الكاتب: صادق الخضور
للمرأة الفلسطينية في اليوم العالمي للمرأة أجمل باقات الاعتزاز، فهي الباقية على عهد الوفاء، الحافظة عهدها مع الوطن، الصابرة، المرابطة، وإذا كانت بعض المناسبات تعطي الشخوص معنى، فإن المرأة الفلسطينية تعطي يوم المرأة معناه، كيف لا وهي التي تبني وتربّي، تجود بعطاء قلّ مثيله مقارنة بمثيلاتها في الدول والمجتمعات.
بحثت عمّن تجسّد معنى من المعاني في هذا اليوم، فوجدت أمّي لكنّي وجدت معها كل المعاني، فهي التي لا زالت تعطي وتعطي، وكلما تقدّم بها السنّ كشفت عن نبالة معدنها، وروعة ما راكمته من حنان.
أراه في صورة أم الشهيد وزوجته، في صبر أخت أسير أو ابنته، في براءة ملاك التي قضت جزءا من طفولتها في المعتقل، في عطاء الراحلة جميلة صيدم ودلال، والقائمة تطول وتطول، فإذا ما كنت في فلسطين فلن تعدم الوسيلة لإيجاد النماذج التي فاقت كل وصف.
لها في يومها تحيّة، للجالسة في قلب القدس قرب أسوارها تبيع الميرميّة، أو لتلك الحانية على الخبّيزة والسبانخ والنعناع على مدخل حسبة رام الله، هنا وهناك، نساء يواصلن العطاء، يعلين المدماك تلو المدماك، ليبقى حضورهنّ ماثلا في كل ميدان من ميادين الفعل.
للمعلمات وللمديرات، وللعاملات في كل الحقول، حكاية تقدير شرحها يطول، فالعطاء باقٍ لا يتبدّل بتبدّل الفصول، هذي هي نماذج البذل والعطاء، وتلك مآثر الباقيات على حبّ الوطن.
لها في يومها تحيّة؛ لكل فارسةٍ امتطت صهوة الكبرياء، وجعلت من مسيرتها بوابّة للعبور نحو فضاءات الفعل، ولذا يغدو الحديث عن تخصيص مجرّد يوم تقزيما لعملقة الفعل.
لها في الثامن آذار تحية إكبار، وليس غريبا أن تتزامن المناسبة والربيع مقبل، ففي آذار تتداعى حكايات من خصب العطاء، وتتواصل الحكاية، وتعود بنا الذاكرة إلى ما قالته فدوى طوقان من مزاوجة بين المرأة الأرض:
هذه الأرض امرأة
في الأخاديد وفي الأرحام
سرّ الخصب واحد
قوّة الأرض التي تنبت السنابل
تنبت الشعب المقاتل
لها وفقط لها.. يغدو إزجاء التحيّة جزءا من واجب، فهي التي تربّي وتواصل الرعاية بالأبناء، صابرة، معطاءة، واثقة، ورغم شقاوة الأبناء حينا، ومصاعب الحياة في غالب الأحيان، تبقى ماضية في مسيرها، لتبقي على عهدها مع الكل، ومع الوطن أولا، فهي تواصل حثّ الخطى.
لها وبها ومعها ومنها، رسائل تتداخل: فلها التحيّة كل التحيّة، وبها نثق وعليها نعتمد، ومعها نمضي وكلنا ثقة لا يعتريها شكّ بأنها أهل للجدارة متى ما كانت على المحك، ومنها نستمدّ القدرة على إدارة الإرادة وإرادة الإدارة.
لها في يومها خالص التقدير والعرفان، ببساطة خالية من كل تعقيد، فمع إطلالة كل صباح تشحذ الهمّة من جديد، ولذا فهي أسمى من كل تكريم مهما علا، إنها المرأة الفلسطينية، فقد رأيتها في ثقة نساء غزّة وهن يرسمن لوحة العزّة، يستبدلن بيوتهن بخيام نتيجة القصف، ورغم ذلك، رأيناهن واثقات صابرات.