الكاتب: جهاد حرب
في ظني، أن أياً من الفصائل الفلسطينية لم تضع تصورا واضحا للإجابة على سؤال "ماذا نريد من قطاع غزة"؟ وما هو مستقبل القطاع في العام 2020 أو 2030 ؟ وما هي حدود قدرته في المساهمة بالنضال الوطني الفلسطيني إثر تحولات عام 2005؟. كما لا يدعي كاتب هذه السطور أن لديه اجابة دقيقة أو تصور واضح لما نريد من قطاع غزة، ولا اتصور أن مهمة هذا المقال ذلك، لكنه يطرح أو يساعد على طرح تساؤولات يمكن أن تحرر العقل أو هي محاولة لإعمال العقل ضمن اطار محدودية المكان وضرورة الحاجة، وفي اطار اصلاح الزمان وغياب النوايا الحسنة بين الاطراف الفلسطينية.
غياب إعمال العقل أوصل قطاع غزة إلى ما نحن فيه؛ والمقصود هنا غياب أطر واضحة للتفكير ووضع الاستراتيجيات التي تخدم مصلحة الشعب الفلسطيني، والاعتماد على رد الفعل وليس إحداثه، والايمان المطلق بنظرية المؤامرة التي تحرك الاطراف الخارجية، وتغليب سوء الظن في الاطراف الداخلية على حسنها، أي بلادٌ مُحَطَةٌ ونفوسٌ مهشمةٌ غير مؤمنةٍ بقيادتها، وغير واثقةٍ بمستقبلها أو مستقبل أبناءها. يستنجد أهله دون مُعين تُركوا لمواجهة المصير في العراء أو الموت دون تزويدهم بالسلاح؛ السلاح هنا زادهم في مواجهة التحديات الطبيعية وغير الطبيعية، ودون وضوح مستقبل، بل الأدهى كسرت شوكتهم، وأحبطت اعمالهم، ودمرت انجازات الشخصية، وذهبت أحلامهم بلا ثمن يجنوه أو أملاً يسيرون على خطاه.
رغم نبل الهدف وعدالة القضية لكن السياسة الفلسطينية قامت بشكل دائم على قاعتين هما ردة فعل على تحرك خارجي من جهة، والخوف على مكانة القيادة من جهة ثانية. ففي الأولى غاب التخطيط والبحث، وغاب التصور والبرنامج الفلسطيني وباتت الخطوات غير متسقة أو منسقة، وأحيانا متضاربة، وغير قادرة على استجماع الجهود واستنهاض الامكانيات والقدرات في بوتقة واحدة تحاول فرض أو فرض الرؤية الفلسطينية.
أما في الثانية بات هاجس الابقاء على القيادة "الذات" الشخص أو التنظيم انتصارا وكأن هدف النضال الوطني هو الحفاظ على هذا القائد أو تلك الشخصية، ففي بيروت عام 1982 هزمنا هزيمة وأبعدت الثورة عن خطوط التماس لكننا انتصرنا في الابقاء على قيادة منظمة التحرير. وكذلك انتصرنا بغزة في حروبها المتتالية ببقاء قيادة حماس وكتائبها المسلحة دون النظر في كلا الامرين لحال الفلسطينيين وقسوة الثمن أو توفير أسباب البقاء والحفاظ على كرامة المواطنين.
وفي العودة إلى السؤال المركزي ماذا نريد من قطاع غزة؟؟ هل نريد بناء نموذجٍ لمؤسسات الدولة قائمة على أساس حكم القانون، والعدالة الاجتماعية، ورضا المواطنين، وتمنح الأمل ما يجعل منه قدوة يرسخ قدرة الفلسطينيين على البناء ويحقق مكاسب دولية أم الابقاء على الخراب والفقر والبطالة والدمار المتراكم على أنقاضها.
هل نريد ان تبقي المجموعات المسلحة قائمة في قطاع غزة، أَمْ يمكن نزع سلاحها وتسريح عناصرها واستيعابهم في الحياة المدنية؟ وهل نحن قادرون على تبني نموذج حزب الله في لبنان طبعا وفقا للإمكانيات الخاصة بقطاع غزة، وظروفه وضمن فهم عميق لمصالح الاطراف معتمدة على قراءة للمعطيات والقدرات، أم تَبنّي نموذج ايرلندا الشمالية في التعاطي مع سلاح حركة حماس؟
الأكيد أن أي إجابة على هذه الأسئلة أو إعمال العقل تحتاج إلى اتفاق وطني وحسن نوايا يضع اطارا للتفكير وأدوات عمل تعيد الأمل للمواطنين، بعيدا عن قاعدتي السياسية القائمتين على ردة الفعل والخوف على الاشخاص والتنظيمات، وتبادر لوضع تصورٍ واضحٍ يتضمن اجابة على تساؤلات متعددة ومركبة مثل الهدف الوطني، ووسائل النضال وكيفية وتوقيف استخدامها؟ والعلاقة ما بين الضفة والقطاع في اطار النظام السياسي؟ وما هو المطلوب من كل منها وحدود مساهمته في الزمان والمكان في عميلة التحرير؟ أي ماذا نريد من قطاع غزة في نقيض سؤال "شو بدنا" بقطاع غزة؟