نشر بتاريخ: 04/03/2015 ( آخر تحديث: 04/03/2015 الساعة: 12:05 )
الكاتب: د. وليد القططي
في احدى اللقاءات التي جمعتني والدكتور الشهيد فتحي الشقاقي – مؤسس حركة الجهاد الإسلامي – في منتصف الثمانينات من القرن الماضي سألته : " ماذا ستضيف حركة الجهاد الإسلامي للحركات الفلسطينية الموجودة ؟ " , وكانت اجابته – رحمه الله – على قدر ما تسعفني الذاكرة تتمحور حول ما أسماها إضافة نوعية للحركات الموجودة آنذاك , وهذه الإضافة النوعية تتلخص في أن الحركة تجمع بين البُعدين : الإسلامي والوطني في محاولة لإنهاء التناقض المصطنع بينهما , ولذلك فهي تجمع بين الإسلام وفلسطين والجهاد في بوتقة واحدة , وهي استجابة , لغياب البُعد الوطني للحركة الإسلامية الفلسطينية , ولغياب البُعد الإسلامي للحركة الوطنية الفلسطينية , ولذلك فإن الجهاد الإسلامي تمثل نقطة تقاطع بين الحركتين : الإسلامية والوطنية .
وبناءً على هذه الإجابة واستناداً إلى أدبيات الحركة الأخرى فإنه يمكن اعتبار حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين حركة وطنية بمرجعية إسلامية , أو حركة إسلامية قضيتها المركزية وطنية ( القضية الفلسطينية ) وهدفها تحرري وطني ( تحرير فلسطين ) . وهي تؤمن بالانتماء للحركة الوطنية على قاعدة الانتماء للوطن بعيداً عن الصراعات الفكرية والسياسية والحزبية , وتؤمن بعدم إقصاء الآخر – الإسلامي والوطني – بتكفيره أو تخوينه , وتمارس الجهاد المسلح لتحرير فلسطين ولا تمارسه لفرض معتقداتها الفكرية أو أجندتها السياسية , كما انها تُعطي الصراع بُعداً وطنياً في إطار رؤيتها الوطنية , وبُعداً حضارياً في إطار رؤيتها الإسلامية ... واستناداً إلى ذلك فإن مرتكزاتها الفكرية , ومواقفها السياسية , وجهادها المسلح , وممارساتها العملية تصب في الاتجاه الوطني وتخدم قضيتها الوطنية .
وفي هذا الإطار تأتي زيارة وفد حركة الجهاد الإسلامي برئاسة أمينها العام الدكتور رمضان عبدالله شلح إلى القاهرة , فهي زيارة وطنية بامتياز من الألف إلى الياء , وطنية في أسبابها ومضمونها ونأمل أن تكون وطنية في نتائجها . أما بالنسبة لأسباب الزيارة فهي محاولة لتحريك المياه الراكدة في الساحة الفلسطينية لا سيما فيما يتعلق بوصول المصالحة إلى طريق مسدود , وارتفاع مؤشر التوتر في العلاقة بين طرفي الانقسام , ووصول الأمور في قطاع غزة إلى حافة الهاوية التي قد تُلقي بالجميع في جرف هار من الفوضى والفلتان والانهيار , وفي محاولة لإعادة تصويب البوصلة نحو الصراع مع العدو الصهيوني بعدما انحرفت البوصلة باتجاه الصراع الداخلي كأولوية مقدمة على الصراع مع العدو الصهيوني . فأسباب الزيارة لم تكن لأجندة خاصة بالحركة ولخدمة مصالحها الحزبية , كما انها لم تكن طعنة للمقاومة من الخلف على حد زعم أحد الأشخاص , فما ذنب حركة الجهاد الإسلامي إن كانت العلاقات سيئة بين مصر وحماس على خلفية ما حدث في مصر من تغيير للنظام التي تدرك الحركة بحتمية التعامل معه لمصلحة القضية الفلسطينية .
وهي زيارة وطنية في مضمونها , لأن القضايا التي ناقشتها مع الجانب المصري هي قضايا وطنية تخص المصلحة الوطنية الفلسطينية , ولا تخص علاقة الحركة بمصر . فكما ورد على ألسنة بعض قادة الجهاد الإسلامي فإن القضايا المطروحة للنقاش تتمحور حول كيفية تطبيق اتفاقية المصالحة بين فتح وحماس لا سيما موضوع كيفية دمج موظفي غزة مع موظفي السلطة , ومدى انعكاس ذلك على القضايا التي تُعتبر مصر طرفاً فيها كفتح معبر رفح , وإن تحقيق انفراجه في هذه القضايا – خاصة الموظفين والمعبر – من شأنه أن يخفف المعاناة عن الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة ولو بشكل جزئي , خاصة بعد الحرب الثالثة على غزة والتي تسببت في مزيدٍ من المعاناة لأهل غزة , فالحصار لم يُرفع بل اشتد , والانقسام لم ينتهِ بل تعمّق , والفقر والبطالة لم تنخفض نسبهم بل ازدادت ... وهكذا في بقية القضايا السياسية والمعيشية , فطرح هذه القضايا في القاهرة هي محاولة لفتح ثغرة في نهاية النفق المظلم .
أما نتائج الزيارة فلا نملك إلّا أن نأمل بأن تكون نتائج وطنية بامتياز كما كانت أسبابها ومضمونها , لأن النتائج مرتبطة بطرفي الانقسام – فتح وحماس – أكثر مما هي مرتبطة بالجهاد ومصر ولذلك فإن من المأمول أن يتم إعلاء المصلحة الوطنية العُليا للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية ويستجيب الطرفان لمبادرة الجهاد الإسلامي لإنهاء الانقسام مرةً واحدة وإلى الأبد ويحققوا المصالحة الوطنية تمهيداً لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أساس الثوابت الوطنية التي أجمع عليها الشعب الفلسطيني .