الكاتب: داوود كتاب
منذ صباح الاثنين ومكتب الداخلية في القدس العربية مغلق بسبب الإضراب المفتوح الذي اعلنه العاملين هناك إحتجاجا على اوضاعهم العمالية. الغريب ان الاضراب لم يشمل اي مكتب اخر للداخلية الاسرائيلية الامر الذي ضمن عدم إكتراث اي من الاعلام اوالسياسيين الاسرائيلين به.
ولكن الملفت أن الاضراب الذي يمس بحاية المقدسين لم يتم ذكره في اي وسيلة إعلام فلسطينية وكأن حرية السفر عبر الجسر او تجديد وثائق السفرا وإستصدار شهادات ميلاد غير مهم للإعلام الفلسطيني او لمن هم يدعون انهم قادة المقدسيين.
طبعا معروف انه لا يوجد للمقدسيين او القيادات الفلسطينية اي وسيلة للضغط المباشر على وزارة الداخلية او حتى التاثير عليها بسبب غياب اي تعامل علني جماعي وطني حيث كل شخص يتعامل مع الداخلية لمصلحته الشخصية. هذا لا يعني انه على الإعلام تجاهل الموضوع أو على القادة عدم التطرق له وللاضرار التي سببها لحياة 300 الف مواطن مقدسي مضطرين التعامل مع مكتب واحد للداخلية الاسرائيلية في القدس.
السؤال المهم هو ما هي الدروس والتحديات التي يجب ان نتعلمها من هذه التجربة المريرة والتي يعرفها جيد سكان القدس والذين اصبحوا ايتام سياسين او كما قالها احدهم "بدون." فالمقدسي لا يحمل جواز سفر فلسطيني ولا توجد دولة في العالم تعتبره رسميا من رعاياها رغم المزاودات الكثيرة للقدس كعاصمة الشعب الفلسطيني.
التحدي الاولى التي يجب ان نعترف به هو غياب القيادة الحقيقية للسكان المقدسيين. منذ رحيل الزعيم المقدسي فيصل الحسيني لم تحظ المدينة المقدسة باي قائد او قيادة جماعية تضع مصالح أهل القدس في المقدمة. طبعا لا شك ان إسرائيل لها دورا كبيرا في سحق كل محاولة لخلق قيادة وطنية خاصة إذا تبين أن لها علاقة مباشرة او غير مباشرة مع القيادة الفلسطينية في رام الله. فهل ممكن ان يتم التوافق على قيادة فلسطينية محلية في القدس تكون مقبولة لدى القيادة في رام الله دون أن تكون على صلة مباشرة معها وخاصة فيما يخص التمويل. الا يوجد إمكانية لدعم قيادات محلية من قبل رجال اعمال محليين؟
التحدي الثاني هو غياب الواقعية. فبعد مرور 47 سنة على الاحتلال والضم الاسرائيلي الاحادي وغير القانوني لم نستطع تطوير خطاب سياسي وبرنامج تنموي حياتي معقول وقابل للتطبيق. فمن ناحية نستمر في خطاب مزايدات وفي نفس الوقت يقوم الجميع من مسؤولين الى مواطنين بالتعاون مع الاحتلال ليس لسبب الا انه امرا ضروريا للبقاء.
فإذا كان الوضع كذلك فلماذا لا توجد لدينا الشجاعة للعمل على وضع خطة عملية منطقية بعيدا عن المزاودات وفي نفس الوقت دون الرضوخ للاحتلال. فهناك ضرورة لوضع خطة وطنية للاشتباك مع كافة دوائر "الامر الواقع" دون الاستسلام او المزاودة غير المنطقية.
فالمطلوب خطة عملية وطنية للتعامل مع كافة المؤسسات التي تؤثر على حياة المواطن المقدسي كانت بلدية او الداخلية او غيرها من الدوائر اوالوزارت. فالكل يتعامل مع تلك الدوائر ولكن بصورة فردية وبالخفية وبدون فائدة جماعية في حين المطلوب التعامل العلني عن ثقة ومسؤولية وطنية ودخول في إشتباك قوي دفاعا عن مصالح المواطنين وتحقيقا لضرورة إستعادة جزء ضئيل من الرسوم والضرائب التي يدفعها المقدسي من عرق جبينة.
اما التحدي الثالث فمتعلق بعلاقة القدس مع العالم العربي وخاصة مع الجار الاردني. فمدام المقدسي ممنوع من الحصول على جواز سفر فلسطيني ويسمح له بجواز أردني مؤقت لماذا لا يتم - وبالتنسيق مع القيادة الفلسطينية - الاستفادة من دور الاردن المحوري إقليميا وعالميا. فمثلا لو كانت هناك اطار تواصل عملي مع الاردن لكان من السهولة الطلب من الجانب الاردني السماح للمقدسين السفر الى الاردن من خلال اللاسية باسية بدل التصريح في هذه الاوقات التي يمنع المقدسي السفر بسبب إضراب الداخلية الاسرائيلية المصدر للتصاريح.
فوجود وثيقة سفر معتمدة على الجواز الاردني يضمن امكانية عودة وبذلك لا ضرورة لاستخدام التصريح أصلا والذي كان استخدامه اساسيا في السابق عندما كانت السلطات الاسرائيلية تصادر الهوية وتعيدها فقط عند العودة ومع تسليم التصريح. فمشكلة التصاريح المقدسية والتي تكلف مبالغ باهضة يجب العمل على تجنب استخدامها دون المساس بحق المقدسيين بالعودة. الامر بسيط ويتطلب تفاهم مقدسي اردني بالتنسيق مع القيادة الفلسطينية.
لقد كشف اللامبالة الرسمية والاعلامية لمشكلة معاناة المقدسيين بسبب إضراب الداخلية الاسرائيلية ضعف مواقفنا وغياب قياده محلية مهتمة بشؤون المواطن وليس فقط بالشعارات الرنانة. لقد آن الاوان ان يبداء المقدسيين بتحرك جدي على اساس المثل العربي المعروف. "ما بحك جلدك الا ضفرك." اما القيادات التقليدية والانتهازية فكلنا امل ان يتم تجاهلها في عملية البحث عن قيادة صادقة تقوم بتمثيل حقيفي للمقدسي وتقدم برنامج منطقي يتم متابعته بصورة عملية يمكن للمواطن ان يرى نتائجه على الواقع وليس فقط من خلال الشعارات الرنانة.