الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

آليات تغريب مفاعيل الوعي العربي

نشر بتاريخ: 07/04/2015 ( آخر تحديث: 07/04/2015 الساعة: 15:50 )

الكاتب: المتوكل طه

إن وصف المشكلة بموضوعية ودقّّة جزء مهم من حلّها، وإن المشكلة التي نواجهها، على اختلاف مواقعنا ومهامّنا وأدوارنا والتحديات التي تواجهنا، يمكن تلخيصها بالآتي : 

أولاً : الاحتلال، ففي الوقت الذي يتّّجه فيه العالم إلى خلق واحترام قيم كونية تقوم على احترام الكرامة الإنسانية وصوْنها، فإن أمتنا العربية والإسلامية تتعرّض هي بالذات إلى الاحتلال بشكله الاستعماري القديم والبغيض. إن الاستعداء على أمتنا بالاحتلال العسكري المباشر يعني أن منطقتنا وشعوبنا تملك ما لا يملكه الآخرون، وتستطيع ما لا يستطيعه الآخرون، وأن الاحتلال المباشر هو الطريق الأسرع والأنجع لتعطيل قدرات هذه الأمّة . 

ثانياً : تذرير المنطقة على أسس طائفية ومذهبية وإثنيّة وجهوية ودينية، ذلك أن القانون الاستعماري القديم "فرّق تسد" ما زال فاعلاً، وما زال المستعمر القديم يستغلّه في منطقتنا من الرباط حتى كوالالمبور. إن فكرة تفتيت العالم العربي والإسلامي فكرة استعمارية قديمة، لا تزال برّاقة في ذهن المستعمر الذي لم يتخل عن عقليته الاستعلائية، يقوم بإسقاط كلّ الأقنعة بشرعنته للاحتلال المباشر.

ثالثاً : خدمة إسرائيل وجعلها الدولة الأقوى والأكثر أمناً، وذلك من خلال إنهاك كل شعوب المنطقة، وإفقارهم وتجريدهم من مفاعيل قوتهم . إن استثناء إسرائيل من المعاهدات الدولية، وجعلها فوق القانون الدولي والإنساني، جزء من عملية أكبر وهدف أعرض . إن تقوية إسرائيل وتغذيتها وتصليبها من معظم دول الغرب يقابله إضعاف أمّة العرب وسلبها مصادر قوتها . 

رابعاً : المحاولات المتكررة والدؤوبة لزعزعة المرجعية العليا والمقدّسة لهذه الأمّة، والجهد الحثيث لطمس الهوية وقطع العلائق مع كلّ ما أنتجته الثقافة العربية الإسلامية من مُثل ونماذج وسياقات فائقة الكمال، وقد اتّخذ هذا المنحى هجوماً مركّزاً على منابع الثقافة العريضة والعريقة، من خلال الإعلام والأدب والسينما ومراكز البحث والجامعات والمعاهد والاستشراق ومجالات العلوم الإنسانية المختلفة التي لا ضابطَ قيمياً لها أو محدداً فكرياً يحكمها . 

خامساً : عولمة اقتصادية فكرية سياسية ظالمة تسعى إلى هدم الكيانات المجتمعية، وتبهيت الفوارق بينها، وتحويلها إلى قطعان من المستهلكين بلا خصوصيات، وبلا كيانات سياسية صلبة ولا أنساق مجتمعية منيعة، إذ تستبدل بالحكومة الشركة، ويستبدل بالاقتصاد الوطني حسابٌ في البنك الدولي، وبالخبير الماهر يدٌ عاملة رخيصة، ولا يعود للإبداع الحقيقي دورٌ ما دام هناك من يصدّر النماذج والرموز للعالم كلّه. 

العولمة بمفهومها الذي نفهمه نحن هنا في هذه المنطقة، والذي نلمسه، أيضاً، هو تحويل العالم إلى عبيدٍ وأسيادٍ، شركاتٍ عملاقةٍ وجماهير فقيرة، استعمارٍ جديدٍ مرعب، لأنه لا يستعمل القوة العسكرية فقط، وإنما يحاول أن يعيد وعي الجمهور ذاته ليقبل الاحتلال باعتباره المنقذ . 

سادساً : نظام عربي أعلن إفلاسه تماماً، أخفق في الحرب وأخفق في السلم، وأخفق في التنمية، وفشل في تعبئة الجماهير، ذلك أن هذا النظام الفسيفسائي اعتمد مصالح متضاربة وأهواء مختلفة، أخفق وحدوياً وأخفق قطرياً، فعاد ذلك كلّه على شكل جماهيرَ معطلةٍ مقموعةٍ رأت في الغياب أو "الإرهاب" حلاّ لها . 

سابعاً : نخبة ثقافية تغريبية استوردت الرؤية والنظرية إلى واقع لا يشبهها ولا يطيقها، فعدّلوا الواقع وغيّروا البيئةَ ليلائمَ المستورد، فكان أن صارت غربةٌ حقيقيةٌ للواقع من جهة، وللرؤيةِ المستوردةِ من جهة أخرى. ويبدو أن ذلك أساسُ مشكلةِ ما يسمّى "العالم الثالث"، إنها عجزت عن خلق تجربتها الذاتية، إما لغياب الإرادة أو لارتهانها. هذا الوصف لا يتم إلا بالإشارة إلى استراتيجية الإدارة الأمريكية التي وضعت أولوياتها للعقود القادمة على النحو الآتي : 

1. ترى أمريكا أن من حقّها استخدامَ القوّةِ المباشرةِ ضدّ أيّة مجموعة، وفي كلّ مكان ومتى شاءت (حفاظاً على الأمن القومي).
2. أن على العالم أن يقبل ويرضى بتدخلها في حلّ أية مشكلة في أية بقعة من بقاع الدنيا، وأن يتمّ الأخذ بوجهة نظرها .
3. ترى الولايات المتحدة أن عليها أن تسبق العالم، المتقدّم تكنولوجياً واقتصادياً وعسكرياً بخمس عشرة سنة على الأقل .
4. تعتقد الولايات المتحدة وترى أن يتهيأ العالم ويستعدّ لتقبّل الأفكار والمبادئ الأمريكية وأسلوب حياتها وثقافتها، وأن تنتهي مشاعر الكراهية والرفض لها .
5. ترى الولايات المتحدة أن من أهدافها الكبرى إبقاءَ إسرائيلَ دولةً قويةً وآمنةً ومتقدمةً على كل المحيط الذي توجدُ فيه .
6. ترى الولايات المتحدة أن من واجبها، وواجب "العالم الحرّ"، قطعَ وتجفيفَ مصادرِ "الإرهابِ" المتمثّلِ في الأصولية والعنف!

إن هذه الرؤية الأمريكية التي هي ثمرةُ اليمينيةِ وتياراتِ (اليهوسيحية) تجدُ مجالَها الأرحبَ وتجد تبريراً لها في منطقتا بالذات، ذلك أن إسرائيل وما يسمى "الإرهاب" وبؤرة الاشتباك الدائم كلّها في منطقتنا، وبالتالي فإنّها الهدفُ والملعبُ، أيضاً . 

الولايات المتحدة، وحتى تمررَ أهدافَها السابقةَ، تعملُ على إبقاءِ وضعِ التشظيةِ والتشرذمِ والفقرِ والفرقةِ من خلال : 

أ. تفريغُ الأجيالِ العربية الإسلامية، وجعلُها سهلةَ الانقيادِ، أشبهَ بالقطعان، وذلك بتوظيف الأذرعِ التقنيةِ وثورةِ الاتصالاتِ وغسلِ الأدمغة، بتحويل نظرياتِ علمِ الاجتماعِ والسياسةِ إلى ما يشبهُ التبريرَ الاستعماريَّ والتفوّقَ العنصريّ، وكذلك بعمليات الانتقاءِ والنفيِ لسردِ التاريخِ وروايةِ الحضارة. 

ب. تحويلُ الولاءاتِ، وتغييرُ الأولوياتِ من خلال شراء العقول والمنظمات غير الحكومية الممولة جيّداً، وكذلك عملياتُ التبادلِ الثقافيِّ والعلاقاتُ والاتفاقاتُ السياسيةُ والاقتصاديةُ . 

ج. المطالبةُ بتغيير برامج التعليم المدرسيِّ والجامعيِّ، وعملياتُ التشويه في ماهية التعليم وكيفيةِ نتائجة، بحيث تنعدم إمكانات الإبداع في الوطن . 

- هذه الهجمةُ يتعرض لها العالم العربي والإسلامي بأكمله. أما في فلسطين، فإن الهجمة أشرس وأكبرُ، وعملياتُ التفريغ والعدميةُ ذاتُ أشكالٍ عدّة ومختلفة، ظاهرةٍ وخفيّةٍ، وتدخل علينا بألف لبوسٍ ولبوس؛ ذلك أن فلسطين تُعدُّ "منجم الإرهاب وأسَّ العنف"، كما أنها الأنموذجُ العالي الذي يجبُ كسرهُ، باعتبارها الأنموذجَ الذي قدّم للعالم شكل الانتفاضةِ ونوعيةَ المقاومة، والأهم من ذلك كلّه، إن فلسطين تشكّل نقطةَ الخلافِ العميقِ بين عالمين وبين رؤيتين، ولهذه الأسباب كانت الهجمةُ على فلسطينَ وشعبِها أكبرَ وأعرضَ وأعمق . 

وقد تمثّلت الهجمةُ الغربيةُ التي تقودُها إسرائيل والولايات المتحدة علينا كما يلي : 

أولاً : استهدافُ مفاعيلِ الوعيِ ومكوناتِ الشخصيةِ وتأصيلِ المدارك، وذلك من خلال وضع ظاهرة المقاومة وحصارِها بالاتفاقات السياسية وإحداث تغييرٍ عميقٍ في الوعي الفلسطيني تمثّّل في تحويل الآخرِ النقيض إلى آخرَ يمكنُ التعايشُ معه، وتمثّل، أيضاً، في إنزالِ السقوفِ العاليةِ إلى مجرّدِ المطالبة بتطبيق حلول ترقيعية مجزوءة ومرفوضة. 

ثانياً : المطالبةُ بوقف ما يسمّى "التحريض" على إسرائيل، وذلك من خلالِ نصوصِ الاتفاقاتِ السياسيةِ إياها. إن وقف ما يسمى "التحريض" على إسرائيل يعني تغييراً عميقاً في الوعي والمصطلح واللغة، وعملياً، فإن هذا يعني تغييراً في المنهاج المدرسيِّ ولغةِ الإعلامِ ولغة السياسة، فلا يمكن ذكرُ الجهاد والقدس والاحتلال، شعراً أو مثلاً أو قصة أو قرآناً، بمعنى تفريغ المنهاج من محتواه الوطنيِّ والدينيِّ والحضاري، ولا ننسى في هذا الصدد اشتراطات البنك الدوليِّ الذي يموّلُ طباعة الكتبِ الخاصةِ بمحتوى المنهاج، وضرورة ابتعاده عن ما يسمّى "التحريض"، وهذا ينطبقُ على الفلسطينيين ولا ينطبقُ على الإسرائيليين .

ثالثاً : عملت إسرائيل على هدم العديد من المدارس والجامعات وإغلاقِها، وألغت الحياةَ الفكريةَ والفنيّةَ في فلسطينَ إلى حدٍّ كبير، وأوقفت الحياةَ التعليميةَ إلى حدٍّ بعيدٍ وعطّلتها، ما أنتج جيلاً عصابياً يرى العنفَ أساساً للتعامل مع الحياة، وبهذا الصدد يمكنُ الإشارةُ إلى أنَّ أطفالَ فلسطين الذينَ يرونَ الإذلالَ والقتلَ والهدمَ والاعتقالَ كلَّ لحظةٍ من لحظات طفولتِهم إنما يعيدون الإرهابَ الإسرائيليَّ إلى نحوره. 

رابعاً : الجامعاتُ الفلسطينيةُ هي جامعاتٌ خاصّةٌ فقيرة فإن خضعت لاشتراطاتِ المموّلين، فهذا يعني خلقَ جوّ أكاديمي تغريبي ، إذ لن يُنقل الشارع العربي إلى قاعةِ المحاضرات، بل يُنقلُ الشارعُ الغربيُّ إليها، يضاف إلى ذلك غيابُ مراكز البحثِ ، وعدم وجودِ برامجَ لتطويرِ قدراتِ المدرسين ، وبما إنَّ التعليمَ غيرُ مجانيٍّ فإنَّ فرصةَ الدراسةِ لا تُتاح للجميع. 

الجامعةُ هنا تقومُ بعملية تغريبية أخرى، وقد يكون من المستغرب أن تجد معظم طلبة الجامعات لا يعرفون العربية قدر استيعابهم وافتتانهم باللغات الأخرى.
خامساً : واجهةٌ تغريبيةٌ أخرى هي واجهةُ الصحافة، فهي، أيضاً، صحافةٌ خاصةٌ إذا قبض بعضها من البنك الدوليِّ والمانحينَ ضمنَ اشتراطاتٍ، فإنها ستكرسُ مصطلحاتٍ جديدةٍ لا تزعجُ إسرائيلَ والولاياتِ المتحدة. 

سادساً : أما دُورُ العبادة فإنها ستخضعُ، بالضرورة، لرقابةٍ غيرِ مباشرةٍ حتى لا تكونَ مصدراً للتحريضِ والأصولية، وبالتالي تزويدُ الخطباءِ بأوراقٍ صفراءَ من العهد العثمانيِّ تتعلّق بتحريم الأكلِ بملاعقَ من ذهب. 

سابعاً : أغرقَ الممولونَ الضفةَ والقطاعَ بمنظماتٍ غيرِ حكوميةٍ بلغَ عددُها المئات تعملُ في حقوقِ الإنسانِ والمرأةِ والطفلِ والديمقراطيةِ والبحثِ والتنمية، لكنّ معظمها في الحقيقةِ تؤدّي ثلاثة أدوار لا غير : أولها : أنها تحصلُ على أربعينَ بالمئة من المبالغِ المخصصةِ للشعبِ الفلسطيني. ثانيها : أنَّ هذهِ المنظمات تنفقُ تلكَ المبالغَ على نشاطاتٍ مشتركةً مع منظماتٍ إسرائيلية تعملُ في المجال ذاته،حسب اشتراط المموّل ، ما يخلق جسوراً للتطبيع المجاني .
ثالثها : تقوم هذه المنظماتُ بجمعِ المعلوماتِ، وتزوّدُ المموّلَ بها، كما أنها تقوم بقلب أولوياتِ المجتمعِ الفلسطينيِّ، فبدلاً من المطالبةِ بحقِّ تقرير المصير للشعب الفلسطيني، مثلاً، تطالب بحقِّ المرأةِ، وهو طلبٌ شرعيُّ، لكنه كلامُ حقٍّ يرادُ به باطل .
ثامناً : المؤسسةُ الرسميةُ الفلسطينيةُ تعاني من شحِّ الإمكانات، يضاف إلى ذلك غيابُ استراتيجياتِ العملِ الثقافيِّ، تُخططُ للمضمونِ والعلاقةِ مع الذات ومع المحيطِ، وكذلك إيجاد الردود تجاه الإسرائيلي أكان مؤرّخاً جديداً أم حركةَ سلام أم يساراً أم حتى يمينياً متطرّفاً.
تاسعاً : تهديمُ الرموزِ واحتلالُ الهوامش، ونعني بذلك النجاحَ النسبيَّ الذي حقّقهُ الآخرُ على إطلاقه في تحويلِ أحلامِنا إلى جنون، وآمالِنا الكبيرةِ إلى عدمِ واقعية، فالمقاومُ صار إرهابياً، والوحدويُّ صارَ غيرَ واقعي، والعروبةُ صارت أضحوكةً والإسلامُ صارَ موضعَ شبهةٍ. إن تهديمَ رموزِ الأمةِ هي من الإهاناتِ التي يجبُ أن لا تُنسى، وأن لا تغتفر .
عاشراً : يمكن الإشارةُ إلى النجاح النسبيّ الذي حققه الآخرُ النقيضُ على إطلاقهِ في صناعةِ الحدثِ وصناعةِ صداه، أيضاً، وذلك عن طريقِ تقديمِ الحلول وتقديم بدائلها، حتى يمنع المستعمرُ الشعوبَ من اجتراح بدائِلها وزعمائِها بنفسها. إن الآخر على إطلاقه يعمل على تشويه خيارات الجماهير من خلال وصفِها بالإرهاب والتطرّف والأصولية، ليتمكّنَ من تقديم بدائله التي تخدم مصالحه .
حادي عشر : المطالبةُ الدائمةُ بأن يتمَّ تناولُ الدّينِ بطريقةٍ مغلوطةٍ ومجزوءةٍ، وأن تستغلَّ النصوصُ المقدسةُ في غير مكانها وفي غير سياقاتها .
ثاني عشر : توظيفُ الأشكالِ الإبداعيةِ المؤثرةِ لخدمة أهداف الآخر، وذلك من خلال التركيز على قضايا معينةٍ في السينما والدراما والأغاني .
ثالث عشر : إغراق السوق بنماذجَ وذائقةٍ استهلاكية هابطة، من خلالِ الأفلامِ والدعايةِ والجنسِ كبديلٍ عن الثقافةِ الحقيقيةِ ذاتِ المفاهيمِ التي لها علاقةٌ بجوهرنا .
رابع عشر : ضربُ الاقتصادِ والبنيةِ التحتيةِ الفلسطينية لإلحاقِه بالاقتصادِ الإسرائيليِّ، لتعميق التبعية، وجعلِ المجتمع الفلسطيني عاملاً وليس زارعاً أو صانعاً، للوصولِ إلى المقولةِ الإسرائيلية: "ثراءٌ فرديٌ فلسطينيٌ وفقرٌ قوميٌ" .
بعد ذلكَ كلِّه، ما المطلوبُ إذاً ؟ ماذا علينا جميعاً أن نفعل ؟ وكيف نواجه هذه الهجمةَ الشرسةَ المحكمة والمتقنة والتي تشارك فيها كل الأذرعِ التقنيةِ والفنيّةِ والسياسيةِ والفكريةِ والاقتصاديةِ، وكأنّ هناك "مايسترو" واحدٌ يوجّه هذه العمليةَ الأضخَم من نوعِها في تاريخِ الاستعمارِ كلَّه .
وقبلَ كلِّ شيء، فإنّ كلامي هذا أُوجهُه للمثقفينَ، باعتبارهمُ القلعةَ الأخيرةَ التي يجبُ أن لا تستسلم وأن لا تركعَ أو تخضع .
هذا نداءٌ وتحذيرٌ لكلّ المثقفينَ العربِ والمسلمين بأنّ عليهم خلقَ جبهةٍ ثقافيةٍ عريضةٍ غيرِ رسميةٍ للوقوف أمام غولِ العولمةِ والاستعمار والتطبيع، والتمسّك بالمبادئ الكبرى، هذه اللحظةُ بالذاتِ هي لحظةُ التمسّكِ بالمبادئ الكبرى، هذه لحظةُ الامتحانِ الصعب، ليس هناكَ من داعٍ للمثقفِ الملتزمِ أن يساومَ أو يتوصّلَ إلى تسوية، سيظلّ الآخرُ النقيضُ نقيضاً، وليس آخراً فقط، أو أخاً عدوّاً .
هذا نداءٌ وتحذيرٌ للمثقف الفلسطيني والعربي، أن يخلق لنفسه دوراً مختلفاً عن دور السياسي، وأن لا يتبعَه وأن لا يطيعَه، وأن لا يتمثّلَ لغتَه أو تسوياتِه . للمثقفِ الفلسطينيِّ والعربيِّ أن يعملَ داخلَ مجتمعه لكبحِ الهرولة والتفريط واليأس والفراغ والعدمية، وللمثقف الفلسطيني والعربي أن يؤكّدَ ثوابت الأمة التي بها نَجَتْ وانتصرت، وأن يتمسّك بالحلمِ الكبير الأبديّ.
للمثقف الفلسطيني والعربي أن ينبّه إلى مخاطر تغيير المناهج، وإلى إعادةِ النظرِ في نتائج الأبحاث، وأن يطلبَ من الجامعاتِ أن تعيدَ النظرَ في مناهِجها وأساليبِ تدريسها.
وللمثقف العربي والفلسطيني أن يعرّيَ ما تقومُ به بعضُ الجهاتِ والمنظمّاتِ من تسويقِ مفاهيمَ لامعةٍ وبرّاقةٍ تخفي تحتها الدمارَ والهلاك .
وللمثقفِ الفلسطيني والعربي أن لا يتماهى مع شعاراتِ القطريةِ والجهويةِ والحدودية بين الشعبِ الواحد، وأن لا يعلي من شأن الكنعانيةِ أو الفينيقيةِ أو الفرعونيةِ أو البربريةِ أو غير ذلك من دعواتٍ ميتةٍ ومنتحرة .
وللمثقف العربي الفلسطيني أن يبحثَ عن مصادر قوّتِه الحقيقيّة، وعن تلك المفاعيلِ الثقافية الموحّدةِ والمجمّعةِ، وأن ينحازَ إلى خيارِ الجمهور، لا أن يزيّفَه أو يبهّتَه أو يشوهَه .
وللمثقفِ العربيِّ والفلسطينيِّ أن يتصدّى للحملةِ الظالمةِ على العربِ والمسلمين، وأن يعملَ بلا توقّفٍ في إيضاح المعاني والمفاهيم التي توضّح الفروقَ بين الاحتلالِ والإرهاب. فلا نخجلُ من ثقافتِنا ولا نعتذرُ عنها. للآخرين أن يعتذروا عن مذابِحِهم ومجازِرِهم واصطفافهم مع القاتل والشيطان .