السبت: 28/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

داعش والانتخابات الإسرائيلية

نشر بتاريخ: 16/03/2015 ( آخر تحديث: 16/03/2015 الساعة: 11:05 )

الكاتب: تاج الدين عبد الحق

بالكاد نتابع الانتخابات الإسرائيلية، وكأنها تجري في بلاد الواق واق، لا تؤثر بنا، ولا نتأثر بها، بعد أن كانت حدثا إقليميا هاما، يتداعى له الخبراء والفقهاء، بالتحليل والتفسير، وتتوقف على وقعها تحركات هنا، وتؤجل بسببها قرارات هناك.

تراجع الاهتمام بالانتخابات الإسرائيلية، لا يرجع فقط إلى الإحباط المتراكم، لدى كل من كان يهتم بها، كعامل مؤثر في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، بل لأنها أصبحت ورقة محروقة لايمكن توظيفها، أو المراهنة على مخرجاتها، لتبرير هذه المراواحة المملة، والانتظار الطويل لعملية سياسية، لاطائل من ورائها، ولانتيجة حقيقية منها، إلا تقليم قدرة التحمل والصمود، لمن يعيش تحت وطأة الاحتلال، أو لمن ينتظر الفرج، في المنافي والشتات .

لذلك فإن الانتخابات الإسرائيلية، تجري اليوم تحت عناوين مختلفة، عن العناوين التي اعتدنا عليها في المرات السابقة، ففيما تتوارى القضايا السياسية الكبرى، التي كانت موضوع السجالات الانتخابية، بين المتنافسين على مقاعد الكنيست، أو على رئاسة الحكومة، تتصدرالانتخابات هذه المرة، قضايا معيشية يومية عادية، كتلك التي نراها في باقي بلاد خلق الله، في إيحاء ضمني بأن قضايا الاحتلال وما تفرزه من تحديات أمنية، وقضايا الاستيطان ويهودية الدولة، وما تمثله من مركزية وثقل في معادلة الصراع، لم تعد أولويات ضاغطة على خيارات إسرائيل السياسية، ولاتشكل الأساس فيما تواجهه من تحديات أمنية .

لعبة الانتخابات من الأسلحة التي اعتمدتها إسرائيل لتدجين المفاوض العربي، فمن رهان على اليسار الإسرائيلي، باعتباره أكثر تفهما وإعتدالا، إلى المراهنة على اليمين باعتباره الأكثر قدرة على اتخاذ القرارات وتحمل مسؤولياتها؛ تنقل المفاوض العربي بين اليمين والشمال في تجاذب – حتى لا نقول تكاذب – زاد عن ثلاثة عقود، ظل خلالها يدور في حلقة مفرغة، تبيَّن بعدها أن اليمين واليسار هما وجهان لعملة إسرائيلية واحدة، لا تصرف إلا بما يتلاءم مع مصالح الدولة العبرية وما يتفق مع ثوابت سياساتها.

والمتفحص لمسيرة الانتخابات الإسرائيلية لا بد أنه لاحظ أنها أقرب للعبة الكراسي الموسيقية، التي يتبادل فيها اللاعبون الجلوس على الكراسي، على وقع إيقاع موسيقي يضبطه تقدير محسوب، ووقت معلوم. فمن يجلس اليوم على كرسي الحكم من المحسوبين على اليسار كان بالأمس القريب من المحسوبين على اليمين. ومن كان في مقاعد اليمين بالأمس أصبح في مقاعد اليسار اليوم، والصراع الذي كنا نظنه صراع اقصاء بين المتنافسين كان ينتهي في أحايين كثيرة بالتوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية يختلط فيها حابل اليسار بنابل اليمين .

ما جعل إسرائيل تتخلى عن توزيع الأدوار، ولعبة الانتخابات هذه المرة، أنها لم تعد بحاجة إلى شماعة الديمقراطية التي كانت تعلق عليها استمرار الاحتلال أو التهرب من استحقاقات ما وقعت عليه من اتفاقيات، وما فُرِض عليها من التزامات.

فكل ما حولها يعطيها المبرر ويمنحها الحجة للتملص مما تواجهه من ضغوط، أو يعطيها فرصة الإفلات من أي قيود تعيق حركتها لتعميق احتلالها وفرضه كأمر واقع وحالة دائمة.

فالعنف الذي تمارسة سلطة الاحتلال إزاء الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي كان من بين أبرز العوامل التي حركت المجتمع الدولي، أصبح أقرب للمداعبة، إذا ما قورن بالعنف الذي يمارسه تنظيم داعش وما انبثق عنه أو تحالف معه من تنظيمات .

والتهجير والتشريد الذي يقوم به الاحتلال، والذي أثقل الضمير الدولي – منذ قيام إسرائيل وحتى الآن – بات نزهة بالقياس للتهجير الذي طال الملايين بفعل القتل والقتل المضاد، في أكثر من دولة عربية وإسلامية. والتصفية العرقية والعنصرية والمذهبية التي يمارسها الداعشيون وأنصارهم، تجعل من ممارسات إسرائيل في هذا المجال، مثالا للسماحة والانفتاح .

والاستيطان وتغيير معالم الأرض والاعتداء على الآثار والمقدسات، الذي كانت تتداعى له منظمات حقوق الإنسان والوكالات الأممية المتخصصة، باتت بالقياس للممارسات التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، مبررة، وقد تصبح بطول الصمت والتقادم، مشروعة ومقبولة .

في ضوء ذلك كله، فإن انتخابات إسرائيل لن تقدم أو تؤخر، ولن ينتظرأحد ما تفرزه من نتائج. فالواضح للقريب والبعيد، أنها لن تحمل جديدا يغير في معادلة الصراع، مهما كانت نتائجها، وأيا كان الفائز فيها، بعد أن باتت الحلبة أكثر اتساعا، والمحاربون في الأطراف أكثر شراسة وعدوانية، من أولئك الذين أصابوا عضلة القلب بالعطب.