الأحد: 29/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

د. فياض وإدارة التعددية باتجاه الخلاص الوطني

نشر بتاريخ: 15/03/2015 ( آخر تحديث: 15/03/2015 الساعة: 13:09 )

الكاتب: تحسين يقين

فكر سياسي وطني ملتزم وعملي في سياق استراتيجي تحرري، هو ما ذهب إليه د. سلام فياض رئيس الوزراء السابق في مقاله المنشور مؤخرا، الذي بدا كمبادرة سياسية.
ولعلنا نبتدئ من حيث ما انتهى إليه د. فياض من نتيجة، تشجع إقامة الدولة الفلسطينية، ليس كخلاص للشعب الفلسطيني، بل كمصلحة إقليمية ودولية في ظل موجات التطرف والعنف، كون القضية الفلسطينية فعلا تشكل لب الصراع.
"إذا ما أريد لمسألة إحلال السلام في الشرق الأوسط أن تستعيد قوّة جاذبيتها وسط الموجة الكاسحة من التطرف، من الأهمية بمكان المحافظة على أهم مقوم لعملية السلام، ألا وهو الدولة الفلسطينية، وإنجاز التعهد بأن تكون إضافة نوعية..." تلك كلمات د. سلام فياض في مقاله المنشور مؤخرا، والتي رغم إنها تبدو تقليدية ومكررة، إلا أنها لا تمنع ؟أنها حقيقة ثابتة في زمن ليس فيه غير القليل من الثوابت خصوصا السياسية منها.
لقد كنا بحاجة منذ إقامة السلطة الوطنية لحكومة خلاص وطني، والسبب الموضوعي هو وجود اختلاف سياسي حادّ ومتباين في الطيف الفلسطيني، حتى بين تلك الفصائل المنضوية داخل منظمة التحرير، فما بالك بمن كان خارجها.
وقد زادت الحاجة لحكومة خلاص وطني بعد الانتخابات الثانية، حيث أنه من كانت لديه بصيرة، رأى بضرورة وجود المعارضة خارج الحكومة، أي في المجلس التشريعي، لمراقبة الأداء والشروع بالإصلاح وتقوية البناء.
ولعلّ الحكومة الأخيرة ولو جاءت متأخرة، في من الشبه بمضمون ما نفكر فيه.
إدارة التعدد، هو مصطلح أو مفهوم ذكره دكتور سلام فياض رئيس الوزراء السابق، ضمن مقاله المنشور بعنوان " سعي الفلسطينيين للدولة يبدأ من غزة"؛ في سياق اجتهاده بآليات سياسية لتحقيق الهدف الوطني: وهو الخلاص من الاحتلال، على المدى المتوسط، من خلال إجراءات على المدى القصير تيسر الوصول إلى الهدف.
وإدارة التعدد كما أفهمها هي المتعلقة بالإدارة والحكم، في ظل تعددية سياسية تجاوزت التعددية التقليدية ضمن نظام حكم واحد، إلى تعددية لنظم حكم.
وهدف إدارة التعدد، هو تحقيق متطلبات كل من الحوكمة الوطنية والالتزام الدولي، في ظل الحالة السياسية التي نعيشها. وهو هدف سام وضرورة وطنية وإنسانية، وعملية أيضا، بل إن هكذا إدارة إن تحققت فعلا، فإنها ستؤرخ نفسها ليس كظاهرة إبداعية لفحص البدائل الذكية، بل كظاهرة نبيلة.

وربما ستكون ما يشبه خاطرة طريق يمكن أن تقتدي بها بلادنا العربية التي تعاني من إشكاليات التعددية المتعاركة خارج نظام الحكم.
وما هي إدارة التعدد إن لم تكن طريق ديمقراطية غير معلنة، لا تأتي عبر صندوق الانتخابات، لكنها تأتي من خلال الواجب الوطني، وما هذه الإدارة إن لم تكن أسلوبا للتقريب والحل للمضي قدما، لتحقيق الأهداف المرحلية، لحين الاتفاق على الأهداف الرئيسية.
جاءت إدارة التعددية في سياق سعي الفلسطينيين نحو الدولة، بعد أن يبين د. فياض مبررين رئيسيين للانطلاق من غزة، "هما الحاجة الملحّة للتعامل مع الأوضاع الإنسانية الكارثية هناك، وكذلك لسبب استراتيجي نظرا للحاجة إلى إعادة إدماج غزة كجزء لا يتجزأ من النظام السياسي الفلسطيني كشرط أساسي على درب السيادة".

وما يذكره د. فياض عن "النظام السياسي الفلسطيني كشرط أساسي على درب السيادة"، يؤكد ما مضى به من حديث عن الدولة والخلاص من الاحتلال، وهو ما ذكرناه عن الهدف الوطني بالتخلص من الاحتلال على المدى المتوسط أو (الأبعد قليلا)، من خلال إجراءات على المدى القصير تيسر الوصول إلى الهدف. وكان معلوما بالضرورة معنى الإجراءات على المدى القصير، والتي تعني إدارة الحكومة تحت الاحتلال، بتقوية الصمود وبناء المؤسسات وترسيخ الديمقراطية كنهج حكم.
أما إعادة الإدماج فتكمن وفقا للدكتور فياض: في "الدعوة لانعقاد وتفعيل إطار القيادة الموحّدة بصفة فورية، مما يضمن تمكّن الحكومة الفلسطينية من السلطة الكاملة وتمثيلها لكامل الطيف السياسي، وكذلك إعادة انعقاد المجلس التشريعي الفلسطيني".
ويمكن لجميع القوى المشاركة الوجود في "إطار القيادة الموحدة" (تذكرنا بالقيادة الموحدة للانتفاضة في عامها الأول)، حيث وضع د. فياض مخرجا سياسيا "بعدم اشتراط العضوية فيها بقبول الفصائل الخارجة عن منظمة التحرير الفلسطينية للبرنامج السياسي للمنظمة(حماس والجهاد) بشكله المعدل من أجل الاستجابة لمتطلبات إطار أوسلو".

وبهذا المخرج الذكي والكريم والعملي بل والاستراتيجي " تضمن الفصائل من خارج منظمة التحرير الفلسطينية بما فيها حركة حماس والجهاد الإسلامي شراكة حقيقية في سعي الفلسطينيين لتحقيق طموحاتهم الوطنية، وفي ذات الوقت تتمكن المنظمة من الحفاظ على برنامجها وتمثيل كل الفلسطينيين"
ولذلك نراه هنا يبين هدف حكومة إدارة التعدد ب" إعمار غزة وإعادة توحيد المؤسسات الفلسطينية والأطر القانونية في كامل أنحاء الضفة وغزة، ويجب أن يتم ذلك مع المسؤولية الكاملة التي تأتي إثر الانعقاد الفوري للمجلس التشريعي".
"ويمكن لتلك الإجراءات أن تمهد ، للشروع من حالة التهميش إذا رافقها تبنّي إطار القيادة الموحدة لالتزام مسقوف زمنياً بنبذ العنف. على إثر ذلك يكلِف إطار القيادة الموحدة منظمة التحرير الفلسطينية بإبلاغ إسرائيل والمجتمع الدولي بذلك الالتزام نيابة عن كل الفصائل الفلسطينية". وفي ذات الوقت يتم العمل على تأمين اتفاق (سيتم التنصيص عليه في قرار لمجلس الأمن) حول تاريخ مؤكد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي بنهاية مدة ذلك الالتزام".
هذا هو المطلوب من الفلسطينيين، فما هو المطلوب دوليا؟
لم يغفل د. فياض ذلك، بل أشار لذلك بشجاعة ومنطق عملي وسياسي: "يجب التخلي عن الإصرار المتواصل من قبل المجموعة الدولية على التطبيق الصارم لمبادئ اللجنة الرباعية لفائدة توقّع التمسك الفلسطيني بالالتزام بنبذ العنف الأقل صرامة"الهدنة"، (.....) في ظل أن "قبول حق الفلسطينيين في إنشاء دولة، لم يتمّ أبدا توقّعه رسميا من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ أوسلو"
إنها دعوة ذكية في إدارة الصراع باتجاه توظيف التعددية من اجل مصالح الشعب الفلسطيني العليا وليس لتناقضات فئوية.
إن مقترح "هدنة وقف العنف" محدد بزمن معين في ظل التزام بإنهاء الاحتلال في فترة معينة، أمر جديد على حياتنا الفلسطينية النضالية، يجعلنا متحدين أكثر، نسالم معا أو نحارب معا، في الوقت والظرف الوطني والإقليمي والدولي الملائم، وربما نحارب ونسالم،(اعتماد المفاوضات في ظل نضال مادي) في ظرف معين ملائم، كما حدث في الانتفاضة الأولى، وليس مستحيلا تكرار الظروف.
إدارة التعددية أمر ممكن حدوثه إذا امتلكنا إرادة حقيقية نابعة من قناعاتنا.
وهو ما سيحمينا من التهميش، وهو الذي سيجعلنا في عمق وقلب وبنية العمل الأممي، فمنه "يتم العمل على تأمين اتفاق، تمهيداً لترسيمه في قرار لمجلس الأمن، بشأن تحديد سقف زمني مؤكد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي بنهاية مدة ذلك الالتزام"؛ ونظن أن المجتمع الدولي، في ظل سيل اعترافات الإرادة الدولية الشعبية ممثلة بالبرلمانات والحكومات بالدولة الفلسطينية، حيث أن ذلك سيكون رافعة دولية وعربية للفعل الفلسطيني الذي يتكون في منظمة التحرير، والذي ظهر في قرارات المجلس المركزي للمنظمة، وهو ما يحوز على رضا الشعب الفلسطيني.
عود على بدء، تكون الدولة الفلسطينية حلا يسهم في الأمنين والسلامين الإقليمي والدولي، على ألا يكون المقصود بها التقزيم من خلال "دولة قابلة للحياة" بل "إضافة نوعية لمنطقة عُرفت منذ فترة بتقليد عريق يتمثل في “رجال أقوياء ودول ضعيفة”.
وأخيرا لعل د. فياض يحسم الأمر حين يرى أن الدولة الفلسطينية من المنظور الديمقراطي الفلسطيني وحدها "ستكون جزءا من الرد طويل المدى على "النزعة الرفضوية" الناجمة عن حالة الحرمان والتهميش واليأس التي شكلت وريداً مغذياً للتطرف في المنطقة منذ مطلع القرن الحالي".
فكر سياسي وطني ملتزم وعملي في سياق استراتيجي تحرري، لعله يجد آذانا صاغية من الجميع، الشعب بفصائل العمل الوطني والأحزاب والقوى الفاعلة، وحسن النوايا.