السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

دروس من النضال ضد الأبارتهايد

نشر بتاريخ: 27/02/2015 ( آخر تحديث: 27/02/2015 الساعة: 10:55 )

الكاتب: حيدر عيد

تم الإعلان هذا الأسبوع عن انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي لمقاومة الأبارتهايد الإسرائيلي الذي أصبح أهم حدث عالمي في أجندة حركة التضامن العالمية مع فلسطين. ففي العام الماضي، شاركت أكثر من 250 مدينة من مختلف أنحاء العالم في تنظيم فعاليات مختلفة خلال هذا الأسبوع. ويهدف هذا الحدث إلى التركيز على ماهية النظام الصهيوني المبنى على التفرقة العنصرية(الأبارتهيد) وتوعية الناس بأهمية المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على اسرائيل.(BDS)

ان القيمة الاستراتيجية التي تتمتع بها حملة التضامن الدولية مع الشعب الفلسطيني, بكل مكوناته, و التي اكتسبت زخما غير مسبوقا بعد مجازر غزة, تثير العديد من التساؤلات المحورية. ان أهم هذه الأسئلة يتعلق بطبيعة هذه الحملة و أنجع الطرق لاستثمارها بشكل يؤدى الى دعم مباشر وواضح للنضال الفلسطيني من أجل تقرير المصير.

حملة التضامن الدولية تتطلب بداية, و يعيدا عن الأنماط التي خلقتها اتفاقيات أوسلو, الخوض مباشرة في دراسة الوسائل التي اتبعتها الصهيونية الكولونيالية في تكريس سياسة بناء المعازل العرقية (البانتوستانات) على نمص ما فعله نظام التفرقة العنصرية البغيض و القابع في مزابل التاريخ منذ أكثر من 20عاما. و هذا سيقود تلقائيا الى التعامل مع الخراب الهائل الذي سببته اتفاقيات أوسلو للقضيه الفلسطينية بسبب خلطها للأوراق و الارتباك الذي أحدثته على الصعيد الدولي و تكريسها لمغالطات هائلة عن "طرفين متساويين متحاورين في الشرق الأوسط"!

ان أي تحليل تاريخي نقدي للمستنقع الفلسطيني لا يمكن الا أن يقود الى العلاقة واضحة المعالم بين الصهيونية و الأبارتهيد من ناحية و سياسة الاستيطان الاستعماري من ناحية أخرى. و كما قال المفكر المصري سمير أمين في كتابه واسع الانتشار (النمو اللامتكافئDevelopment (Unequal أنه في القرن ال19 قامت الرأسمالية المركزية و المستعمرين في جنوب أفريقيا بتهجير العديد من المجتمعات الأفريقية الزراعية و سلب أراضيهم بقوة السلاح و من ثم تحويلهم الى أيادي عاملة رخيصة تم استغلالها لنهب المناجم المحلية. لقد تم تهجير السكان الأصليين الى مناطق جرداء مما أجبرهم على الرضوخ لمطالب المستعمرين العنصريين و تحويلهم لقوة عمل رخيصة بسبب عدم وجود أي بديل اخر لديهم. و لكن قوة العمل هذه تحولت الى القاعدة الانتاجية التي أرست أسس الصناعة الجنوب أفريقية الحديثة. إن عملية سلب و استعباد السكان الأصليين قد حولتهم من مجتمعات ديناميكية الى سكان معازل عرقية بلا أي استقلال و في المحصلة النهائية قيام نظام الأبارتهيد القابع في مزبلة التاريخ بانتظار أنظمة أخرى شبيهة. و لكن لابد من الاشارة في هذا السياق الى أن عملية التحول هذه لم تكن أحادية الجانب. فخلال عملية السلب هذه و تحويل جنوب أفريقيا الى نموذج للتفوق و السيادة العرقية العنصرية تم تعبئة المجتمع الدولي من خلال نضال الحملة المناهضة لنظام الأبارتهيد التي قام بها الجنوب أفارقة و استهداف فائض القيمة الأستغلالي.

و اليوم فان نظام الأبارتهيد الاسرائيلي تتم ادانته لتجريده السكان الأصليين من أراضيهم و ارتكابه جرائم حرب واضحة يتحتم التعامل معها في المحافل الدولية. و من الطبيعي أن يقوم نفس النشطاء الجنوب أفارقة بادانة الجرائم الاسرائيلية و اعتبارها "أسوأ مما ارتكبه نظام الأبارتهيد بمراحل", كما قال الاسقف دزموند توتو و روني كسرلز, و حتى مقرر الأمم المتحدة السايق في الأراضي المحتلة جون دوجارد. إن هؤلاء النشطاء لم يتوانوا للحظة عن ادانة العنصرية الصهيونية و اعتبار استخدام طائرات ال F16 و الأباتشى و قنابل الفوسفور و هدم البيوت ممارسات تفوق بمراحل ما كان يفعله نظام الأبارتهايد.

ان أوجه الشبه بين نظامي الأبارتهيد متعددة—قوانين المواطنة, الاعتقال الاداري, تقييد حرية الحركة, البناء و التملك, استهداف النشطاء..الخ و كما كان نظام الأبارتهيد يمنح حق المواطنة للسكان البيض و يعزل السكان الأصليين في معازل عرقية, فان الصهيونية اليوم تعطي كل اليهود حق المواطنة. بمعنى أن حق المواطنة بناء على الهوية العنصرية تم استبداله بالهوية الدينية! و الفارق ليس كبيرا. و كما تم سن قوانين تمنع حرية حركة المواطنين السود على أراضي أجدادهم, فان أسرائيل لا تتوانى, و بتهاون دولي غير مسبوق, عن بناء نظام عسكري عنصري بغيض يحد من حرية حركة السكان و ذلك من خلال شبكة معقدة من نقاط التفتيش, طرق مخصصة للمستوطنين اليهود فقط, جدار فصل عنصري. و يتم كل ذلك بغطاء "قانوني" عجيب يتحكم بحياة الفلسطينيين اليومية و بطريقة معيشتهم.

و لكن نظام الأبارتهيد الجنوب أفريقي كان قد تعرض لضغوط هائلة من المجتمع الدولي الذي مرر العديد من القرارات في مجلس الأمن و الأمم المتحدة تدين معاملته غير الانسانية للسكان السود. هذه القرارات, و التي بلا أدنى شك ساهم النضال الداخلي الجنوب أفريقي في تحفيزها, أعطت زخما هائلا لهذا النضال. و لكن الوضع اليوم في فلسطين يختلف نوعا ما بسبب طبيعة العلاقة الاستراتيجية بين اسرائيل و أمريكا, و الاستخدام السيء لحق النقض الفيتو الذي يضمن حماية اسرائيل من العقاب. و لكن التضامن الدولي القاعدي مع الشعب الفلسطيني خلال العقود الماضية لعب دورا في غاية الأهمية و ساهم بشكل جدي في دعم الصمود على الأرض. و لا شك أن هذه العلاقة تناسبية, فكلما تصاعد النضال الفلسطيني, اشتدت حملة التضامن الدولية معه.

لكل ذلك هناك ضرورة ملحة, في هذه اللحظة التاريخية بعد غزة 2009-2012-2014, لإعادة تشكيل الوعي الأممي المساند للقضية بطريقة تركز على أوجه الشبه المتعددة بين الصهيونية و نظام الأبارتهيد, و المعاناة المشتركة بين السكان الأصليين السود و الفلسطينيين اليوم, ليس فقط في الضفة و القطاع, بل أيضا في المنافي و مناطق ال 48. انه لمن المؤسف أن الحركة الوطنية لم تعكف على دراسة التجربة الجنوب أفريقية و استلهام العبر منها. بل على العكس من ذلك, فقد تم القبول بما رفضته المقاومة هناك من خلال شبه اجماعي وطني على بناء نظام بانتوستاني! و يتساءل المرء عن السبب الحقيقي وراء هذا التجاهل المتعمد لتجربة غاية في الثراء! و هل له علاقة بمصالح تشبه تلك التي كانت لدى قيادات المعازل العرقية الذين ادعوا الوطنية العنصرية الأفريقية؟ هل للشوفينية المغلقة و عدم الانفتاح على تجارب الشعوب و التغني بالاستثنائية دور؟ و هل قضيتنا فعلا غاية في الاستثنائية تاريخيا, و بالتالي علينا ان نجد حلا استثنائيا يقبل بحلول عنصرية يروج لها على أنها "استقلال" و تقرير مصير؟

لقد انتظر الجنوب أفارقة عقودا طويلة للوصول الى اللحظة التاريخية الأهم في حياتهم و التي استطاعوا فيها التوجه لصناديق الاقتراع و اختيار ممثليهم . و لكن علينا أن نذكر أيضا أنه خلال هذه العقود من النضال و المعاناة تم رفض التعامل, و بشكل قاطع, مع قيادات أفريقية فٌرضت عليهم و تم تزكيتها و الاحتفاء بهامن الغرب و اسرائيل. في عام 1987 كانت رئيسة الوزراء البريطانية مرغريت ثاتشرقد صرحت بأن "نلسون مانديلا لن يصبح رئيسا لجنوب أفريقيا على الاطلاق!" و لكن حكومة بريطانيا, كباقي حكومات العالم, أجبرت على عزل نظام الأبارتهيد. ولم يكن بالمكان الوصول لتلك اللحظة التاريخية لولا الضغوط الداخلية الهائلة من النشطاء الانجليز مع النضال ضد نظام التفرقة, ذلك الضغط الذي كان يستلهم توجهاته من النضال الجنوب أفريقي على الأرض و استجابة لدعوة الحركة المناهضة لنظام الأبارتهيد.
لذلك يجب الاستفادة من هذا الدرس في النضال ضد نظام الأبارتهيد الاسرائيلي.

لا شك أن هناك نموا هائلا للنضال الداخلي و الكفاح الشعبي الفلسطيني مشابه للنضال الجنوب أفريقي. و يصاحب هذا الكفاح تصاعد في التضامن الدولي الهادف لدعم الصمود الفلسطيني نحو تحقيق الأهداف النضالية الرئيسية و التي يتمحور حولها الآن اجماع غير مسبوق من انهاء للاحتلال و الاستيطان, و عودة اللاجئين, و التخلص من نظام الأبارتهيد القابع على صدورنا. و هذا بالضبط ما يعبر عنه نداء المقاطعة و عدم الاستثمار و فرض عقوبات على اسرائيل الذي صدر عام 2005 عن المجتمع المدني الفلسطيني., هذا النداء الذي يشكل إلهاما لحركة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني تصل ذروتها في أسبوع مقاومة الأبارتهيد الاسرائيلي.