نشر بتاريخ: 14/03/2015 ( آخر تحديث: 14/03/2015 الساعة: 11:52 )
الكاتب: جواد بولس
في الانتخابات العامة القريبة تقلّصت خيارات المواطنين العرب في إسرائيل، حتى باتت،لأمثالي، محصورة بخيارين اثنين فقط؛ فإمّا التصويت للقائمة المشتركة على الرغم ممّا أثارته، لدى البعض، وتثيره من إشكالات ومنغّصات، فإنها لمن لا يؤمن بتوفر شروط سياسية كافية تبرر موقف المقاطعة، تبقى الخيار الطبيعي الوحيد.
وإمّا عدم التصويت ومقاطعة الانتخابات، وهذا، برأيي، في الظروف السياسية السائدة، قرار يضر في مصلحة الجماهير العربية ويفرح أعداءها.
مع لحظة ولادة القائمة، أكّد قادتها على كونها ضرورة وطنية عليا، حتى وإن كان المحفّز المباشر لإقامتها قرار رفع نسبة الحسم وما قبع وراءه من نوايا يمينية عنصرية، وأكّدوا، كذلك، عدا عن كونها استجابة لمطالب الجماهير العريضة، أنها ستؤدي إلى نشوء كتلة برلمانية كبيرة، قد تكون الثالثة في حجمها، مما سيكسبها وزنًا نوعيًا فعليّا، سيؤثر فيمن سيتولى رئاسة الحكومة المقبلة.
بمعنى آخر، يطلب منّا قادة المشتركة أن ندعم القائمة، كي تنال أكبر عدد من المقاعد، وهم يتعهّدون أمامنا أن يستثمروا هذه القوة في منع استمرار حكم اليمين الفاشي، من دون أن يشاركوا في حكومة جديدة، وربما من خلال تحوّلهم إلى كتلة مانعة قد تمنع بنيامين نتنياهو وأحزاب اليمين المتطرفة من تشكيل حكومة خطيرة علينا.
من هذا المنطلق ووفقًا لهذا المنطق، سيكون من صالح هذه الفكرة إضعاف جميع الأحزاب اليمينية وزيادة قوّة جميع الأحزاب التي قد تشكّل حكومة بديلة ستنال دعم القائمة المشتركة من خارج التشكيل الحكومي، ومن الطبيعي والمتاح، في هذه الحالة،أن يكون بوجي هرتسوغ هو المرشح لقيادة هذا الخيار، وأن يكون حزب ميرتس أوّل شركائه الطبيعيين.
لا يعرف أحد ما يخبئه المستقبل لمصير القائمة المشتركة، فقد تتحوّل فعلًا إلى إحدى المحطّات التاريخية المفصلية في حياة الجماهيرالعربية، أو قد تضاف، بالمقابل، إلى خزانات أوهامنا، التي ساواها العرب بالخروب، وقالت فيها جدّاتنا "عندنا منه في كل بيت سدّة مليانة".
في الوقت الذي يبقى مصير المشتركة رهينًا للغيب، يجمع كثيرون أن ما ستفرزه هذه المعركة، بالنسبة لليهود، هو بحجم القلق، لأن حالهم، في دولة الاحتلال، يشبه حال من يقفون على رصيف محطة من محطات القدر.."وعلى مفترق طرق تاريخي، لن تكون منه عودة إلى الوراء"، كما صرّح مؤخرًا الرئيس السابق للموساد مئير داغان على مسمع ومرأى العالم أجمع.
هزّ خطاب داغان، الذي ألقاه في التاسع من آذار، أمام عشرات الألاف من الإسرائيليين، عرش نتنياهو، وأرى فيه عروة أخرى زرعت بأفق بدأ يرتق معالمه الجديدة، كثيرون من قادة الحركة الصهيونية، أمثال أبراهام بورغ، بما يمثله من ماض وحاضر، والكاتب عاموس عوز، بما يعنيه في الحالة الثقافية العامة الإسرائيلية، وإن تفاوتت بينهم الدوافع واختلفت، عند كل واحد منهم، زوايا الميلان عن قواعدها الأصلية.
لقد حثّ داغان الإسرائيليين على التصويت من أجل إسقاط حكومة نتنياهو، فعليهم واجب تغيير اتجاه البوصلة واختيار طريق جديد لأنه: "لا يريد دولة ثنائية القومية ولا يريد دولة أبرتهايد، ولا يريد أن يستمر بحكم ثلاثة ملايين من العرب، ولا يريد أن يبقى رهينة للخوف واليأس والجمود".
ما أعلنه داغان دوّى كصرخة في سماء إسرائيل وفي فضاء العالم، وذلك، بالأساس، بسبب ماضيه وما شغل من مناصب أمنية حسّاسة طيلة عقود، كانت ذروتها حين ترأس حتى العام ٢٠١١، لمدة تسعة أعوام، جهاز "الموساد" الإسرائيلي. من الواضح والطبيعي أن تكون دوافعه مختلفة عن دوافعنا، نحن العرب، ولكن هذا يجب أن لا يمنع تقديرنا لأهمية هذه التغييرات ودراسة كيفية وضع استراتيجيات تحالف معها؛ فهي، قد تبدأ بارتجاجات بسيطة على سلّم الخوف والأمل، وتنتهي بلجوء صاحبها إلى الخندق الواحد معنا، كما حصل مع بورغ وغيره.
لقد أعلن قادة المشتركة أنّهم لن يشاركوا في أي حكومة قد تتشكّل بعد الانتخابات. لا أشاركهم هذا الموقف، على الأقل من الناحية التكتيكية والتوقيت، لكنني أطوي ذلك في باب المنغّصات المهضومة على مضض، في حين يبقى رفض المشتركة توقيع اتفاقية فائض أصوات مع حزب ميرتس، بمثابة الإشكال المستفزّ والموجع، لأننا لم نسمع ولم نقرأ عن موقف القائمة المشتركة الرسمي والموضّح لما حصل ولمبرّرات الرفض.
ما جرى في هذه المسألة يحمل مؤشّرات على ما سيكون بعد الانتخابات، لا سيّما في مسائل يعرف الجميع أنها جوهرية وخلافية. ما يقلق بعض مصوّتي القائمة، كما انعكس في هذه الحادثة، هو انعدام الشفافية والصراحة والتناقضات فيما نشر من روايات تركت جمهورها غاضبًا ومتسائلًا بدون إجابات واضحة صحيحة.
لن يسعف قادة القائمة ما أصدرته "لجنة الوفاق الوطنية" التي انبرى أعضاؤها بالدفاع عن موقف القائمة الضبابي، غير المعلن بشكل رسمي، فأنا اعتقدت أن اللجنة قد أنهت مهامها بنجاح، كما أعلنت، ولم تعد فاعلة، ففاجأني بيانهم، خاصة وقد تضمن مواقف معوّمة، وبعضها يجافي حقيقة ما أعرفه وكثيرون مثلي؛ ففي حين ينفي بيانهم توجه ميرتس الرسمي للمشتركة، "فلم يستدعها هذا الأمر إلى البت بهذه المسألة بشكل نهائي" كما كتبوا، يطالعنا النائب جمال زحالقة، الذي عبّر بشكل واضح ومباشر عن موقف حزبه ازاء ميرتس، قائلًا: "ليس سرًّا أن هذا الموضوع كان محور خلاف بين الأحزاب العربية ومركّبات القائمة المشتركة، فهناك من أيّد وهناك من عارض وهذا أمر طبيعي..".
عدم التوقيع مع ميرتس على اتفاقية فائض الأصوات قرار خاطئ ولا يخدم منطق المشتركة ومسعاها لتكون جسمًا مانعًا، ومحاولات شرح هذا الموقف بادعاءات تبريرية صبيانية، كمن توجه بالبداية ومتى ولماذا.. تبقى كلّها تسويغات تثبت عدم احترام القادة للمصوّتين، وقد تضعف معسكر حلفاء القائمة المفترضين، وتفضي إلى إفشال تحقيق الهدف الأساسي المرجو من هذه الانتخابات وهو إسقاط اليمين الفاشي.
وأخيرا، كم أحببت صاحب الخواتم حين أنشدنا بعضًا من حكمة الأرز وقال: "أفضل ما في الشيطان أنه، على عكس أهل التعصب، لا يدّعي امتلاك الحقيقة!"، فإلى كل مالكي الحقيقة، أؤكد أنني لست بحاجة لأحد كي يذكّرني بتاريخ حزب ميرتس، ولا بمن كان داغان وماذا فعل، ولا بما كتب عوز وحكى، فالقضية تتعدّى هذه المزايدات والفذلكات، وتتطلّب استقامة سياسية واهتداءً بحكمة من أبقانا على هذه الأرض.
سأصوّت للقائمة المشتركة، على الرغم من أنني أعارض بشدة مواقف بعض مركّباتها، وعلى الرغم ممّا جلبته من منغّصات وإشكالات، لأنها، تحمل في أحشائها أجنّة مستقبلنا، التي أتمنى لها الحياة في آذار، فبعد أذار، سأمضي مع جميع رفاقي في الحب وحلفائي في الأمل والنشيد نفتّش عن كرم يظلّلنا ويحيينا.