الثروات التي لا زالت تتركز في ايدي قلة وبشكل متسارع كما يقول الاقتصادي توماس بيكيتي صاحب كتاب راس المال في القرن الواحد والعشرين لتخلق ازمات متجددة وحروب لا نهاية لها .
السؤال الاخر الذي يطرح نفسه هو ما الذي نستطيع عمله ؟واين نقف من هذه الحرب؟ وللاجابة على هذا السؤال يجب ان نجيب على السؤال المتعلق باين نحن في هذه الفوضى ؟ وللاسف فان الغالبية من الناس تستل سيوفها للحرب كدون كيخوت بلا طائل لتجد نفسها مهزومة وملقاة على الهوامش بل قد تجد نفسها تحارب في الصف الذي تعتقد انها تحاربه فمن هو العدو؟ والذي قد يحمل اسماء عديدة ويظهر وباشكال والوان متعددة وحتى متصارعة و متناقضة كما يبدو في بعض الاحيان لكنه في الجوهر واحد .
فهناك الانسان الظالم وهناك الانسان المظلوم وهناك المستبد وطالب الحرية من يملك الثروة ويحجبها ومن لا يملكها و من يملك المعرفة ويحتكرها ومن يراد له العيش في الجهل وهكذا دواليك
ان الاجابة عن سؤال اين نقف وفي اي جانب من المعركة نقف هو المحور الاساسي للحياة بما يستند اليه من مباديء وما يترافق معه من قيم واحلام ان الانسجام الذاتي للانسان هو المدخل الاساسي لتحديد موقع الانسان في هذه المعركة التي لا مجال فيها للتلون فلا يعقل ان تعلن التضامن مع شارلي ابيدو ولا تدافع عن ضحايا الارهاب في نورث كار ولاينا او تدين حرق الكساسبة وتغض الطرف عن حرق ابو خضير ان لا يحركك الارهاب الامريكي وان تغضب لارهاب بوكو حرام ان تسكت على جرائم الاحتلال الصهيوني في غزة وان تصرخ من اجل الحرية في الصين ان تنسى ضحايا قصف الطائرات الفرنسية في ليبيا وان تتذكر وحشية الطالبان او ترفض الممارسات الطائفية وانت تغرق في عنصرية كريهة ان تهاجم التشدد الاسلامي وانت تستحضر الحروب الصليبية ان تدافع عن الراسمالية و تنسى ضحايا شركات النفط في الاكوادور ان تدافع عن العدالة وانت تظلم اختك وزوجتك وبنتك ان تهدم كل يوم وانت تدعي البناء ان تسرق عرق غيرك وتدافع عن طبقات الفقراء .
النضال والكفاح واجب انساني و الانسجام الذاتي هو رفض الانتقائية والازدواجية وهو يبدا من اصغر الاشياء ويمتد الى اكبرها فالحرب على الظلم تبدا في اضيق دائرة بداء من الجهاد الاكبر بان تقف ضد اطماع نفسك وصولا الى نشر المعرفة والعلم والحقيقة والاصطفاف امام كل الوان طيف الشر سواء كان برداء ديني اسلامي او يهودي او مسيحي او غيره او كان بمسميات اخرى .
الحرب تشتعل وباشكال مختلفة وتصل الى بيوت الناس تتعمم الصورة ويفيض الدم على العتبات وهي كذلك في كل مكان من من مقديشو الى كابول الى كوبنهاجن من اطراف الغوطة الشرقية في دمشق الى شرق دانتيسك في اوكرانيا
من مختبرات دواء الفقراء في الهند الى معامل احتكارات الدواء في سويسرا من مجاهل افريقيا الى هارفرد الاثرياء وطبقة الحكام من ضحايا الجوع الى مادب عربان الخليج ممن تحرق كتبهم لانها تنير درب الانسان الى ظلمات الفتاوى التكفيرية المعركة واحدة والعدو هو واحد وان تعددت اشكاله لنرفع الراية ونصوب نحو الهدف ونهتف باجمل قصائد الشعراء ولنتذكر من يسقط من الشهداء وان نتقدم الى الامام