نشر بتاريخ: 04/03/2015 ( آخر تحديث: 04/03/2015 الساعة: 15:26 )
الكاتب: أيمن هشام عزريل
تعد الحوثية ظاهرة جديدة في المجتمع اليمني، تشكلت لأسباب متعددة وارتبط نشاطها ببروز تيار الحوثيين، سواء منه الثقافي، أو السياسي، أو العسكري، والذي ظهر في الثمانينات من القرن العشرين، على شكل تيار ثقافي ديني يطرح أفكار ومناهج المذهب الزيدي، باعتباره أحد المذاهب الدينية الرئيسة في اليمن، والذي يتمركز بشكل خاص في محافظة صعده، ولكن هذا التيار سرعان ما بدأ ينهج اتجاهاً سياسياً فكرياً متخذاً من مدينة صعده، مركزاً لنشاطه الفكري، والسياسي، وارتبط تحوله هذا عند تشكيل (اتحاد الشباب) عام 1986، الذي سعى التيار الحوثي من خلاله إلى تأطير نشاطاته التنظيمية بإطار يغلب عليها العمل التثقيفي، وبالذات بين أوساط المذهب الزيدي.
لقد اضحت الحركة الحوثية، منذ ذلك الوقت، حركة سياسية، فكرية، عسكرية، أطلقت شعارات جديدة تختلف عما كانت ترفعها في بداية الثمانينات، تمحورت حول معاداة الولايات المتحدة الأمريكية، واسرائيل، أقرنتها بشعارات أخرى معادية للحكومة اليمنية، متخذة من تردي الأحوال الاقتصادية، والاجتماعية ذريعة تسند نشاطها، وعززت هذا السلوك بممارسة الفعاليات العسكرية ضد المصالح الحكومية.
لقد أفرز تمرد الحركة الحوثية منذ عام 2004، وبدء الصراع المسلح ضد الحكومة، والمجتمع اليمني، ومصالحه الاقتصادية، وتركيبته الاجتماعية لغاية 2010، والذي امتد ست مراحل، نتائج خطيرة على الأمن، والاستقرار، والرخاء اليمني، حيث أدى التمرد الحوثي إلى تدويل القضية القائمة، مما سمح بذلك للأطراف الدولية والإقليمية (الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوربا الغربية، وإيران، والسعودية وغيرها)، بالتدخل في شؤون اليمن كل حسب منهجه وأهدافه، فأضعف الوحدة اليمنية القائمة وهيأت البيئة المناسبة لجميع القوى المعادية للوحدة والنظام بالترعرع والنشاط، بالإضافة للخسائر التي حصلت في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والبشرية.
بالرغم من ذلك، فقد سعت الحكومة اليمنية إلى احتواء الأزمة بالطرق السلمية، سواء عن طريق الوساطات الداخلية، أو الوساطات الخارجية، وأبرزها الوساطة القطرية، التي لا زالت قائمة، بالرغم من انقطاعها لفترة، إلا أنها عادت من أجل تحقيق المصالحة وحل المشكلة، مدعومة بإجراءات الحكومة اليمنية لتسهيل الحل السلمي.
أما أصل الحوثية فنسبة إلى زعيم التمرد الأول (حسين بدر الدين الحوثي)، وهو الذي أشعل فتيل الصراع بينه وبين قوات الحكومة اليمنية، إلا أن هذا التجمع توسعت تحركاته بعد عودة بعض رموز الملكية التي كانت تقطن السعودية، اثر قيام الثورة اليمنية ضد نظام الإمامة عام 1982، وكان من ابرز العائدين (بدر الدين الحوثي)، الذي يعد الزعيم المؤسس للتيار الحوثي والمرشد والمفتي له.
وتواجه الحكومة اليمنية عدداً كبيراً من التحديات، التي تشكل تهديداً جدياً، للاستقرار الداخلي في اليمن، لا سيما بعد التحولات السياسية التي شهدتها اليمن أسوة بباقي الدول العربية التي شهدت ثورات، وانتفاضات ضد الأنظمة السلطوية فيها، فالعوامل الاقتصادية في اليمن تعد من أبرز الأسباب والدوافع التي تقف وراء ذلك، إذ يعد اليمن من أفقر البلاد في العالم العربي، حيث يعيش السكان على أقل من دولارين يومياً، بما في ذلك في معرفة القراءة والكتابة، ويعاني اليمنيون أيضاً نقصاً في البنية التحتية، وسوء في الخدمات المقدمة.
ويمكن القول بأن الصراع الذي كان دائراً بين الحكومة والحوثيين، قد مثل تحدياً كبيراً للاستقرار الداخلي في اليمن، وساهمت سياسات النظام السابق بشكل كبير في تأجيج ذلك الصراع الذي امتد لأكثر من ستة أعوام، حتى جاءت حكومة الوفاق الوطني بزعامة (عبد ربه منصور هادي)، إذ لم تحاول حكومة هادي معالجة الأسباب التي دفعت إلى قيام صراع، ومواجهات مسلحة بين الحوثيين وبين نظام الرئيس السابق.
الحركة الحوثية باعتبارها ظاهرة جديدة في الساحة اليمنية، لا بد أن يكون وراء بروزها عوامل شجعت على انتشارها، وأمدتها بعناصر الاستمرار والبقاء على سبيل المثال، البعد الأيديولوجي، وذلك من خلال تنظيم الشباب بتوعيتهم بالخطر الذي يواجه الحوثيين، كذلك العامل القبلي، إذ تشكل الطبيعة القبلية للمجتمع اليمني أحد عناصر التأثير القوية في ظهور الحركة واستمرار الصراع وتأجيجه، العامل الجغرافي، فمعاقل المتمردين الحوثيين موجودة بالمناطق الجبلية المحيطة بمحافظة صعده، شمال غرب اليمن المتاخمة للسعودية، العامل الاقتصادي، اليمن وما تعانيه من ظروف اقتصادية متردية يعد أحد أهم العوامل لقيام الصراع واستمراره، فالصراع القائم في أحد جوانبه صراع من أجل الموارد، أيضاً من العوامل سهولة الحصول على الأسلحة، وجود الأسلحة لدى المواطنين من العوامل المهمة لاستمرار وتيرة القتال، فامتلاك السلاح يشكل أهم الامتيازات الاجتماعية للفرد والقبيلة، لأنه جزء من تركيبة المجتمع اليمني.
إن التمرد الحوثي، الذي امتد ليمس جوهر الوحدة اليمنية، بتشجيع حركات الانفصال، والمنظمات الإرهابية، حيث شغل تمرد الحوثيين الحكومة عن ممارسة دورها في حماية المجتمع من الإرهاب، وذلك بعد أن وجهت الدولة طاقاتها باتجاه التخلص من تمرد الشمال في صعده، وارتبط هذا التمرد بسلب فرصة التنمية من الشعب اليمني، وذلك من خلال تحويل جهدها المعنوي، والمادي، الذي كان موجهاً نحو البناء والتنمية.
يتضح أن تيار الحوثية الذي ظهر على شكل تجمع يضم الشخصيات الزيدية الدينية، والتي تمحورت حول إحداث خلخلة في بناء المجتمع اليمني، معتمدة على قوة طائفية حزبية، هدفه هو تنفيذ الدور الموكل لها بنشر الأفكار المنبثقة من الرؤية الإيرانية للدين والمذهب، وفي النهاية تحقيق مخططها بإعادة نظام حكم الإمامة الذي أسقطته ثورة 1962.
أن مهمة الحكومة اليمنية قد تبدو صعبة، إن لم تكن مستحيلة في تجاوز التحديات والسيطرة عليها، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى مزيد من تأكل اليمن، وإلى زعزعة الاستقرار الداخلي، رغم أن اليمن كدولة مرت بمثل تلك الأزمات وتجاوزتها في الماضي، إلا أن التحديات المتشابكة والمعقدة لم يسبق لها مثيل في درجتها ونوعها، في الوقت الذي لا تملك البلاد فيه من الحلول الواقعية لمشاكلها.