نشر بتاريخ: 26/03/2015 ( آخر تحديث: 26/03/2015 الساعة: 12:40 )
الكاتب: أحمد مسمح
تشهد العلاقاتُ بين الدول حالةَ شدٍّ وجذبٍ وتمر بمدٍّ وجذر، حسب تقلب المصالح الإقليمية، فالتحولات التي تشهدها الساحة العربية فرضت واقعاً جديداً، غيرت مواقف دول كبرى، فكيف إذا كان الأمرُ يتعلق بمصالح دولتين كبريين كالسعودية وتركيا اللاتي يمتلكن تاريخاً إسلامياً، وإرثاً حضارياً وتمثل ثقلاً عربياً وإسلامياً كذلك..
فقد كانت وفاةُ الملك عبدالله بن عبدالعزيز علامةً فارقة في تاريخ المملكة، حيث ظهرت جملة من القرارات التي اتخذها الملك الجديد، وبدأت سياسات المملكة الخارجية تتغير تجاه القضايا العربية والإقليمية، واتضحت أولوياتُ المملكة في الوقوف في وجه التمدد الإيراني، ويبدو أنها تتجه للانسحاب من مربع اللوبي الإماراتي والتي استطاعت الإمارات إقناع الرياض في عهد الملك الراحل بضرورة الوقوف بجانبها ضد مشروع الإخوان في المنطقة وذلك بعد ثورات الربيع العربي، حيث أدرجت المملكةُ جماعةُ الإخوان على قائمة والإرهاب.
وكذلك كان فوزُ حزب العدالة والتنمية في تركيا، حيث كانت التعديلات الجوهرية في الدستور وتحجيم دور الجيش، اتجهت تركيا لتعزيز علاقاتها بالعمق التاريخي والثقافي في الشرق الأوسط، وتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية، وكذلك إنجازات الحزب على المستوى الاقتصادي والسياسي والإقليمي والدولي، وإن كان سعي تركيا لدخول الاتحاد الأوروبي يجعلها تقف طويلاً قبل إصدار أي تصريح يؤيد القضايا العربية والإسلامية..
فقد أدركت تركيا ضرورة أن تلعبَ دوراً تجاه الشرق الأوسط وأن تعزز من مكانتها وتراعي مصالحها وتعقد تحالفات، حين يغيب عن الساحة العربية والإسلامية الموجه والراعي والقدوة والزعيم، تجد تركيا أن تملأ ذلك الفراغ وتقود المنطقة العربية خلفها وتتبنى قضايا المسلمين..
وقد شكّلت الأحداثُ الإقليمية والتحولات في المنطقة العربية وخصوصاً في اليمن وسوريا وليبيا دافعاً كبيراً لعودة الدفء في العلاقة بين السعودية وتركيا، ومع سيطرة الحوثيين على صنعاء تعاظم الشعورُ لدى القصر الملكي بخشية تضعضع كرسي العرش مع اقتراب الحوثيين للحدود السعودية، وكذلك مع بزوغ نجم "تنظيم الدولة"، فاتجهت المملكة لتعزيز علاقاتها مع الإسلام السياسي أو الإسلام الوسطي، الذي يستطيع الوحيد أن يقف في وجه التشدد الشيعي والسني، والذي سيكون نصيراً ومؤازراً يقف بجوارها ضد المشروع الإيراني في المنطقة العربية..
فالمصالح الإقليمية لكلا البلدين تجعلان التواصل ضرورياً، وتفرض عليها التلاقي المستمر، فلم يمضِ أسبوع على زيارة الرئيس التركي إلى السعودية معزياً، حتى أرسلت تركيا السفينة الحربية الوطينة بويوكادا (F-512) إلى ميناء جدة البحري في إطار مناورات عسكرية مع دول البحر الأحمر والبداية في السعودية.
الكاتب السعودي إبراهيم آل مرعي كتب في جريدة الرياض في 2 مارس 2015م قائلاً: "العلاقات السعودية التركية عميقة ومبنية على أسس تاريخية وإسلامية، اتضحت جلياً بدورهما الفاعل في قضايا الأمة الإسلامية من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي، ولم تقتصر العلاقات على هذا الجانب فقد تطورت من خلال البوابة الاقتصادية، ففي العشر سنوات المنصرمة ارتفع حجم التبادل التجاري من (4) مليارات ريـال إلى (22) مليار ريـال، وامتد هذا التعاون إلى الجانب العسكري الذي تُرجم باتفاقية دفاعية - صناعية وقّع عليها خادم الحرمين الملك سلمان حين كان ولياً للعهد في (مايو 2013م).
هذه العلاقات كأي علاقة بين بلدين لا بد وأن تمر بمد وجزر، وفي ظل الظروف الإقليمية المضطربة، اعترى هذه العلاقات نوع من الاختلاف السياسي والذي أجزم أن قادة البلدين سيتمكنون من تجاوزه بهدوء، ولن يسمحوا لهذه الخلافات الطارئة بإحداث شرخ عميق في العالم الإسلامي لاسيما وأن الدولتين تُعتبران قوة إقليمية عظمى لهما تأثيرهما في المنطقة وفي صناعة القرار الدولي".
فلم يتجاوز البلدان بعدُ جميع الخلافات القائمة بينهما، إذ الموقف من مصر ما زال تباين وجهات النظر بين البلدين، حيث تعتبر تركيا ما حدث في مصر انقلاباً عسكرياً أطاح بحكم مدني جاء بانتخابات نزيهة، بينما تعتبر المملكة ما حدث في مصر هو تغيير طبيعي وثورة شعبية، ويبدو أن الرياض تقود في هذه الأيام مبادرة مصالحة بين تركيا ومصر.
وحسب موقع "الجزيرة نت" 1/3/2015م، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مؤتمر صحفي بمطار أتاتورك في إسطنبول قبيل مغادرته إلى السعودية، إن اللقاء مع السيسي غير وارد وغير مدرج على جدول أعمال زيارته على الإطلاق، وقال: "لكي يحدث مثل هذا الأمر يتوجب الإقدام على خطوات في مسار إيجابي بشكل جاد للغاية".وأكد أنه لا نية لديه للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال زيارتهما للسعودية.
أما الجريدة السورية "زمان الوصل" فكتبت في 31/1/2015م: "إن أكثر ما يبعث على التفاؤل في تحسن العلاقات التركية -السعودية، أن الملك سلمان بن عبدالعزيز، هو من تولى ملف العلاقة مع أنقرة حين كان وليا العهد ووزير الدفاع، ولعل زيارته الشهيرة إلى أنقرة في مايو (أيار) العام 2013 هي من أسست القاعدة الصلبة للعلاقات بين البلدين، إذ وقع آنذاك اتفاقية للتعاون الصناعي -الدفاعي بين البلدين، حينها تحدث الإعلام السعودي عن حقبة جديدة في العلاقات التركية -السعودية، أساسها التعاون الصناعي والعسكري، بل كان من المفترض تطوير هذا التعاون خصوصا في شكله العسكري، إلا أن خلط أوراق الشرق الأوسط، وتضارب التوجهات والرؤية حول سوريا ومصر وليبيا، أوقف كل المشاريع بين البلدين.. وكانت شعرة معاوية انقطعت –دون الدخول في تفاصيل من هو المسؤول- حين أطاح وزير الدفاع المصري –آنذاك- عبدالفتاح السيسي بحكم الرئيس محمد مرسي بدعم السعودية والإمارات، في هذه اللحظة توقفت العجلة السعودية -التركية تماماً، وبدت الأزمة المصرية هي معيار هذه العلاقة متناسين التوافق حول سوريا وإسقاط نظام الأسد".
وفي الثاني من آذار/ مارس 2015م زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السعودية زيارة رسمية للسعودية واجتمع بالملك سلمان، وعقدا جلسة مباحثات رسمية ناقشا خلالها تعزيز التعاون بين البلدين في جميع المجالات إضافة إلى الأوضاع في المنطقة وعلى رأسها الملف الإيراني والقضيتان السورية واليمنية.
مركز أبحاث "سيتا" الذي يتخذ من العاصمة التركية أنقرة مقراً له، نشر دراسة عنوانها "المملكة العربية السعودية بعد الملكة عبد الله: عودة السديريين" عبّر من خلالها عن توجه الحكومة التركية "لتوظيف التغيرات الداخلية التي تشهدها المملكة السعودية لأجل دعم محاولات إصلاح العلاقات بين البلدين"، مشيراً إلى أن المملكة هي الدولة الإسلامية الثانية إلى جانب تركيا ضمن مجموعة العشرين "جي 20"، مؤكدا على أن التغيرات الداخلية التي شهدتها المملكة ستنعكس وتؤثر على السياسات الإقليمية والعالمية.
وتوقعت الدراسة التي أعدها مركز سيتا، التابع لرئاسة الوزراء التركية، من الإدارة السعودية الجديدة أن تتخلى عن السياسة المعادية لتركيا في الملف السوري والتي نهجها الأمير بندر بن سلطان عندما جعل المملكة تتخلى عن الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا ولجأ لدعم تنظيمات مسلحة أخرى ذات ميولات دينية متطرفة. مع العلم أن قرار إبعاد الأمير بندر بن سلطان كان من بين القرارات الأولى التي أصدرها الملك سلمان.
حيث بدأ الملك الجديد عهده بمجموعة من التغييرات التي طالت العديد من الأمراء والمسؤولين والوزراء، وهذا ما يؤكد اتجاه المملكة نحو الإصلاحات واتجاها نحو مربع الممانعة والابتعاد عن مربع المؤامرة، ولم يتضح بعد ما يمكن أن تفعله المملكة في الملف اليمني بعد المصالحة مع تركيا..
أما عن الملف الفلسطيني، فإن هناك ارتياحاً كبيراً لدى الشارع الفلسطيني وخصوصاً الشارع الغزي من مواقف الملك سلمان الأخيرة واتجاهه للتحالف مع تركيا وقطر الداعميْن الأساسييْن للقضية الفلسطينية والنصير لها عربياً، فاتجاه المملكة للضغط على مصر لتحسين الأوضاع في غزة ودعم مشاريع الإعمار وقف التأييد لما يحدث في مصر من محاسن القصر الملكي وقيادته..
أخيراً.. فإن العلاقات التركية-السعودية ستشهد مزيداً من التقدم على النواحي السياسية والتجارية والاقتصادية وكذلك العسكرية، ويسعى البلدان إلى الدخول في تحالفات جديدة في المنطقة العربية التي تشهد أحداثاً جساماً تتطلب من الكبار أن يجلسوا ويضعوا خططاً تتجاوز هذه الصعاب..
فمربع (السعودية-قطر- تركيا) يواجه ما يسمّى بـ"الهلال الشيعي" الذي اقترب من حدود المملكة جنوباً والعراق شمالاً، وأصبح قاب قوسين من العاصمة دمشق..