الخميس: 26/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

دوافع الثورة التونسية

نشر بتاريخ: 26/03/2015 ( آخر تحديث: 26/03/2015 الساعة: 11:06 )

الكاتب: أيمن هشام عزريل

كان عام 2011، هو عام الثورات العربية أو كما أطلق عليه اسم (الربيع العربي)، الذي وقعت فيه معظم الثورات في الوطن العربي، إلا أن أعنف تلك الثورات وقع في (تونس، مصر، اليمن، ليبيا، سوريا، البحرين)، وقد برزت أهمية الموضوع كون تونس مفتاح الثورات التي حدثت في العالم العربي، فالشرارة التي أشعلت الثورات ابتدأت من تونس ثم انتقلت باقي دول الوطن العربي.

يتضمن الدستور التونسي نضال الشعب التونسي للتخلص من الاستعمار القديم، وتصميم هذا الشعب على توثيق الوحدة القومية، والتمسك بالقيم الإنسانية، والعمل للسلم، والتعاون الدولي الحر، والتعلق بتعاليم الإسلام، ووحدة المغرب الكبير، وانتمائه إلى الأسرة العربية، والتعاون مع الشعوب الإفريقية، وإقامة ديمقراطية تستند إلى مبدأ السيادة الشعبية، والفصل بين السلطات، والنظام الجمهوري، وإقرار المساواة بين المواطنين.

لقد تبنى نظام بن علي أسلوباً في الحكم قائماً على قتل السياسة، لقاء التبشير بالتنمية الاقتصادية، ورفع المستوى المعيشي للمواطن، أي تبني معادلة التنمية من دون ديمقراطية؛ وبالفعل نجحت تونس في تحقيق معدلات من التنمية تفوق النسب الموجودة في الدول المماثلة، بفضل تدفق الاستثمارات الأجنبية، والسياحة الخارجية المندرجة في إطار تصور غربي قائم على دعم النموذج التونسي الذي عمل على تسويق صورة النظام الذي تمكن من مواجهة مطالب الحركة الأصولية بالنجاح الاقتصادي.

إن نقطة ضعف هذا النموذج هو غياب مؤسسات تمتلك الشرعية المطلوبة لمراقبة مسالك المال العام الذي يصرف في برامج التنمية، وهو ما مثل أهم مدخل للفساد المالي، ولاستخدام أسلوب المافيات المنظمة لتجميع الثروة من طريق "الجاه المفيد للمال"، في غياب آليات المراقبة، والمحاسبة المؤسساتية، كما كشف هذا الغياب عن ضعف فظيع في امتلاك الآليات الاقتصادية القادرة على امتصاص تداعيات الأزمة المالية العالمية.

وهكذا فإن من أبرز الأسباب البنيوية التي ساهمت في تأجيج روح الثورة لدى الشعب التونسي، تدهور الأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية المتمثلة في ارتفاع مستويات البطالة، وخاصة في أوساط حاملي الشهادات، وتزايد التفاوت الاجتماعي بين المناطق والجهات، وتركيز الثروة في أيدي فئة محظوظة من الموالين لعائلة الرئيس.

والسؤال الذي فرض نفسه بعد سقوط بن علي هو هل أن رئيس النظام سقط فقط، بينما ظلت مؤسسات الدكتاتورية والرشوة، وسوء التصرف قائمة؟
إن هذا التساؤل طرح نفسه بشدة، خاصة أن الحركة الاحتجاجية كانت دون قيادة موحدة، ولا برنامج سياسي، واقتصادي بديل واضح.
الانقلاب على الدستور، ودفع البلاد نحو سلسلة من الاعتصامات، والاضرابات، والتحركات الاحتجاجية، والمطلبية هدف الاستبعاد النهائي لكل رموز حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي حكم تونس في العقدين الماضيين، وعزل كل كوادر الدولة المنتمين إليه، وقد بقيت تلك التحركات شعبية كبيرة في الأسابيع الأولى للقوة، ونجحت في دفع كل الوزراء المنتمين إلى حزب بن علي إلى الاستقالة، وتبعهم محمد الغنوشي رئيس الوزراء، ثم تم حل التجمع الدستوري بقرار قضائي، إلا أن الزخم الذي دفع للاعتصامات المطلبية تراجع، بعد أن برزت مؤشرات اقتصادية، وسياسية، وأمنية سلبية عديدة، من بينها غلق كثير من المصانع والشركات، وركود القطاع السياحي، والخدمات المرتبطة به، بما يعني احتمال مضاعفة عدد العاطلين عن العمل.

في وقت تحتاج فيه أساساً إلى إصلاحات سياسية، اقتصادية، واجتماعية تؤدي إلى معالجة معضلات البطالة، والخلل في التوازن بين الجهات، أي الأسباب المباشرة التي أدت إلى استشهاد محمد البو عزيزي، ومئات من شباب تونس، في ثورة شجعت جماهير عربية في كل مكان على التفاؤل مجدداً بالتغيير والإصلاح.

وبخصوص شكل النظام السياسي التونسي هناك جدلاً قائماً اليوم بين دعاة النظام الرئاسي ودعاة النظام البرلماني، وهناك أيضاً النظام المختلط، وهذا الجدل محتدم، على الرغم من إقرار البعض عند وصفهم النظام السياسي التونسي بالقول: إننا إزاء نظام برلماني مشيراً إلى طبيعة العلاقة بين الحكومة المؤقتة، والهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، والإصلاح السياسي، والانتقال الديمقراطي وطبيعة مهام هذه الهيئة.
وبالتالي يكون النظام البرلماني المعدل أفضل لتونس، بعد التجربة المريرة طيلة نصف قرن من النظام الرئاسي، الذي أدى بها إلى التخلف، والديكتاتورية، والرئاسة مدى الحياة.

حصل التغيير، وتغير نظام الحكم، ولكن قسماته الرئيسة ما تزال غير واضحة، ولم يتم إكمال صياغة الدستور، ولا تحديد زمني للانتخابات التي ستنهي المرحلة الانتقالية، وتحدد شكل نظام الحكم القادم، هذا فضلاً عن حالات عدم الاستقرار التي تشهدها تونس بين الحين والأخر كلها مؤشرات على استمرار المرحلة الانتقالية، واستمرارها يعني استمراراً لحالة عدم الاستقرار السياسي.