الخميس: 26/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

واشنطن تبدأ العد التنازلي

نشر بتاريخ: 20/03/2015 ( آخر تحديث: 20/03/2015 الساعة: 12:15 )

الكاتب: نعيم الأشهب

تصريح وزير الخارجية اﻷميركية ، جون كيري ، في الخامس عشر من آذار الجاري ،بأنه سيتعين على واشنطن ، في نهاية المطاف ، التفاوض مع اﻷسد ، وتصريح مدير المخابرات اﻷميركية - السي .آي . إيه - قبله بيوم واحد بأن سقوط اﻷسد يفتح الطريق لسيطرة داعش على سورية ، هو اعتراف مدوّ بفشل المخطط اﻷميركي ﻹخضاع سورية ، كما خططت واشنطن مع أتباعها.أما اﻹدعاء بأن واشنطن تفضل النظام الحالي في سورية على داعش ، فهو تزييف مطلق للحقيقة ورياء مكشوف تدحضه الوقائع على اﻷرض، سواءا في سورية أو العراق. لكن من الواضح أن واشنطن تريد استعمال ور قة داعش في الحالتين: إذا انتصرت داعش وإذا فشلت.

من المعروف أن سورية تعرّضت ، منذ ٢٠١١، لثلاث موجات كبرى من التآمر الدموي ، بقيادة واشنطن وبالتعاون الفعال مع اﻷنظمة الرجعية في المنطقة ، وبخاصة دول الخليج وتركيا واسرائيل. الموجة اﻷولى ، أسندت واشنطن قيادتها للشيخ حمد بن جاسم، وزير خارجية قطر ورئيس وزرائها، الذي كان يصول ويجول ، بمحفظته المتخمة بالدولارات ، لشراء الذمم وتجنيد المرتزقة للقتال في سورية ، مع سيل من التصريحات ، من مختلف الجهات المتورطة في التآمر، بحتمية سقوط النظام في سورية ، خلال أيام أو اسابيع . وحين استنفذ حمد شحنته بالفشل ، بدأت الموجة الثانية من المؤامرة على سورية ، حين حوّلت واشنطن المهمة الى اﻷمير بندر بن سلطان ، مدير المخابرات السعودية آنذاك. وبدوره ، جرّب اﻷمير بندر حظه ، ليحصد في النهاية نفس الفشل . وكانت الموجة الثالثة باعتماد داعش مباشرة وتقديم كل اشكال الدعم لها ، علّها تفلح فيما عجز اﻵخرون عنه ، مع توسيع ساحة عملها لتشمل سورية والعراق معا.

في البدء ، سهّل اﻷميركيون لداعش اﻹستيلاء على أسلحة أربع فرق عسكرية عراقية في الموصل ، لتبسط سيطرتها خلال أسابيع معدودة على مساحة تجاوزت الخمسين ألف كيلو متر مربع. ورافق ذلك وسبقه ضخ إعلامي غير مسبوق حول قوة داعش التي ﻻ تقهر! متبوعا بتعميم إعلامي واسع لجرائمها الوحشية والمروعة التي اقترفتها ، لشل إرادة المقاومة لها. في الوقت ذاته ، كانت واشنطن مطمئنة الى عجز الجيش العراقي عن الوقوف في وجه هذا اﻹعصار اﻹرهابي المتوحش. فبعد تفكيك الجيش العراقي السابق ، قام بريمر، حاكم العراق بعد اﻹحتلال اﻷميركي ٢٠٠٣، بإعادة تشكيله على أسس طائفية وإثنية ، مع إلغاء خدمة العلم فيه ، والتي تعزز شعور الوﻻء واﻹنتماء للوطن ، ﻻ للطائفية أو اﻹثنية. على صعيد آخر، امتنعت واشنطن ، حتى اﻵن ، عن تسليم الجيش العراقي المعدات الحربية التي دفع ثمنها ، وبخاصة طائرات ف١٦ ومروحيات أباتشي لمقاتلة داعش ، بينما اﻷخيرة تتلقى المزيد من السلاح والعتاد إما عبر طائرات "مجهولة!" أو شحنات "بالخطأ!" من طائرات أميركية .

لكن فشل الرهان على داعش أصبح باديا للعيان . ففي العراق أسهم في ذلك بشكل ملموس فتح طهران لمخازن أسلحتها للوطنيين العراقيين وتسليم موسكو الفوري لهم عشر طائرات سوخوي ومروحيات قتالية. ومعلوم ، أن داعش عرفت أولى نكساتها في عين العرب السورية. وهكذا يبدو أن واشنطن استنفذت ما في جعبتها من أدوات لكسر إرادة الشعب السوري وإخضاعه لمشاريعها في المنطقة ، وإعادة السيطرة الكاملة على العراق. وإذا كانت واشنطن قد توصلّت للاستنتاج بفشل رهانها على داعش ،شأن من سبقوها، فإنها تبذل كل جهودها لدعم بقاء هذه العصابة الدموية، ﻻ سيما بعد أن انضوت تحت إسمها عصابات إرهابية في أكثر من بلد مستهدف من واشنطن.

وإذا كانت تصريحات وزير الخارجية ومدير المخابرات اﻷميركيين السالفة الذكر هي إقرار معلن بسقوط الرهان على داعش ، شأن من سبقوها ، فإنها - أي هذه التصريحات - ترمز الى تطلع واشنطن ﻹستخدام سقوط هذا الرهان ، لتغطية فشل رهاناتها المتكررة على كسر إرادة الشعب السوري الوطنية ، وبخاصة ، حين تدعي واشنطن ، رياءا، أنها تفضل النظام الحالي في سورية على داعش! كما تعبر هذه التصريحات ، في الوقت ذاته، عن تطلع واشنطن للتدخل ، عبر وسائل أخرى ، في نتائج أية مصالحة بين السوريين أنفسهم : نظام ومعارضة، وهو تطلع ﻻ مكان له.

وعلى كل حال، ينبغي أخذ هذا اﻹقرار بالفشل اﻷميركي تجاه سورية في إطار التطورات الهامة في المنطقة ، وفي المقدمة منها اﻹحتماﻻت الواعدة باﻹتفاق حول الملف النووي اﻹيراني، فهذا اﻹتفاق الموعود يمثل، بدوره، هزيمة وتراجعا لسياسة واشنطن في المنطقة ، بخاصة إذا أخذنا في الحسبان أن المفاوضات الماراتونية حول الملف النووي اﻹيراني كان هدف واشنطن من ورائها ليس السلاح النووي المزعوم ، وإنما تحييد طهران في القضايا العاصفة في المنطقة.

إن التصريحات اﻷميركية السالفة الذكر، مع اﻹحتماﻻت المتزايدة حول اﻹتفاق على الملف النووي اﻹيراني هي، ضمن مؤشرات أخرى ، بشائر مرحلة جديدة في المنطقة ، تتحوّل فيها شعوبها من الدفاع الى الهجوم ؛ وهذا بالذات هو سر سعار حكام اسرائيل والخليج وتركيا.