نشر بتاريخ: 12/03/2015 ( آخر تحديث: 12/03/2015 الساعة: 11:52 )
الكاتب: د. وليد القططي
يدور الحديث هذه الأيام في الأوساط الرسمية العربية عن مقترح مشروع لتشكيل قوة ردع عربية مشتركة , سيتم بحثه في مؤتمر القمة العربية القادمة في شرم الشيخ . ولم يتوقع أحد بالطبع أو يخطر على باله أن تكون هذه القوة من أجل لجم جموح " إسرائيل " وعربدتها , أو كسر أنف غطرستها .. فهذا أصبح بعيد المنال وربما أصبح من المُحال , أو ضرباً من الخيال . فالحديث عن محاربة "إسرائيل" – خارج نهج المقاومة – يعتبر سباحة ضد تيار إحياء الفتن المذهبية والشعوبية النائمة , وسفر عكس اتجاه مسار الاستسلام والخنوع لأعداء الأمة .
فالمطالبة بتشكيل قوة ردع عربية مشتركة جاءت من أجل التصدي لخطر ما يُعرف بالحركات الجهادية المتطرفة وعلى رأسها تنظيم " الدولة الإسلامية " المعروف اختصارا بــ " داعش " , خاصة بعد بروز خطرها على استقرار بعض الدول العربية مما يهدد أنظمتها الحاكمة , لاسيما بعد أن وصلت أعمالها الإرهابية إلى درجة غير محتملة من الوحشية أظهرت هذه الأنظمة عاجزة مخصيه بلا حول ولا قوة أمام داعش وأخواتها في جوقة القاعدة وفروعها القادمون من خارج التاريخ الإنساني , تلك العفاريت التي أَطلقت من قمقمها بعد أن كسرته ثورات ما يُسمى بالربيع العربي .
ومشروع إنشاء قوة ردع عربية لمكافحة الإرهاب بصورته المطروحة الحالية مشروع غير مكتمل لمكافحة الإرهاب , لأنه يُعالج الحلقة الأخيرة للتطرف عندما يتجسّد إرهاباً دموياً يهلك الحرث والنسل ويدمر الحجر والشجر وعندما يخرج ما في داخله من صور مرعبة وحشية استدعتها العقول الداعشية والقاعدية من مخلفات الشعوب الهمجية التي حفظها التاريخ في صفحاته السوداء , ومن ركام الفتن المظلمة التي أخرجت أسوأ ما في الأمة من صراع على السلطة وأحقاد شعوبية وضغائن مذهبية . ولم يُعالج البنية التحتية للإرهاب وأهمها : تراكم الظلم الاستعماري , وتراكم الاستبداد والفساد , والأرضية الفكرية الحاضنة .
فتراكم الظلم الاستعماري الذي تعرّضت له الشعوب العربية والإسلامية , الذي يُعتبر العنف وإدامة العنف هي إحدى أهم أدواته لفرض الهيمنة والسيطرة على البلاد والعباد , وكان أكبر تجلّى لهذا العنف هو إقامة الكيان الصهيوني فوق أرض فلسطين , واقتلاع شعب فلسطين من أرضه لإحلال شعب آخر مكانه بدعم استعماري غربي كامل لا زال يدعم الإرهاب والعنف الصهيوني فهذا العنف المتراكم الذي يجسّد الظلم التاريخي للعرب والمسلمين لاسيما في فلسطين هو أهم مخزون للعنف في المنطقة الذي ينفجر في كثير من الأحيان في الاتجاه الخطأ فيتحول إلى طاقة هدّامة لقدرات الأمة .
وتراكم الاستبداد والفساد الذي تمارسه الأنظمة الحاكمة هما البيئة الاجتماعية الحاضنة للتطرف , فهذه الأنظمة تشكل أقصى درجات التطرف التي تحتكر السلطة والثروة لصالح فئة محدودة من الحكام وحلفائهم , وتقصي الآخر المختلف وتعمل على إلغائه من الوجود أو تهميشه على الأقل , فهذه البيئة الاجتماعية السياسية تحطّم طموحات الشباب , وتمنعهم من تحقيق ذاتهم , ولا تسمح لهم بالارتقاء في السلم الاجتماعي بالطرق السوية ... فلا يبقى أمامهم سوى تحقيق طموحاتهم واثبات ذاتهم بالطرق غير السوية إما بالانحراف السلوكي كالمخدرات أو بالانحراف الفكري كالتطرف .
والأرضية الفكرية الحاضنة لهذه الحركات المتطرفة هي المدرسة الفكرية التكفيرية أو ما يُعرق بالسلفية الجهادية التي تمتد في عمق التاريخ إلى أسلافهم الخوارج الذين ابتدعوا فتنة تكفير المسلم المخالف لمذهبهم ولم يترددوا في تكفير الخليفة الراشد الرابع وقتلوه , فأصبح التكفير ثم التقتيل سنة متبّعة في أحفادهم مستندين في ذلك إلى بعض المفاهيم الخاطئة حول الحاكمية , والفرقة الناجية ,واعتبار بعض البدع والانحرافات كفراً يستحق صاحبه القتل , وحصر الإسلام في رؤيتهم المذهبية الضيقة , واعتقادهم بامتلاك الحق المطلق وغيرهم على الباطل المطلق ... وغيرها من المعتقدات التي تجمع كل الحركات المتطرفة .
والخلاصة التي نود التأكيد عليها هي أن تشكل قوة ردع عربية مشروع غير مكتمل لمكافحة الإرهاب , والصواب أن تكون هذه القوة جزء من مشروع اكبر يتضمن حل القضية الفلسطينية بإعادة الحق إلى أصحابه والقضاء على العنف الصهيوني ضد الأمة والشعب الفلسطيني . والتخلص من الاستبداد الفساد الذي تمارسه الأنظمة العربية الحاكمة بالاتجاه نحو الحرية والنزاهة في الحكم . والعمل على تفكيك الأرضية الفكرية الحاضنة للتطرف بنشر الفكر الإسلامي الوسطي المعتدل الذي يقوم على التسامح داخل المجتمع الواحد والتعايش السلمي بين الشعوب والمجتمعات .