نشر بتاريخ: 14/03/2015 ( آخر تحديث: 14/03/2015 الساعة: 19:07 )
الكاتب: محمد البطش
رعاية مصالح الناس من أقدس الأعمال وأعظم القربات، ولا شك أن حاجة الغزيين إلى فتح معبر رفح صارت من الضرورات التي تستوجب العمل المخلص والدؤوب وفق مقتضيات المقاصد العامة للتشريع التي راعت الحاجات الضرورية للمجتمعات.
وفي هذا السياق جاءت زيارة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان عبد الله شلّح ونائبه زياد النخالة، والتي حرصت الجهاد على عدم الإدلاء بكثير من التصريحات حول تفاصيل الزيارة حتى لا تحدث أي ارباكات تؤثر في النتائج .
الزيارة الطويلة (ثمانية أيام) حملت أهمية كبيرة خاصة أنها الأولى، ربما، لوفد رفيع من خارج إطار السلطة الفلسطينية التي تواترت أنباء كثيرة عن دور لها في تأجيج الخلاف بين غزة والقاهرة، كما كان لتزامن الزيارة مع إعلان محكمة القاهرة للأمور المستعجلة اعتبار حماس حركة "إرهابية" أثر كبير لجهة زيادة الاهتمام الإعلامي والسياسي بالزيارة التي قال مسؤول العلاقات الخارجية في الحركة خالد البطش إنها رتبت مسبقاً. وبحسب معلومات خاصة فإن الإعداد للزيارة جاء بعد إعلان محكمة الإسكندرية للأمور المستعجلة اعتبار كتائب القسام تنظيماً "إرهابياً"، وتنامي الدعوات التي أصدرها إعلاميون مصريون في بعض القنوات الخاصة لضرب غزة.
كانت العناوين التي بحثتها الزيارة صريحة وواضحة أكثر من أي زيارة سابقة، فهي تركزت، بحسب ما رشح من معلومات قليلة، على ملفين أساسيين الأول: تخفيف حدة التوتر في علاقة القاهرة بحماس ، والثاني ملف معبر رفح المغلق.
في الملف الأول فالجهاد تدرك أكثر من غيرها ماذا يعني اعتبار القضاء المصري حركة حماس "إرهابية" وخطورة ذلك على العلاقات الفلسطينية المصرية، وكيف ستسعى الجهات المعادية لبرنامج المقاومة لاستغلال هذا القرار للتحريض على المقاومة، وخلق بيئة شعبية ضاغطة على النظام في مصر من خلال التعبئة الإعلامية المكثفة ، لتوجيه ضربة عسكرية ضد غزة، ما يعني أن الأمور ستؤول لانفجار كبير لا يعلم تبعاته ومداه إلا الله.
أما في موضوع معبر رفح فإن حركة الجهاد الإسلامي تعي تماماً حاجة المواطنين الماسة لفتح المعبر، وقد كان موضوع المعبر الشغل الشاغل في اتصالات الأمين العام للحركة د.رمضان شلّح مع المسؤولين المصريين خلال مفاوضات التهدئة التي رعتها مصر أثناء العدوان الأخير على غزة، وقد تحدث أمين عام الجهاد الإسلامي عن ذلك أيضاً خلال مؤتمره الصحفي الذي عقده في بيروت بعيد إعلان وقف إطلاق النار الذي أوقف حرباً استمرت لواحد وخمسين يوماً تميز فيها أداء الجهاد الميداني والسياسي.
إلى جانب ذلك فإن الحركة بحسب ما علمت، زادت من فعالية جهدها في موضوع المعبر تحديداً بعد المخاوف التي تولدت لدى الحركة والمعلومات التي صارت بين أيديها عن محاولة إيجاد بدائل لمنفذ رفح البري، وهذه البدائل تتمثل في معبر "إيرز" الذي يخضع لسلطة الاحتلال مباشرة.
مبادرة قيادة الجهاد الإسلامي بالتحرك المباشر شكلت انقلاباً في وجه أطراف عديدة كانت تريد لغزة أن تظل رهناً للإغلاق والحصار والعزل، لأهداف سياسية تختلف من طرف لآخر، بحسب الأجندات السياسية التي تحكم تلك الأطراف العديدة.
كان واضحاً أن الجهاد تحركت بعيداً عن الأجندات تماماً كما شاركت في معارك الدفاع عن غزة دون حسابات أو أجندات أيضاً، وانطلقت من الواجب الذي رأت فيه قيادتها أولوية في مرحلة بالغة الحساسية والتعقيد.
الذي يعرف "الجهاد" وقرأ أدبياتها بعقل منفتح وبصدر بعيد عن ضيق الأيدلوجيات الحزبية، يعي الفرق بين محاولة إحداث اختراق في الوضع الفلسطيني عبر معبر "إيرز"، وفتح قنوات تنسيق مباشرة أو غير مباشرة مع الاحتلال، وبين القفز عن الحواجز الطارئة في علاقة المقاومة بمحيطها العربي والإسلامي.
"مبادرة الجهاد" جاءت بعد استشعار لخطورة عزل القضية الفلسطينية أو تآكل التفاعل معها عربياً وإسلامياً تحت عناوين ومبررات لا ترى الحركة أن أصابع إسرائيل بعيدة عنها.
مهمة وفد الجهاد إلى القاهرة لم تكن سهلة أبداً، وكادت الزيارة أن تنهي في وقتها المقرر دون أن تصل إلى المستوى المأمول، لكن الوفد كان قد قرر ألّا يغادر القاهرة قبل تحقيق الاختراق المطلوب في علاقة غزة بالقاهرة التي أعلنت بعيد ساعات من ختام الزيارة عن فتح معبر رفح لمدة يومين، ثم أعلنت هيئة قضاء الدولة المصرية عن طعنها في القرار الذي يتهم حركة حماس بالإرهاب، وقد سبق ذلك إشارات إيجابية عديدة من جانب حماس الحريصة على أمن واستقرار مصر وتجنب عوامل التوتر والترفع عن الترهات التي يبثها الإعلام المصري الخاص الذي يسيء لسمعة مصر واسمها.