الخميس: 26/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

ثلاثية الحزبية والانتهازية والفساد في الواقع الفلسطيني

نشر بتاريخ: 26/03/2015 ( آخر تحديث: 26/03/2015 الساعة: 10:21 )

الكاتب: د. وليد القططي

الحزبية والانتهازية والفساد , ثلاثية مترابطة تسود المجتمعات المتخلفة , فالحزبية تؤدي إلى الانتهازية وكلاهما يؤديان إلى الفساد , فعندما يسيطر حزب على مقاليد السلطة في الدول المتخلفة , يعمد إلى توظيف كوادره في مؤسسات الدولة , وتعيين عناصره في الوظائف الحكومية , فيصبح الحزب طريقاً للتوظيف ووسيلة للترقّي وأداة لجلب المنافع الخاصة , فتصبح الانتهازية ديدن الناس الباحثين عن فرصة عمل والطامحين إلى الترقّي في الوظيفة , فينتشر الفساد في المؤسسات الحكومية والأهلية , كنتيجة لاعتماد مبدأ الثقة قبل الكفاءة , والثقة هنا لا تعني سوى القدرة على كسب ود المسؤولين بشتى الطرق , وهي كلمة السر لفن النفاق والتزلف , وهي مهارة لا يجيدها إلّا من يعرف من أين تؤكل الكتف .

وفي هذا الإطار حكى لي أحد الأصدقاء مؤخراً أنه كان ينتظر ترقية مهمة في الدائرة الحكومية التي يعمل فيها , وبما انه يملك أعلى مؤهل علمي في مجال تخصصه بالدائرة , ومن أقدم العاملين فيها , ويملك كفاءة لا بأس بها في مجال عمله , فإنه كان مطمئناً بأن هذه الترقية من نصيبه وذلك بعد تقاعد الموظف الذي كان يشغلها , لا سيما وأن القائم بأعمال الدائرة قد أخبره بأن كتاب تكليفه قد طُبع وينتظر توقيع الجهات العليا عليه , ولكنه فوجئ بتعيين موظف آخر في هذا المنصب أقل منه أقدمية وشهادة وكفاءة . فسألته إن كان هذا الموظف ينتمي للحزب الذي يمسك بالسلطة فأجاب بالإيجاب وزادني أنه أخ لمسؤول كبير في هذا الحزب . فعُرف السبب وبطل العجب .

وما حدث مع صديقي هذا يذكّرني بمسلسل تلفزيوني مصري عُرض عام 1989 بعنوان ( الكهف والوهم والحب ) الذي يجسد العلاقة بين ثلاثية الحزبية والانتهازية والفساد , حيث كان بطل المسلسل ( إحسان بك أبو المعاطي ) عيناً يتجسس على طلبة الجامعة لصالح النظام الملكي الحاكم في مصر قبل ثورة يوليو 1952 , وما أن جاءت الثورة حتى أصبح هو نفسه من كبار المسؤولين والموجهين في هيئة التحرير ثم الاتحاد الاشتراكي– أحزاب السلطة – في الخمسينات والستينات , ثم عينته الحكومة رئيساً لمجلس إدارة إحدى شركاتها الصناعية الهامة , وهو منصب يحتاج إلى خبرة هندسية وإدارية عالية , وهو بعيد كل البعد عن هذا , إلّا أن إنتهازيته الكبيرة أهلته لأن يكون ثقة لكل المسؤولين في كل العصور والأنظمة الحاكمة .

وهذا النمط من الحزبية والانتهازية هو أهم مظاهر الفساد الذي عرّفته ( منظمة الشفافية الدولية ) بأنه : " كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو لجماعته " . ويرتبط بهذا النمط من الفساد ظواهر الواسطة والمحسوبية والمحاباة . فالواسطة تعني التدخل لصالح فرد أو جماعة أو حزب دون الالتزام بأصول العمل ومعايير الكفاءة اللازمة , مثل تعيين شخص في منصب معين لأسباب تتعلق بالقرابة أو الانتماء لحزب رغم كونه غير كفء أو مستحق . والمحسوبية تعني تنفيذ أعمال لصالح فرد أو جهة ينتمي لها الشخص مثل حزب أو عائلة أو منطقة دون أن يكونوا مستحقين لها . والمحاباة تعني تفضيل جهة على أخرى في الخدمة بغير حق للحصول على مصالح معينة .

والفساد عندما يكون جماعياً يُمارس باسم الحزب بشكل منهجي ومنظم يشكل أخطر أنواع الفساد كونه يتغلغل في كافة بنيان المجتمع ومؤسسات الدولة , ويصبح نهجاً متبعاً في الادارات الحكومية والأهلية , فيؤدي إلى ضياع قيمة العدل , وإهدار حق المساواة, والتفريط بمبدأ تكافؤ الفرص , وعدم وجود بيئة تنافسية صحية ... فيقود ذلك إلى انتشار السلبية واللامبالاة بين العاملين , وتدهور الأخلاق والقيم التي تشجع على الانجاز والاتقان والاخلاص في العمل , وانتشار القيم السلبية البديلة التي تشجع على النفاق والانتهازية والكسل ... فينعكس كل ذلك سلباً على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية .

وللخروج من هذه الثلاثية المدمّرة في الواقع والمجتمع الفلسطيني لا بد أن نبعد الحزبية عن مؤسسات العمل الحكومي والمؤسسات العامة الأخرى , ولتكن معايير الكفاءة المهنية وقانون الخدمة المدنية هما أساس التوظيف والترقية دون اعتبار للانتماء الحزبي أو غيره من الانتماءات العائلية أو المناطقية .