نشر بتاريخ: 09/03/2015 ( آخر تحديث: 09/03/2015 الساعة: 22:34 )
الكاتب: د. سهير قاسم
ها نحن نقترب أكثر من باريس، خطوة خطوة، في مثل هذا اليوم، الثامن من آذار سنة 1945 حيث أُعلن عقدُ أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، مؤتمر بتنا نحتفل به سنويًا بخصوصية فلسطينية تميّزنا بها عن غيرنا بطرائق تنوّعت في أشكالها، وآخرها في هذا العام فقد حصلنا على عطلة من وجهة النظر السائدة!
قد يحلل المحللون، ويبرر المبررون، بحجج كثيرة، ربما يودّون إرضاء فئة، أو كل ذي مصلحة، حتى يسجلون أداء، فهل تلك إنجازات فعلية؟ وقد يحلل آخرون بأنها فرصة للجميع في ظل ظروف مادية صعبة تمر بها شريحة الموظفين لتخفف عنهم قطع الرواتب ليكون ذلك إجراء داعما لهم ضمن خطة طوارئ مخططة، ولكن هل نسينا أو تناسينا أثر تلك العطلة وانعكاسها على التربية وتنشئة أجيالنا وأبنائنا!
هل نعرّف الإنجاز الفعلي، أو دعوني أسميه الشكلي، هو الفرحة التي بدت واضحة على وجوه الناس لهذه العطلة، إذ لا دوام في هذا اليوم، وأقول بأن لا ضير في التخفيف عن الناس وانتهاج سياسات تعزز الصمود، ولكن ليست على هذه الشاكلة تُقاس الأمور، ولا يكون التخفيف على حساب إرثنا وثقافاتنا وأخرى أهم بكثير من الجوانب الماديّة، فما الثقافة التي سيتربّى عليها طفلنا، هل تكون بقايا ثقافات الأمم الأخرى والدول! وأين طلبة صفوف المرحلة الأساسية الأولى في تعلمهم وماذا سيتذكرون عبر طفولتهم في هذا العام إلا فرحة العطلة، ثقوا أن هؤلاء سيحفظون من عامهم هذا التاريخ على حساب قضايا أخرى مهمة وأهم من هذه المناسبة، وعلى ذلك فليسحب كل قارئ ويقيس وأثق بسوقه للعديد من الأمثلة وحضورها في ذهنه.
كيف لا والجميع على دراية بأهمية الممارسة في التربية التي هي أشدّ أثرًا من حفظ معلومة أو تذكرها، ذلك التعلم الذي يؤدي الغرض ويبقي المعلومة حاضرة حتى تصل مرحلة الاحتفاظ وتنقل من سياقها إلى سياقات محيطة، والتساؤل المهم، هل تذكر الطفل لمناسبة تخص يوم المرأة أهم من قضايا كثيرة وطنية وتاريخية وثقافية كثيرة نمرّ بها عبر تاريخ شعبنا وقضيتنا، فلماذا ننتقي لذاكرة طفلنا هذه المناسبة بالذات؟
ذلك لا يعني أبدًا التقليل من قيمة المرأة بل على النقيض أنه الحفظ لحقها ولكرامتها، وفي ذلك يدور جدل وتساؤلات ما بين أن يكون ذلك اليوم مناسبة أو عطلة رسمية، فهل القرار، صائب، أم غير صائب؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى، هل تفرح المرأة بهذا القرار الذي قد يحفظ كرامتها! أو أنها تشعر بالحزن في ظل وجود أيام ومناسبات عديدة يحتفل بها العالم والدول وحدث ولا حرج عن يوم الطفل والمعاق ... دون الخوض في التسميات الأخرى الكثيرة التي تدور في ذهن كل شخص.
إن الفرق شاسع بين المناسبة وبين تخصيص عطلة ليوم المرأة هو امتهان وتقليل من أهميتها في مجتمع كُرّمت فيه، ولكن التمييز بالعطلة يعني الدونية والإقرار بهذه الدونية. علينا أن ننطلق إلى الأفق وإلى أبعد مما تراه العين فقط، علينا أن نفكّر في مستقبل أطفالنا، لا مجرد إرضاء مصالحنا كشخوص أو من وجهة نظر تقول "تمشية الحال"، علينا التعمق أكثر في قضايانا وطرحها على طاولة النقاش الجدي لا الشكليّ، فهل نعيد النظر في قراراتنا بناء على مأسسة مؤسساتنا وإرثنا وثقافتنا كشعب معطاء يفخر بنفسه أولاً وقبل كل شيء؟
إن الروية والتفكير الجاد بهذه القضايا مسؤولية واجبة إذ تحمل مخاطر فكرية وثقافية أكثر من التفكير في الخطر الماديّ. فإن كان الهدف هو حل لمشكلة، فهناك بدائل كثيرة تُقدّم لواقع آني معاش، فقد يتم التعطيل كخطة للصمود دون البحث عن سبب ذلك أفضل بكثير من مجرد التفكير في عطلة آنية ترتبط بمناسبة، حتى لا ننسى أننا نؤسس لفكر مستقبلي وفلسفة ليست ملكنا بل هي حق لجيل المستقبل القادم.
إن ما يجري على أرض الواقع هو تجسيد لسياسات فلسفية وأبعاد اجتماعية وثقافية وفكرية كلها تنعكس على ثقافة المجتمع وتنشئة أجيالنا الذين تحمل عقولهم كل ما يجري فعليّا على الأرض وأكثر من مجرد حفظ وقائع أو حقائق من كتب لم تجرّب في سياقاتها المحيطة على سبيل التمثيل.
وأخيرا فالصمت عن الخطأ مصيبة، وكأن فرحة عدم الذهاب إلى الدوام سيطرت علينا، هي فرحة سريعة طغت علينا؟ والتحدي الكبير، هل تصبح قراراتنا مرتبطة بأهداف وغايات وسياسات طموحة لإرضاء الناس، وهل ستُختزل همومنا وتقف عند هذه الحدود، لا قدر الله؟!