نشر بتاريخ: 23/02/2015 ( آخر تحديث: 24/02/2015 الساعة: 07:15 )
الكاتب: د. بسام عويضة
كانت الدول في الماضي تسيطر على دول أخرى بسبب اعتمادها على ثلاثة عوامل ﻻ غير وهي: القوة السياسية واﻻقتصادية والعسكرية، أما اﻵن فقد تغير الحال وأضحى هناك عامل آخر وهو القوة الناعمة أو قوة العلوم والجامعات ومراكز البحث العلمي ومخازن الأدمغة.
هذا الكلام ينطبق على الوﻻيات المتحدة اﻷميركية حاليا، فقد أمضيت 21 يوما في الجامعات والمؤسسات ودور اﻹعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة اﻷميركية للاطلاع على سير عملها واهدافها وتطلعاتها وانجازاتها.
البنية السياسية اﻷميركيةالمجتمع المدني في الوﻻيات المتحدة اﻷميركية مبني على المبادرة الشخصية ونزعية الفرد واللامركزية، فالفرد اﻷميركي هو الذي يخطط ويرسم فلا يوجد في أميركا وزارات إعلام وثقافة وداخلية واقتصاد واوقاف وصناعة وتنمية وتخطيط وبالتالي ﻻ يوجد في أميركا حكومة بل ادارة، بل يوجد 89 ألف ادارة على مستوى الفيدرالية ويبلغ عدد الحقائب الوزارية 15 حقيبة فقط.
المواطن اﻷميركيفي الوﻻيات المتحدة ﻻ صوت أعلى من صوت المواطن، فقد تقرر العام 1894 عدم بناء أي بناية في العاصمة واشنطن أعلى من مبنى الكونغرس.
المواطن اﻻميركي ﻻ يهتم الا بالمحليات واهتمامه بالشؤون الدولية قليل، فنسبة الذين يهتمون بالسياسة 3% فقط، وهناك 70% من اﻷميركيين و40% من أعضاء الكونغرس ﻻ يحملون جواز سفر وغالبا ما يكون منحازا عندما يتعلق اﻷمر بالقضية الفلسطينية.
هنا يعتقد المواطن اﻷميركي ان الصراع الفلسطيني - اﻹسرائيلي هو صراع ديني بين المسلمين واليهود وليس صراعا سياسيا على اﻷرض.
الاقتصاد اﻷميركيالاقتصاد اﻷميركي قوي جدا، فهو يمتلك مساحة واسعة جدا، فمساحة وﻻية تكساس تساوي مساحة المملكة السعودية.
يبلغ الناتج المحلي اﻻجمالي اﻻميركي 17 ألف مليار دوﻻر سنويا للحكومة اﻷميركية منه 12%، بينما مثلا للحكومة الصينية من الناتج المحلي 80%.
عنف اﻻقتصاد اﻷميركي تجده في وﻻية واشنطن، في قلعة مصانع شركة البوينغ التي تأسست العام 1891 وقد أسسها أميركي من عائلة بيونغ، لقد قمت بزيارة مبنيين، يبلغ حجم المبنى الواحد 40 هكتارا، أي 70 مرة حجم ملعب كرة قدم.
طبعا عندما قمنا بزيارة المصانع منعنا من حمل أي دفتر أو ورقة أو كاميرا أو ماء أو اكل أو الذهاب إلى الحمام وﻻ اعرف السبب لغاية اﻵن فيما يتعلق باﻷخيرة.
يوجد في هذه المصانع 170 ألف موظف، منهم 45 ألف موظف في مساحة جغرافية واحدة، يعملون كالنحل، ﻻ تستطيع ان تعرف كيف يسيطر المدير على موظفيه.
في أحد المباني يعكف مهندسون على صناعة طائرة نقل ضخمة من نوع 747 لصالح شركة طيران صينية بتكلفة 350 مليون دوﻻر بدون المحركات التي تصنع في مصانع شركة جنرال موتورز العملاقة أو الفرش، وتبلغ تكلفتها اﻻجمالية حوالي 480 مليون دوﻻر وهي تتسع لـ500 راكب اذا حولت إلى طائرة نقل عام.
الشركة تصنع من هذا النوع من الطائرات 18 طائرة سنويا بمعدل طائرة ونصف شهريا.
نوع آخر من الطائرات وهي من نوع 787، تصنع الشركة 42 طائرة شهريا بكلفة 230 مليون دوﻻر.
الجامعات اﻷميركية
من الجامعات المرموقة التي قمنا بزيارتها جامعتا واشنطن وسياتل باسيفيك وهما من الجامعات العريقة في هذه الوﻻية التي تقع في الشمال الشرقي من الوﻻيات المتحدة اﻻميركية كما يوجد في الوﻻية برنامج فضاء (غير ناسا).
تتميز جامعة واشنطن ذات المساحة الكبيرة الواسعة بجمالها ومكتبتها المفتوحة للطلاب والعامة من الناس.
تبلغ اقساط جامعة واشنطن العريقة السنوية 60 ألف دوﻻر للطالب اﻷجنبي كما هو حال جامعة كولومبيا التي تقع في مدينة نيويورك.
يوجد في الجامعة قسم اﻻتصاﻻت، هكذا يطلق عليه، حيث يتقدم للدراسة 1000 طالب يأخذون منهم 140 طالبا فقط اﻻ أن 40% منهم فقط مهتمون باﻹعلام .
فقد زرنا صحيفة "The Daily" المجانية التي تصدر عن الطلاب 5 مرات أسبوعيا منذ أكثر من 125 عاما ، منذ العام 1891.
ويبلغ عدد الطلاب الذين يشاركون في اصدار الصحيفة التي تطبع يوميا 10000 نسخة حوالي 170 طالبا يعملون حتى الساعة 11 ليلا دون مقابل أو علامات أو باعتبار هذا العمل جزءا من المساقات.
في جامعة سياتل يوجد 4000 طالب فقط، ولكنها جامعة تعلم الكثير من افرع اﻹعلام .
في كلية الصحافة بالجامعة يوجد تخصصان في حقل الماجستير وهما أخلاقيات اﻹعلام واساليب البحث اﻹعلامي .
على كل حال، غادرنا الوﻻية ونحن نسمع المعلومة اﻷخيرة بأن تكلفة الاعلان الواحد لمدة 15 ثانية في لعبة السوبر فوتبول (كرة القدم اﻷميركية) يبلغ 250 مليون دوﻻر في التلفزيون، واعلان واحد في محطة راديو في وﻻية الالسكا يكلف 36 ألف دوﻻر لمدة 30 ثانية فقط .
كما اطلعنا على جامعة ميرﻻند وهي في مقاطعة ميرﻻند. كما زرنا جامعة ايوا وسط الوﻻيات المتحدة .
في الجامعة يوجد كلية إعلام بها 600 طالب، وفي الكلية هناك صحيفة ايوا اليومية التي تأسست العام 1867 حيث يشترك في تحريرها 120 طالبا. اخبرونا ان 85% من طلبة كلية الصحافة يجدون وظائف بشكل عام منهم 75% في مجال الصحافة .
ويشرف على الصحيفة طالبتان تعملان احيانا من الساعة الثانية ظهرا لغاية الثانية فجرا، وعندما سألها زميل لي عن رأيها في خطاب الرئيس اﻷميركي باراك اوباما حول انجازاته السنوية أجابت كصحافية ﻻ استطيع القول اعجبني أو لم يعجبني، فالصحفية تتعامل بالمعلومة وليس بالرأي .
ويعمل في الصحيفة التي يبلغ عمرها 148 عاما 60% حيث تولت أول طالبة كرئيسة تحرير للصحيفة العام 1919
اقساط الجامعة مكلفة سنويا، فالقسط السنوي لابن الوﻻية يكلف 8 آﻻف دوﻻر سنويا وﻻبن الوﻻيات اﻻخرى 16 الف سنويا في حين يكلف القسط السنوي للطالب اﻻجنبي 27 ألف دوﻻر سنويا، في حين مثلا يكلف القسط السنوي في جامعة كولومبيا العريقة في مدينة نيويورك 60 ألف دوﻻر.
بقي القول ان أكثر ما يلفت النظر في الجامعات اﻷميركية هو مئات الطلبة الصينيين الذين يدرسون في هذه الجامعات اﻹعلام الأميركي.
يسيطر على اﻹعلام اﻷميركي كبار الشركات العملاقة مثل "سي ان ان" و"فوكس نيوز" و"ا بي سي" و"سي ان بي سي" و"سي بي اس" وصحف مثل "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" والصحيفة اﻻقتصادية العملاقة "وول ستريت جورنال" ومجلات مثل "التايم" ووكاﻻت انباء مثل وكالة "ا.ب".
فهناك شركتان فقط في اميركا تملكان 2000 محطة راديو، وهناك شركة في تامبا عاصمة وﻻية فلوريدا تملك 12 محطة راديو كما ان شركة جينيت تملك 100 صحيفة لوحدها.
لقد ﻻحظت ان الصحافة اﻷميركية تحتضر فقد كان عدد الصحف المطبوعة في الولايات المتحدة 2300 صحيفة في حين بلغ عددها اﻵن 1150 صحيفة.
فعلى سبيل المثال ﻻ الحصر اغلقت صحيفة شيكاغو 14 مكتبا لها وصحيفة نيويورك تايمز اغلقت 35 مكتبا لها خارج أميركا فيما بقي لصحيفة لوس انجلس تايمز 15 مكتبا فقط.
ومن اجل تخليد الصحافة اﻷميركية تم بناء متحف ضم تاريخ الصحافة اﻷميركية بكلفة 86 مليون دوﻻر.
وهذا ينطبق أيضا على مشاهدة القنوات التلفزيونية العملاقة، فقد خسرت قناة سي ان ان الإخبارية 10% من مشاهديها العام الماضي.
بات الجمهور يتجه نحو الشبكة العنكبوتية فهناك 62% من اﻷميركيين يتابعون الفيسبوك، منهم 30% يأخذون اخبارهم كمصدر رئيسي من الفيسبوك".
وللعلم فقط، ﻻ يوجد لغاية اﻵن قانون يتعلق بمواقع التواصل اﻻجتماعي ولكن يوجد قانون يتعلق بحرية المعلومات فقد تقدم لوزارة العدل اﻷميركية 700 ألف طلب العام الماضي فقط تتعلق باستفسارات حول حرية المعلومات.
التغطية الدولية في الصحف اﻷميركية تلاشت لكونها خطرة وباهظة، فالشرق اﻷوسط يعج بالمعارك الطاحنة واعمال القتل والعنف وﻻ أحد يريد ان يدخل في مغامرة كهذه غير محسومة النتائج.
فعلى سبيل المثال، يبلغ حجم التغطية العربية في الصحافة اﻷميركية العام 2009 (5.3%) مقابل مثلا الألمانية (55.7%)، وحجم تغطية العراق العام 2005 (36%) والعام 2010 3 . 6 %.
لقد تم أخبارنا انه ﻻ يوجد تأثير مطلقا لقنوات عربية ناطقة باللغة اﻹنجليزية مثل الجزيرة اﻹنجليزية والجزيرة أمريكيا، أن 93% من منازل اﻷميركيين مشتركة مع نظام الكوابل ولهذا ﻻ يشاهد اﻷميركيون هذه القنوات العربية الناطقة باﻹنجليزية.
السجل المفتوح في فلوريدا
في وﻻية فلوريدا جنوب الوﻻيات المتحدة يوجد منظومة إعلامية مختلفة عن غيرها، فهنا يطبق نظام السجل المفتوح، بمعنى كل جنائي له ملف خاص على شبكة اﻻنترنت يتضمن اسمه وصورته وعنوانه وتهمته، كما تستطيع ان تعرف خلال 30 ثانية مكان سكن أي شخص ومقدار الضرائب التي دفعها.
ﻻ يوجد شيء مغلق امام العامة، كل المعلومات على اﻻنترنت.
في وﻻية فلوريدا الغنية والجميلة يوجد للسجناء صحيفة اسبوعية تتكون من 40 صفحة تباع صباح كل جمعة بمبلغ دوﻻرين.
في هذه الوﻻية زرنا مؤسسة poynter حيث التقينا هناك مع مدرب متخصص في مجال التلفزيون زار العام الماضي لوحده 54 مدينة حول العالم طلب عن اليوم التدريبي الواحد 5000 دوﻻر.
تأثير اللوبي الصهيوني
اليهود ﻻ يشكلون سوى 1% من الشعب اﻷميركي وكذلك العرب، فقد وصل عددهم حوالي 4 مليون يهودي مقابل 4 عربي اﻻ ان تأثير العرب ﻻ يساوى 1% من تأثير اليهود في هذه البلاد.
فقط 2- 3% من سكان أميركا يرسمون السياسة الخارجية اﻷميركية ومنهم الشركات التجارية الدولية ومجموعات التعاطف الدولي والمنظمات غير الحكومية ومراكز الفكر وخزانات اﻻدمغة.
وقد اخبرنا أحد الصحافيين المرموقين كيف قام اللوبي الصهيوني بمقاطعة اﻻعلانات في صحيفة شيكاغو تريبلون حيث أخذت الصحيفة تخسر واغلقت مكاتبها واﻵن اتجهت الصحيفة إلى تغطية اﻻخبار الرياضية.
بقي القول انه ﻻ بديل عن المعرفة، فطالما بقيت الدول العربية تنتج كتابا سنويا لكل 13 ألف مواطن وألمانيا تنتج كتابا لكل 600 مواطن لن نتقدم أبدا.
* د. بسّام عويضة- رئيس دائرة الإعلام في جامعة بيرزيت