نشر بتاريخ: 11/03/2015 ( آخر تحديث: 11/03/2015 الساعة: 14:44 )
الكاتب: تحسين يقين
نتوقع منها أن تكون من جنس ما تفكّر به: التغيير.
التغيير، يعني الإيمان به، والتفكير بإحداثه، والبحث عن سبل تنفيذه.
حتى تنجز الإدارة التربوي دورها في التغيير، تكون بحاجة لإحداث هذا التغيير داخلها، أي أن تنفعل بالتغيير.
يكثر الحديث في مجتمعاتنا العربية حول مجالات المجتمع، ونظم الحكم والإدارة، ويتركز الحديث على المؤسسات التربوية، في المدارس والجامعات، أي في التعليم العام والعالي. ولعل المتحدثين يكثرون اللوم والعتب على المؤسسة التربوية، بل يحملونها المسؤولية، غير ملتفتين بما يكفي لإشراك مؤسسات الدولة والمجتمع في تحمّل تلك المسؤولية.
فلسطين ليست استثناء، ولكن بنظرة موضوعية، سنجد أن هناك اتجاهات داعمة ليس فقط لتطوير العمل التربوي، بل للتغيير التربوي. وهذا ما نأمل تفعيله وتطويره ودعمه من الحكومة ومن المجتمع، بل والمحاسبة عليه ومساءلته.
قبل أسبوع افتتحت وزارة التربية والتعليم العالي دورة في إدارة التغيير، وشعرت كمواطن وتربوي بأن هناك فكرا تربويا بناء ينطلق من الإيمان به، وإيجاد السبل والأساليب التي تسهّل تنفيذ ذلك.
وجدتني إزاء فكرتين الأولى: أن "أي تغيير يتطلب إرادة وإدارة، وأن التكامل بين هذين المحورين ركيزة رئيسة من ركائز العمل المدروس والهادف لإحداث التغيير". تحدثت فيها الدكتورة شهناز الفار مدير عام المعهد الوطني للتدريب التربوي.
والثانية أن "موضوع إدارة التغيير يكتسب دلالات خاصة في ظل التطورات المتسارعة في العالم" للأستاذة خلود ناصر القائمة بأعمال المدير العام للتعليم العام.
من المفيد واللازم دوما التأسيس الفكري لأية أعمل وخطط تربوية، حيث تشكّل المرجعية الفكرية ضمانة أساسية في الاتقاء بالفكرة التربوية قبل وخلال العمل.
"أي تغيير يتطلب إرادة وإدارة" أو لنقل "إرادة الإدارة"، أي اختيار البنية الإدارية للعمل التربوي، و"إدارة الإرادة"؛ ذلك أن الفكرة والهدف يحتاجان لإجراءات تنفيذية، وإلا لبقي الفكر فكرا والهدف هدفا، أي نحن بحاجة للتخطي المبني على وجود استراتيجية تعبّر عن اتجاه التطوير والتغيير التربويين. ولعل المحاور الموجودة في خطة وزارة التربية والتعليم هي محاور طموحة، ينبغي التأكيد عليها ودعمها والتفكير النقدي والتربوي فيها لا التفكير النقضي.
أما التغيير في ضوء التطورات المتسارعة، فهو يأتي في لبّ التفكير التربوي العميق؛ لربط الطلبة بالمجتمع باتجاه تحفيزهم إيجابياً للاهتمام به والانتماء إليه، واكتساب المهارات والمعارف اللازمة لهذا العصر من جهة، ومن جهة أخرى لمعالجة سلوكيات اللامبالاة والأنانية والاغتراب التي تحدث معهم في ظل التغيرات السياسية داخل المجتمع الواحد، وفي ظل التغيرات العامة داخل نظام العولمة الذي ينتقص من سيادة الدول والشعوب ويلحقها بالمراكز العالمية الكبرى.
التغيير! أي قيمة أكبر من هذه القيمة! إنها القيمة التي تشعرنا بالحياة الآن، وبأننا سنكون غدا.
والتغيير التربوي إنما يتأسس على التغيير الاجتماعي والسياسي، والمراقب لمجتمعنا الفلسطيني، يرى أن هناك تغييرا اجتماعيا، وأننا نعيش التحول الاجتماعي الإيجابي، باتجاه دمقرطة المجتمع والحياة الاجتماعية، وتزايد حساسية الحكومة والمجتمع لما نطمح إليه من تطوير واقع المرأة والرجل، أي التطوير من منظور النوع الاجتماعي، الذي له علاقة مباشرة في التنمية بعيدة الأثر فكريا واجتماعيا، وهي أعمق أثرا من تشغيل المرأة فقط.
المضمون يخلق شكله، ليس في الفن والأدب والصناعات، بل في التغيير، أي إننا نرى أن المضمون الفكري-الاجتماعي-التربوي، إنما يتحقق من خلال الوسائل والأساليب، وهي في الحالة التربوية تعني تطوير المنهاج وتعميق الجوانب الإيجابية في التعلم فيه، وتشجيع المعلمين، وتدريبهم، ومناقشتهم في النهوض بالأساليب التعلمية باتجاه منح فرصة للطلبة كي يفكروا، ويتشاركوا التفكير.
وعودة لمواضيع دورة الوزارة في الدورة المذكورة نجد أن القائمين عليها، اهتموا بالتغيير ومنهجياته وأساليبه وأدواته، والتعاطي معه ، ومراحله وتقبله...، والطموح أن تشيع هذه الأفكار لتنتقل من كوادر وكادرات التعليم العام وصولا إلى المدارس، المعلمين والطلبة في الصفوف.
إننا بحاجة إلى قيادة تربوية مدركة لكل هذه الأبعاد الخارجية لمجتمع المدرسة، لا قيادة منقطعة عما يدور حولها من بنى سياسية واجتماعية وإعلامية وثقافية وتكنولوجية. لذلك سيجد قادة التربية أنفسهم مختارين للتفكير بالتغيير لتحقيق مبرر وجودهم/ن أيضا.
إننا نحتاج إلى إدارة مدرسية مميزة، فلا يمكن أن تنجح بدون تلك الإدارة، فإذا امتلك المدير الرؤيا والقدرة على تحديد الموقع والاتجاه والهدف، وصاغ ذلك على شكل رسالة تربوية، وقام بعرضها على الهيئة التدريسية، وعمل على إقناع المعلمين بها عن طريق مشاركتهم بها كي يصبح تبنيهم لها أصيلاً ينبع من دواخلهم، فإن مهمة أخرى تصبح أمام طاقم المدرسة وهي التفكير في المخرجات التربوية، أي في الخريجين أنفسهم.
إنسانيا، حين يقترب المدير من زملائه المعلمين، تزداد العلاقة المهنية والإنسانية، مما يكون لذلك أثر إيجابي على علاقة الهيئة التدريسية مع الطلبة، وبالتالي ستتحسن رؤية الطلبة تجاه المدرسة، وممتلكاتها ونظمها ومجتمعها، والأمل أن ينتقل هذا الشعور الإيجابي إلى علاقتهم بالمجتمع أي ليكونا مواطنين صالحين.
من هنا يصبح للتربية على التغيير قيمة، فلا تغيير سيحدث إن لم تبادر القيادات التربوية جميعها إلى ذلك، مسنودة من باقي القيادات الفكرية والسياسية والمجتمعية.
وهذا يعيدنا إلى العنوان ثانية!
إدارة التغيير التربوي، تعني ما عليه من واجب تغير نفسها والآخرين معا.
ومفتاح التغيير هو الفكر برحابته، لا بضيقه، لذلك أجدني أحتفل بالفكر التربوي بشكل كبير، كونه أيضا مؤسسا للفكر الاجتماعي والسياسي.
صحيح أن الفكر التربوي هو من جهة نتيجة لما يدور في المجتمع من أفكار واتجاهات ونظم وقوانين، إلا أنه أيضا هو الموجه والمكّون للأفراد المتعلمين باعتبارهم مواطنين وقادة مستقبليين.
لذلك، فإن التفكير بالتغيير التربوي أمر استراتيجي لمن يسعى للتغير في المجتمع ونظم الحكم من ناحية، وهو بحث عما يجب تغييره ليتلاءم مع الاتجاهات الحديثة والمتطورة في نظم الحكم والقوانين المعاصرة والدساتير الجديدة الطامحة لإنسان/ة المستقبل.
ما يحدث في غرفة الصف أمر مهمّ جدا، فإذا تم الاهتمام الفكري والإنساني به، لربما نحدث اختراقا إيجابيا في المجتمع. تلك رسالة المعلم والإدارة التربوية، وتلك هي إرادة التغيير التربوي وليس فقط إدارة هذا التغيير.