الأحد: 22/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

حماس وجدليات الصراع: الكفاح المسلح، والعمل السياسي، واتهامات الإرهاب

نشر بتاريخ: 19/02/2015 ( آخر تحديث: 19/02/2015 الساعة: 17:11 )

الكاتب: د.احمد يوسف

منذ منتصف التسعينيات وحتى الآن، وجهت إسرائيل والدول الغربية اتهامات كثيرة ظالمة لحركة حماس بالإرهاب، فبعد العمليات الاستشهادية الانتقامية التي قامت بها كتائب الشهيد عز الدين القسام كرد فعل على استهداف المصلين في الحرم الإبراهيمي بالخليل، والتي قام بها المتطرف الإسرائيلي باروخ جولدشتاين؛ بتواطؤ مع عدد من المستوطنين، وذلك في شهر رمضان الموافق 25 فبراير 1994م، والتي راح ضحيتها أكثر من 29 فلسطينياً وجرح 150 آخرين .. تحركت إسرائيل بفزاعتها الإعلامية لوضع حركة حماس على قوائم الإرهاب بالولايات المتحدة الأمريكية، ونجحت في ذلك، حيث تمَّ ادراج الحركة على تلك القوائم في أكتوبر 1997م، وبعد ذلك على القائمة الأوروبية للمنظمات الإرهابية في ديسمبر 2001م.

في الواقع، كان القرار صادماً لحركة حماس؛ باعتبار أن ما تقوم به الحركة لا يتعارض مع حق الشعوب في مقاومة الاحتلال، وكفاحها المشروع من أجل تقرير المصير.

لقد كان موقف حركة حماس أن هذه القرارات بوضعها على قوائم الإرهاب الغربية إنما هو انعكاس لسياسة الكيل بمكيالين وأسلوب النفاق الذي تمارسه أمريكا والدول الأوروبية عندما يتعلق الأمر بالمسلمين، حيث إن الجيش الجمهوري الايرلندي كان يتم النظر لجناحه السياسي والتعامل معه خارج سياق اتهامات الإرهاب.

لقد حاولت حركة حماس وعلى لسان مؤسسها الشيخ أحمد ياسين إيصال عدة رسائل لإسرائيل، وذلك بضرورة تجنب استهداف المدنيين، ولكن الطرف الإسرائيلي كان يرفض ذلك، معتبراً أن الساحة الفلسطينية هي كلأ مباح، وليس هناك حرمة لأحد؛ سواء أكان مدنياً أم عسكرياً.
وعندما فشلت كل الجهود للتوصل إلى تفاهمات حول تجنيب المدنيين عمليات الاستهداف والقتل، وتكرار اعتداءات الجيش الإسرائيلي على المدنيين، عبر مسلسل الاغتيالات والقتل العمد، التي طالت قيادات وكوادر حركية وسياسية من حركة حماس، مما استوجب الرد على القتل بالقتل، ولكن هذه العمليات التي قامت بها حركة حماس لم تتجاوز حدود الوطن المحتل، وظلت ساحة الصراع الدامي مفتوحة داخل أرض فلسطين التاريخية، وضمن ضوابط القانون الدولي، الذي يمنح من هو تحت الاحتلال أن يدافع عن نفسه، وأن يقاوم المحتل بكل الوسائل القتالية الممكنة.
الانتخابات والدخول على خط العمل السياسي:
منذ أن قدمت حركة حماس برنامجها السياسي والذي تمَّ انتخابها بالأغلبية عليه، والذي كانت مفرداته السياسية من الوضوح، متجاوزة لكل النقاط التي كانت موضع خلاف في الميثاق، إضافة لما تضمنه خطاب الافتتاح للحكومة العاشرة من مضامين إيجابية سمحت للمزاوجة بين العمل السياسي والفعل المقاوم، وقد نالت الحكومة الثقة من المجلس التشريعي (البرلمان) في شهر مارس 2006م.
وفي سياق اللقاءات المتكررة لجهات رسمية غربية مع رئيس الوزراء - آنذاك -إسماعيل هنية في غزة، وأيضاً مع قيادات الحركة في الداخل والخارج، بات من الضروري أن تقوم الحركة بتوضيح رؤيتها، وأن تعرض الحكومة موقفها تجاه العديد من المسائل المتعلقة بحالة الصراع والتسوية السياسية والمفاوضات والعلاقة مع الغرب وشروط الرباعية، والتي كنا نواجه بها بشكل مستمر في تلك اللقاءات والنقاشات مع تلك الجهات الأمريكية والأوروبية.
يبدو أن الجهات الغربية الرسمية كانت تطمح لمعرفة موقف الحركة والحكومة التي تديرها حماس بشكل واضح، وبذلك تعمل على ترتيب قراراتها فيما يتعلق بالتعامل مع الحركة أو فرض المزيد من الضغوطات والشروط عليها.. لذلك، قامت الحركة في نهاية شهر نوفمبر 2006م بكتابة رسالة مطولة للجنة الرباعية تشرح فيها موقفها السياسي، ورؤيتها تجاه ما أثير من قضايا كان الغرب بانتظار إجابات لها. من هنا، جاءت هذه الرسالة والتي ربما تنشر لأول مرة، بعنوان: "التواصل وليس العزل لشعبنا: رسالة من الحكومة المنتخبة ديمقراطياً"، وهذا نصها:

بداية إننا نتوجه إليكم برسالتنا هذه وأنتم تجتمعون بهدف تحقيق السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط، وإننا نُثمن الجهود التي تبذلونها، ونتمنى أن تؤتي أكلها في إنهاء الاحتلال ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.. إن هذه الرسالة نوجهها للرباعية بصفتنا الحكومة المنتخبة ديمقراطياً من الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، والتي تمثله وتعبر عن رأيه.
منذ توقيع اتفاقية أوسلو وشعبنا يشعر بخيبة أمل كبيرة، حيث إن كل الوعود والاتفاقات والتفاهمات التي تمَّ التوافق عليها مع السلطة الفلسطينية قامت إسرائيل باختلاق الذرائع للتنصل منها والتنكر لها، وكانت تجد دائماً تبريراً أمريكياً لسياساتها العدوانية على شعبنا... إن ثقتنا بالجهود الدولية - وخاصة الأوروبية منها - كبيرة، ولكنَّ إيماننا بالتزامات الطرف الإسرائيلي شبه معدومة.
إنه ومنذ اللحظة التي ظهرت فيها نتائج الانتخابات في 25 يناير 2006م، والتي شهد العالم بنزاهتها وشفافيتها وكثافة المشاركة الشعبية فيها، وشعبنا يتعرض لحملة من الضغوط والاستهداف غير المسبوق، بهدف كسر إرادة حكومته.. إن الأمر مثير للدهشة والاستغراب، وقد تجاوز هذا الضغط كل حدود السلوك المعقول من التحريض وكيل الاتهامات، وفرض الشروط المسبقة على الطرف الفلسطيني إلى إعلان المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية.. إن النتائج السلبية لهذه السياسة قد بدأت تظهر آثارها على شعبنا وربما تتعاظم في الأسابيع والشهور القادمة، وخاصة إذا أخذنا في الحسبان استشراء حالة الفقر والبطالة، وتدني مستويات الدخل في الأراضي المحتلة، والتي لا تخفى أسبابها عنكم وهي الاحتلال، وضعف الموارد والثروات الطبيعية، وما كان قد استشرى من فساد وغياب للشفافية داخل مؤسسات السلطة.
إن الغالبية العظمى من الفلسطينيين تعلم بأن خيارهم الديمقراطي هو السبب وراء هذه المقاطعة الاقتصادية والسياسية لحكومتهم المنتخبة، ولكنّ فرص أن تثمر هذه الضغوط المتراكمة في تغيير الفلسطينيين لوجهة نظرهم السياسية هي فرضية ضعيفة، بل إن الاحتمال الأقوى هو في زيادة تضامن وتلاحم الشعب ووقوفه خلف حكومته المنتخبة.
ونحن إذا كنا حريصين على بذل الجهد من أجل أن يتحقق السلام، فإن الحكومة الفلسطينية تود أن توضح موقفها بشكل جلي، وهو: إن سياسة الحصار المفروض سياسياً ومالياً على شعبنا لن تكسر إرادته بالسعي لتحقيق طموحاته، ولن تثني حكومته من التأكيد على مطالبهم المشروعة باستعادة أراضيهم المحتلة، وإقامة دولتهم المستقلة عليها، وإن هذا الصراع لن ينتهي بأسلوب الانسحاب الأحادي الجانب، ولا عبر سياسة الضم والمصادرة للأراضي الفلسطينية، وهذه حقيقة نحن على يقين منها.
إن الحكومة الفلسطينية الجديدة جاء انتخابها على أساس برنامج شامل يدعو ضمن أولوياته إلى إنهاء الاحتلال، ويؤكد على رغبة الحكومة في بذل كل الجهود الممكنة لتحقيق السلام بالمنطقة، مع وجود القناعة لدى الكثيرين بأن إسرائيل - أصًلا - غير معنية بهذه التسوية، وتقوم بكل الممارسات العدوانية التي تؤكد هذه القناعات.
إن موقفنا يمكن أن نوضحه في بعض النقاط الجوهرية التالية:
1) إن الحكومة الفلسطينية، واستجابة لرغبة الأغلبية من شعبنا، والتي تأتي تأكيدًا لما جاء في بيان منح الثقة في 27 مارس 2006م، تأمل في رؤية دولة فلسطين المستقلة على كافة أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة؛ بما في ذلك القدس الشرقية.
2) إن حكومتنا تدرك بأن العالم يتعامل مع إسرائيل على أساس أنها حقيقة واقعة، ولكنّ ذلك لا يعني بأي شكل شرعية الاحتلال.. ومع ذلك، فإننا نعتقد بأن اعتراف الطرف الإسرائيلي بالحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني، وبسط السيادة الفلسطينية على الأراضي التي اعتبرتها الأمم المتحدة محتلة سوف تكون خطوة جادة باتجاه السلام الدائم.. كما أننا نؤكد بأن فرض سياسة الأمر الواقع عبر جدار الفصل العنصري واستمرار الاستيطان هو مخالفة للقانون الدولي، وإنه لا بدَّ من العمل على إزالته.
3) إننا نؤكد على عدم جواز استهداف المدنيين، ونطالب الطرف الإسرائيلي بضرورة تجنيب المدنيين دائرة الصراع، إلا أن ممارسات إسرائيل العدوانية على شعبنا لم تتوقف، وكانت باستمرار تطال المدنيين من الشيوخ والنساء والأطفال، ونحن هنا نتساءل: هل من المعقول أن يتمَّ التعاطي مع الأثر وتجاهل السبب؟ وهل الانحياز للطرف القوي المعتدي هو الحل السحري الذي سيؤدي إلى مصادرة حق شعبنا في مقاومته المشروعة للاحتلال؟
4) إن حكومتنا تشير إلى أن المبادرة العربية تتضمن نقاطًا إيجابية، وأنه سيتم التعاطي معها بجدية عند قبول الطرف الإسرائيلي الالتزام بما جاء فيها، وتُذكر الحكومة اللجنة الرباعية بأن سلطات الاحتلال هي التي تجاهلت دائمًا المبادرات العربية بما فيها مبادرة القمة العربية في بيروت، فالمشكلة لم تكن أبدًا فلسطينية أو عربية إنما هي لدى الاحتلال الإسرائيلي.
5) إننا نتطلع إلى إقامة سلام عادل يُنهي الاحتلال والحصار، ويحفظ الحق والكرامة لشعبنا، وليس السلام المفروض بقوة التهديد والحصار والوعيد.

إننا، مع كل ما سبق، سوف نستمر في تحكيم صوت العقل، وسنعمل على حث كافة القوى وكل الحركات الفلسطينية على التزام التهدئة، ولكن في ظل التصعيد الإسرائيلي، واستمرار مسلسل العنف الدموي الذي يمارس ضد شعبنا ليل نهار فإن أي ضمانات من طرفنا بنجاح التهدئة ستكون موضع تساؤل ونظر.
إننا كحكومة فلسطينية منتخبة ندعو المجتمع الدولي بعدم السعي لعزل حكومتنا ومحاصرة شعبنا سياسياً ومالياً ومعاقبته جراء خياره الديمقراطي.. إن عالمنا العربي والإسلامي يراقب عن كثب هذه الحملة الظالمة، التي تستهدف شعبنا وحكومته المنتخبة، وإن هذه الحملة لن تضر فقط بشعبنا الفلسطيني، ولكن أيضًا بمصداقية الغرب وتوجهاته في نشر الديمقراطية بالمنطقة.
إننا نناشد كل قوى السلام في العالم أن تُصغي لدعوتنا في الحوار من أجل السلام العادل.. كما أننا ندعو المجتمع الدولي لتأمل ما نفهمه كوجهة نظر نزيهة ومعقولة لحل الصراع، ونهيب باللجنة الرباعية التعاطي الإيجابي مع الحكومة الفلسطينية المنتخبة وليس بإطلاق التهديدات وفرض الشروط المسبقة.
إن هدفنا الأسمى الذي نتطلع إليه هو تحقيق السلام العادل لشعبنا، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم على أرضنا.. وقد أثبت الحوار والتفاهم دائماً أنه الطريق الأسلم لتحقيق الاستقرار والأمن والازدهار.
وختاماً.. إن لدى حكومتنا المنتخبة الكثير للمساهمة في استقرار الشرق الأوسط، وفي إنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على قاعدة إحقاق الحقوق الفلسطينية، كما إن بإمكاننا أن نسهم في جسر الهوة بين الغرب والعالم الإسلامي، وتعزيز بناء الثقة والاحترام المتبادل بين شعوب العالم... إن تجربتنا تشكل مثالاً للتوجهات الإسلامية نحو المشاركة والقبول بالتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، وإن السعي لإفشال هذه الحكومة المنتخبة ستكون له نتائج على السلم والاستقرار بالمنطقة.(انتهت الرسالة)

التوجهات السلمية: نهج وعثرات
جاءت حكومة الوحدة الوطنية الحادية عشر كتتويج لاتفاق مكة في فبراير 2007م، والذي تمَّ التوافق في برنامجها السياسي على أن يبقى ملف التفاوض مع الرئيس أبو مازن، ويعتمد على مدى التقدم والنجاح فيه شكل الرد والفعل المقاوم على الاحتلال.
وحيث إن الاخفاقات المتكررة في تحريك ملف التفاوض كانت هي السمة الغالبة على جهود التسوية السلمية، كانت ردَّات فعل المقاومة ترتفع وتيرتها لتذكير الإسرائيليين والعالم بأن فشل المفاوضات يعني تفعيل المقاومة وتصعيد عملياتها من جديد.
يبدو أن الطرف الإسرائيلي لم يفهم الرسالة، وظل يتعامل مع الفلسطينيين ومع الرئيس أبو مازن بمنطق الإخضاع والقهر وسياسة القوة والجبر، وهذا ما رفضته المقاومة وحركة حماس.
إسرائيل وإرهاب الدولة: جريمة بلا عقاب
بالرغم من كل الجرائم والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين منذ أكثر من ستة عقود وتعاظمت بشكل أكثر وحشية خلال السنوات الأخيرة، بحيث غدت هناك جرائم حرب وجرائم بحق الانسانية، شاهد العالم والمجتمع الدولي بعض فظاعتها إبان الحرب العدوانية على قطاع غزة عام 2008م، وكذلك في نوفمبر 2012 م، وأيضاً في الحرب الأخيرة التي استمرت أثر من خمسين يوماً عام 2014م، والتي لم تدع بشاعة الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال أية شكوك حول إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل، والذي تجد - للأسف - في الدول الغربية وخاصة أمريكا من يعمل في الدفاع عنها في المحافل الدولية وتغطية جرائمها تلك !!
لقد كان الفلسطينيين يتطلعون إلى الغرب والمجتمع الدولي أن ينصفهم، وأن يأخذ العدل مجراه، بعد أن توافرت كل الأدلة على ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب وجرائم بحق الإنسانية، عكستها عشرات التقارير الأممية الرسمية، وكذلك تحقيقات المنظمات الحقوقية المحلية والعالمية. ولكن للأسف كان الغرب بمثابة الخصم والحكم، وكانت إسرائيل يدها طليقة وتتجاوز في انتهاكاتها كل الأعراف والقوانين الدولية، وليس هناك من يردعها أو يضع حداً لتصرفاتها الإرهابية، أما نحن الضحية فإن حالنا مع إسرائيل ينطبق عليه المثل القائل: "نشكيك لمين يا اللي أبوك قاضي".!!

ختاماً: الغرب والحاجة للصحو قبل فوات الأوان
إن على الجهات اليمينية المتطرفة في الغرب أن تفهم بأن محاولاتها لوأد مستقبل حماس كحركة وطنية تقارع الاحتلال ضمن المحددات السياسية والنضالية المشروعة، والهادفة إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة على كامل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس عاصمة لها، إنما تعطي المبررات لتنامي تيارات العنف والتطرف بالمنطقة، وهي كذلك تخلق الأجواء الملبدة بالغيوم وريح السموم، وتمهد الأرضية للتحرك وتحدي الغرب في عقر داره، وحتى استهداف مصالحه الحيوية بالمنطقة.
إن منطقة الشرق الأوسط اليوم هي بمثابة برميل بارود (Pandora's Box)، وإذا لم تتحرك قوى الاعتدال والواقعية في الغرب للجم التغول الإسرائيلي وعدوانه المستمر على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن احتماليات انفجاره مرة بعد مرة واردة في كل لحظة، وأن التداعيات سوف تطال الجميع، ولن تستثني أحدًا.
إن تعزيز التجربة الديمقراطية على أرض فلسطين واحترام النتائج التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية في 25 يناير 2006م، والتي جاءت بحركة حماس للحكم، توجب على الغرب احترامها والوقوف إلى جانبها والدفاع عنها، وليس التحريض عليها وقطع الطريق أمامها، وذلك إذا ما أراد الغرب – فعلاً - إعطاء المصداقية لشعاراته حول تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، والذي سوف يعمل على تكريس نهج الاعتدال الإسلامي والتداول السلمي للسلطة، وذلك عبر الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، بدل اللجوء إلى خيارات الدم والرصاص.
إن أمام العالم - وخاصة الأوروبي منه - فرصة تجنيب المنطقة العربية والإسلامية منطق العداء والكراهية له ولسياساته، وذلك بتشجيع ماكينزمات التحول الديمقراطي وبالتواصل مع حركة حماس؛ لأن هذا التواصل سيسهم في تأثيث قناعات الإسلاميين وذهنياتهم الحركية بضرورة التعاطي والتسليم بأن هناك خيارات سلمية يمكن من خلالها تحقيق التحول والتغيير، وأن تجربة حركة حماس هي الشاهد على ذلك.
أما إذا استمرت سياسات القهر والحصار والاستهداف لحركة حماس، فإن العالم مرشح لفقدان ثقة المنطقة العربية والإسلامية كلها بشعاراته ومبادئه، وهذا معناه توسيع دائرة التحدي والمواجهة معه بالشكل الذي سوف يتهدد أمنه واستقرار مصالحه الحيوية بالمنطقة.
ولعل هذا ما تلقفه صديقي في واشنطن د. روبرت كرين؛ مستشار الرئيس الأمريكي السابق نيكسون، والخبير بشؤون الحركات الإسلامية، حين أشار إلى ذلك بالقول: "إن مستقبل حماس هو المفتاح للسلام والأمن العالميين".
أتمنى أن يستيقظ الغرب من غفوته قبل أن نصحو على صراخ كارثة جديدة، قد تكون أشد فظاعة وهولاً من أحداث 11 سبتمبر 2001م، والتي قسمت العالم إلى فسطاطين، ما يزال الجميع في الغرب والعالم الإسلامي يعاني من عقابيلها، ويدفع ثمن السياسات الخاطئة التي قادت إليها.