الخميس: 26/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

اﻻمة العربية تحتاج إلى سقراط

نشر بتاريخ: 07/04/2015 ( آخر تحديث: 07/04/2015 الساعة: 15:58 )

الكاتب: د. بسام عويضة

اثناء تواجدي مؤخرا في ألمانيا سافرت لمدة ساعة ونصف الساعة تقريبا برفقة اصدقاء إلى بولندا ، وبالتحديد إلى مدينة "شتاتين" التي تقع على الحدود البولندية - اﻷلمانية.

من المعروف أن "شتاتين" مدينة بولندية حاليا خسرتها ألمانيا اثناء الحرب العالمية الثانية وقد قيل لي ان عمق الأرض اﻷلمانية سابقا حوالي 300 كيلو مترا والتي تحولت إلى السيادة البولندية بعد الحرب.

نهر صغير يفصل بين البلدين الجارين ألمانيا وبولندا.
قلت في نفسي: لماذا تتفوق ألمانيا بقوتها اﻻقتصادية والتقنية وهي العملاق اﻻقتصادي في أوروبا بينما تعتبر بولندا من افقر الدول اﻷوروبية علما انها اراضي واحدة وديانة واحدة وثقافة واحدة؟
لماذا ، ما هو السبب الحقيقي يا ترى؟

حسب اعتقادي، ان فلاسفة ألمانيا الذين هم بالعشرات لعبوا دورا مركزيا في نقل هذا البلد إلى مصاف الدول العملاقة ؟
هذه المقدمة اردت منها توضيح الآتي: ان الامم ﻻ تتطور بدون فلسفة وفكر ، الفكر للدولة كسكة الحديد للقطار.
لكن السؤال اﻻهم، لماذا اخترت سقراط بالتحديد؟

قرأت عن هذا الفيلسوف اﻻغريقي الكثير من الكتب إلى أن وقع أخيراً تحت يدي كتابا اشتريته مؤخرا من العاصمة الأردنية عمان .
الكتاب بعنوان "سقراط: أول ضحية لحرية الرأي في التاريخ" ، وهو من تأليف مجدي كامل وصادر عن دار الكتاب العربي المصرية للنشر والتوزيع عام 2011

الكتاب يتحدث عن اللحظات اﻷخيرة التي عاشها هذا العبقري الذي ولد في أثينا عام 469 ق. م . وهو على فكرة أستاذ افلاطون صاحب كتابي " الجمهورية " و" القانون".

وجهت لسقراط عام 399 ق. م. عندما بلغ السبعين من عمره تهم عدة منها شتم اﻻلهه وتضليل شبان اثينا ، وكان من حكم العادة أنذاك ان يختار المتهم الحكم ، فطلب منه اختيار العقوبة، فرد بقوله : " أتمنى ان تعتني بي البريتانية "، حينها أخذ الحضور بالصراخ لانهم رأوا في كلامه تهكما على هيئة المحكمة ، لان البريتانية هي مؤسسة أثينية تهتم بكبار العظماء في ذلك الزمان ، عندئذ حكم عليه باﻻعدام عن طريق شرب جرعة من السم حتى الموت.

قبل تنفيذ الحكم بعدة أيام عرض عليه الحراس ان يفلتوه من العقاب عن طريق تهريبه من السجن لكنه رفض احتراما للقانون والتزاما بالمبادئ التي نادى بها طويلا ودعا اليها تلاميذه.

هذا اﻻمر ينقلنا إلى النتيجة التالية ، وهي نتيجة نسبية وليست مطلقة ،ﻻن كل المطلقات أصوليات ، والأصوليات هي افكار فاشستية ﻻ تحمل سوى الرأي الواحد وهذا يتنافى ومبدأ المواطنة والدولة وحرية الفرد والدستور.

النتيجة هي : ما حدث عام 2011 في بعض الدول العربية والذي اطلق عليه "الربيع العربي" لم يقود ولن يقود إلى ربيع وهذا ﻻ يحتاج إلى اثبات وشرح ﻻن النتائج التي نراها اﻵن ماثلة بين اعيننا في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر باستثناء تونس وهذا اﻻستثناء طبيعي ﻻن الفضل يعود للحبيب بورقيبة الذي ارسى قواعد المدنية في هذا البلد كما هو الحال فيما يتعلق بجهود اتاتورك في تركيا.

التزام سقراط بالقانون قبل 2400 عاما من الآن يعني انه الرجل الأول الذي أراد ارساء قواعد وأسس دولة القانون والمواطنة ، وهذه أولى شروط الديمقراطية .

يعتقد بعض الناس ان الديمقراطية صندوق انتخاب أو التصويت لصالح شخص تقربا لمصلحة أو لدخول الجنة أو تأييدا ﻹيدولوجية دون قراءة البرنامج السياسي للمرشح أو للحزب.

لهذا السبب فشلت صناديق اﻻقتراع وﻻ نقل الديمقراطية كنظام في بعض البلدان العربية ، التي تزيد نسبة الامية فيها عن 40 % وﻻ يوجد مدارس أو جامعات بالمعنى الحقيقي.

وعلى نفس الصعيد، اعتقد بعض القائمين على بعض الفضائيات العربية أن الحلول تكمن في الإعلام ولهذا ارادوا تغيير بعض اﻻنظمة العربية من خلال فضائياتهم بناء على اجندات خارجية ولكن النتيجة حدثت كوارث بالمعنى الحقيقي كما هو الحال في ليبيا التي تحتاج إلى مدارس وتعليم وليس إلى ديمقراطية.

كانت امنيتي ان ارى اﻹعلام العربي وهو يساعد اﻹنسان العربي على كيفية التخطيط لتأسيس وبناء دولة قانون ودستور لكافة مواطنيها ، بمعنى ان يقدم معلومات علمية وليست إيدولوجية للمواطن العربي ، هذه المعلومات تتعلق بالتاريخ والجغرافيا والسياسة واﻻقتصاد والرياضة والصحة والبيئة والتكنولوجيا والسينما والطب والفن وغير ذلك.

باعتقادي المتواضع لو قامت كل دولة عربية مثلا بارسال 100 طالبا إلى الجامعات الغربية مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا للدراسة في كافة المجاﻻت مثل الطب وتطوير اﻵﻵت والهندسة والفلسفة واﻹعلام والسينما والزراعة ﻻصبح لدينا في غصون عشر سنوات مئات الخبراء في كافة المجاﻻت.

الحياة بدون فكر وفلسفة كالقطار بدون سكة ،وكالطائرة بدون قبطان ، الحياة تحتاج إلى تخطيط وتفكير ورسم إستراتيجيات قصيرة وطويلة المدى ،الحياة تحتاج إلى تنظيم الطاقات واحترام الوقت واﻻلتزام بالقانون عندئذن تتحول حياة كل المواطنيين في الدولة إلى جنة.

المفكرون والمثقفون والكتاب والروائيون العرب من واجبهم ان يحشدوا ويحرضوا على تحرير الإنسان العربي بالتزامن مع تحرير الوطن العربي.

المفكرون هم المسؤولون عن تحريض الإنسان العربي على النشوء والتقدم والتجديد والحداثة والتعليم والتمرد والتغيير والابداع والتحول والبحث في الذات والارادة والتصميم والعزيمة ، هم المسؤولون عن نشر ثقافة التغيير والتمرد في ذهنية ونفسية الإنسان العربي لكي لا يبقى رقماً في جماعة القبيلة والمجتمع الابوي.

*رئيس دائرة الإعلام في جامعة بيرزيت