الكاتب: زياد الذويب
ماذا تبقى لنفس الحرّ من طلب
والعمر ينفد في ليل من التعب
والحق يسلب والأرواح سائلة
والدمّ سحٌ كأمطار من السحب
في عتمة الليل عتمات وتتبعها
في عتمة الصبح ما يدعو إلى العجب
والليل يكتب في تيه قصائده
والصبح يبحث في تيه عن العرب
والقدس تبكي على بغداد من وجع
فيها يوجّع أهل الكوت مع حلب
والدمع يذرف من عين منابعها
كالنيل خصبا وكالفرات في السبب
ان الذي دام ما بيني وبينهما
ذاك الزمان وذاك الأصل في النسب
من ألف عام وروحي في مصائرها
تعانق العرب في حزن وفي طرب
بغداد القدس ما تنفك صامدة
والريح تعصف والأيام في صخب
والطور يحرس والزيتون يرفده
بالزيت حتى يضئ الشمع للعرب
والقدس تلمع من بعد سيبصرها
قلب المتيم عن بعد وعن قرب
فلو نظرت من الأردن ما بعدت
ولو نظرت بسهل الغاب والنقب
ستبصر التيه في أرض مباركة
مهما تعاني من الويلات و النّكب
والحال حالك يا بغداد من زمن
أيام قورش والتتار في الطلب
أبان جاءك هولاكو كأن له
وترا بأرضك في العمران والأدب
والجيش حوله مثل البهم جائعة
وتأكل الناس أكل التبن والعشب
واليوم جاء شبيه غير مختلف
من الجيوش ومن ظلم ومن إرب
كأنما الليل ولهان بغايته
مهما تجدد لا يخشى من التعب
وبينما الصبح يا بغداد غايته
وقت يمرّ كوقت اللهو واللعب
ماذا سأكتب عن دور مهدمة
ليل طواها من الإنسان في جدب
ومن سيكتب عن أنثى مرملة
ثكلى ومات لها خمس من النسب
ومن سيبحث والأشلاء ضائعة
بين الركام وبين الدمّ واللهب
والعرب والكرد في حال ممزقة
أما المذاهب في حال من العجب
حتى الطفولة قد ضاعت براءتها
من صولة الشر في الأيام والحقب
ودجلة الخير ما تشفى مواجعه
إلا وعادت له الأيام بالنكب
و الماء يذكر إن ينسى يذكره
حبر تسايل مثل الدمّ من كتب
واليوم سالت بأيدينا متاحفنا
بيعت ببخس كنوز المجد والنشب
والكل ضاع بأرض مات حارسها
فالماء ليس بأرضي غير منتهب
والنفط يسلب من أرض مواقدها
عادت لتوقد بالأعشاب و الحطب
و الدمع يذرف من أرض و ساكنها
و في المهاجر يبكي كل مغترب
فكيف أصمت و الأشعار كاتبة
عني بلفظ كحر النار من غضبي
و الشعر يفصح عن و جدان صاحبه
حتى يبدد ما في النفس من لهب
أين العروبة من قول ومن عمل
يجلو الحقيقة لا في الشك و الريب
فالصدق يفتح أبواب الهوى بدلا
من التخبط في الأقوال و الكذب
أين النهاية في عمر سنعبره
نحو النهاية عزم غير مضطرب
فالشرق يفتح أبوابا و نغلقها
بين التفرق والاتهام و العتب
و من تستر عن ضعف سيفضحه
عند القتال بعين الشمس و الشهب
ماذا تروم لغير الحال في وطني
حتى تسكن ما في القلب من لجب
حتى تقول وقد قالوا وقد سألوا
عند التفاخر في فخر أنا عربي
أخشى بأني كصاد كان منتظرا
شام البوارق في سحب من السُرب
و من سيلبس على جهل ملابسه
حتما سيفنى مع الجهال في الغيب
و عاشق الأرض دوما سوف يكتبها
بالنور والنار و التاريخ و الأدب
فالنار تودع في قلب قصائدها
و تكتب الشعر مع نثر من الخطب
و الحرّ يعلم أن الأرض تعشقه
فيعشق الأرض ريانا من الطرب
و يركب الريح نحو الأرض مرتحلا
و سرعة الريح مثل الجبن في الهرب
فالحرّ في الأرض كالزيتون يحرسها
و الكف في الريح مثل الجذر في الترب
و يعلم الأمر و الأيام تجربة
للذل يعبر أم للمجد في الرتب
و كيف يملك وجه الحق في فلك
فيه تقلّب وجه الحق للعرب
و كيف يفتح باب الشمس ملتمسا
دربا يعانق فيه غاية الأرب
و كيف يترك ظلم الليل آخره
في قبضة الصبح يرجو الصفح من غضب
كتبت عام 2007