الجمعة: 27/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

بلاطة والمخيمات ... انفجار قادم أم عقلنة السياسات

نشر بتاريخ: 27/03/2015 ( آخر تحديث: 27/03/2015 الساعة: 10:11 )

الكاتب: جهاد حرب

(1) مخيم بلاطة وتحدي الانفجار

يثير القلق المتفاقم في مخيم بلاطة جراء الاحداث المتكررة في الشهرين الاخيرين ألماً وحزناً عميقان لما آلت إليه الاوضاع في المخيم ومع المخيم، وحرصا على المورث النضالي الزاخر، واحتراما لنضالات الشهداء والجرحى والمعتقلين. فمخيم بلاطة مركز العمل الوطني لسنوات طوال قاد وناضل وضحى خيرةُ ابناءه في سبيل إنهاء الاحتلال، ونيل الحرية، وإقامة سلطته الوطنية على طريق الدولة.

القلق المتفاقم نابع من تطور الاحداث مع غياب رؤية وسياسة حصيفة للتعامل معها، جرت معها انطباعات وإلصاق صور ذهنية للمخيم خارجة عن الواقع. كما أن المشهد المتكرر لأطفال المخيم يلاحقون افراد الامن الفلسطيني بالحجارة على اطراف المخيم يتشابه في الصورة مع تلك التي شهدناها في سنوات الثمانينيات من القرن الماضي قبل اندلاع الانتفاضة الاولى. لكن الصورة اليوم قاتمة تُولد عنفا ينقلب على أحلامنا، ويقضي على نضالاتنا، ويشوه أعمالنا، ويحط من مكانة المخيم بمعناه الضيق المقتصر على مخيم بلاطة أو المخيم بمعناه الواسع، وذلك على عكس ما حملته صور ملاحقة جنود الاحتلال بين أزقة المخيم وأطرافه التي ولدت تمردا صقل عنفوان الشباب وساهم في عملية التحرر.

الاحداث الجارية ليست وليدة اليوم بل هي وليدة سنوات متعددة؛ من التهميش، والفقر، والبطالة، والاستخدام في اطار لعبة الاستقواء والنفوذ، واستزلام البعض منهم، وعدم تطبيق القانون إلا على الضعفاء، كانت تحتاج وهي تحتاج الى نظرة فاحصة، وعقل حصيف، وتكامل ادوات العمل، وأداء فعال يعالج جذور الازمة أكثر من قشورها بسياسات متعددة متوازية اجتماعية وثقافية واقتصادية وأمنية وعدم الاقتصار على إحداها دون الاخرى في كنف القانون وسيادته، وأحلامٍ بالمساواة دونهما يُفقد الشعور بالمواطنة لدى جموع كبيرة من المواطنين، ونحصل على اشخاص فاقدين للأحلام والآمال بل اكثر من ذلك كارهين غاضبين حاقدين على مجتمعهم؛ وهي جميعها مقدمة للانفجار.

بكل تأكيد أن تطبق القانون من قبل السلطة الوطنية ومحاكمة المخالفين للقانون أمرٌ مطلوب، في المقابل خوف الامهات على ابنائهم المعتقلين لدى الاجهزة الامنية أمرٌ مشروع ومبرر. وإذا كان تطبيق النظام أمراً لا مفر منه فإن توفير الامان شرطاً للرضى. لا يُحفظ هذا التوازن إلا بالعدل، والإنصاف، وشفافية الاجراءات، واحترام سيادة القانون من سلطات انفاذ القانون قبل غيرها.

(2) أوضاع المخيمات غياب الحكومة وسياساتها

تعيش المخيمات منذ نشأتها أوضاع اقتصادية صعبة لغياب سياسات حكومية واضحة اتجاه سكانها بل التعامل معها بمعادلة ادارة الأزمة أو اطفاء الحرائق دون الاخذ بعين الاعتبار لهذه التجمعات ذات الكثافة السكانية " الاكتظاظ السكاني الهائل" وانحصار الاطار الجغرافي لها، وفي وضع تتعمق فيه حالة الانكشاف لوكالة الغوث من خلال تقليص الخدمات المقدمة منها أو تطوير للبنية التحتية اللازمة لإقامة حياة كريمة. بالإضافة إلى حالة الاحتقان والتوجس والخوف من المستقبل التي تسود عموم الضفة الغربية وقطاع غزة بسبب انسداد الافق السياسي وتردي الوضع الاقتصادي.

تشير المعطيات الإحصائية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء إلى أن نسبة الفقر بين الأفراد اللاجئين في الأراضي الفلسطينية -وفقا لأنماط استهلاك الأسرة الشهري الحقيقي- بلغت 31% لعام 2011. كما تظهر الأرقام أن مخيمات اللاجئين في الأراضي الفلسطينية هي الأكثر فقرًا مقارنة مع سكان الريف والحضر، إذ يعاني 35.4% من الأفراد في المخيمات من الفقر، مقابل 19.4% في المناطق الريفية و26.1% في المناطق الحضرية.

يشير أطلس الفقر في فلسطين، الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء في حزيران 2013، إلى أن المخيمات تحوز على أعلى نسب الفقر على المستوى الوطني، فنسبة الفقر في مخيم بلاطة ( 55%) وهي الاعلى في المخيمات، وفي مخيم عسكر 49%، ومخيم عين بيت الماء 47%، وهي نسب إذا ما قورنت مع نظيراتها في القرى والمدن فإنها تمثل نسبا عاليا جدا ومثيرة للقلق من الحالة التي ترزح تحتها المخيمات كأماكن وخزانات بشرية لإنتاج الفقر والبؤس والمعاناة.

هذا الواقع بكل تأكيد سيترك تأثيرا كبيرا على النسيج الاجتماعي للمخيمات، وكذلك على أدوات فعلهم السياسي باعتبارها، أي المخيمات، تجمعات ذات كثافة سكانية يغزوها الفقر والبطالة التي وصلت إلى أكثر من 50% بين الشباب فيها ما قد ينتج عنفا مجتمعيا قد يتحول إلى عنف اجرامي أو تكفيري أو غيرهما مما يؤثر على النسيج المجتمعي ككل.

كما أن ارتفاع نسب الفقر في المخيمات يشير إلى أن المخيمات لا زالت خارج كل خطط التنمية، ولا زال النظر إليها كأماكن مؤقتة وهامشية تنتظر مساعدات إغاثية دون التفكير بأي جهد تنموي وتمكيني حقيقي، وقد ساهم الخلط بين تحسين واقع المخيمات والمساس بحق العودة في تعزيز هذا اللبس الذي أدى إلى استثناء المخيمات من عمليات التطوير الجارية. الأمر الذي يحتاج إلى عقلنة السياسات الحكومية في الخطط التنموية بتصميم استراتيجيات وخطط عمل وبناء مشاريع تنموية لإدماج المخيمات فيها دون الخوف من الحساسيات السياسية التي تحكم حتى اليوم التعاطي مع قضية اللاجئين والمخيمات.