الجمعة: 27/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

المُتحكِّم في علاقة إيران بالقضية الفلسطينية، المصالح أم الثوابت؟

نشر بتاريخ: 08/04/2015 ( آخر تحديث: 08/04/2015 الساعة: 10:42 )

الكاتب: محمد عودة الأغا

العلاقة بين إيران وتعقيدات القضية الفلسطينية تخضع لعاملين رئيسيين يمثلان جوهر السياسات الإيرانية تجاه القضية الفلسطينية، هما ثوابت الثورة، ومصالح الدولة -أو ما يمكن تسميته الأمن القومي-، وهذا ما مثَّل معضلة للتعامل مع القضية الفلسطينية، فإيران تجد صعوبة في الجمع بين الثوابت الثورية ومصالح الدولة؛ لأن النظام الإيراني يسعى لإيجاد صيغة تبقيه لاعباً أساسياً في القضية الفلسطينية دون الإضرار بمصالحه القومية، بهدف الاستمرار في إشغال إسرائيل وتهديد المصالح الغربية لفرض مكانة إيران الإقليمية.

تنظر ثوابتها الثورة لقضية فلسطين بأنها أهم قضية للمسلمين، وترى في دعم القضية الفلسطينية مصدراً مهماًً من مصادر مشروعية الثورة الإسلامية وشرعية نظام الحكم الذي قام أساساً على ثورة جاءت لنصرة المظلوم، ورفض الاضطهاد والتدخل الأجنبي في البلاد لنهب ثرواتنا، بما يقتضي ضرورة تقديم الدعم المالي والعسكري والسياسي لمن يمثل مشروع المقاومة كطريق لتحرير أرض فلسطين التاريخية، ورفض مشروع التسوية السياسية والمفاوضات مع إسرائيل.

أما عند النظر لمصالح الدولة، فإن إيران اضطرت للنزول بسقف توجهاتها وتعاملها مع القضية الفلسطينية، على قاعدة أن التعامل في علم السياسة يأتي ضمن دائرة الممكن، وليس ضمن دائرة التنظير الفكري والثوري، وأن لكل دولة مصالحها القومية التي تتحكم فيها عوامل كثيرة.
تكمن مصالح إيران وأمنها القومي في الحفاظ على نفوذها في المنطقة، وفرض إرادتها كطرف رئيسي في معادلة توازن القوى، وإيجاد مكان مركزي ضمن النظام الإقليمي، ومن أهم ما يحقق ذلك هو الاستمرار في تطوير برنامجها النووي، والثبات على سياساتها تجاه إسرائيل المتمثلة في الاستمرار بدعم حركات المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين.

ولكن بعد الاتفاق الذي تم في مدينة لوزان السويسرية بين إيران والقوى العالمية في الثاني من أبريل 2015 بشأن برنامج إيران النووي، هل ستبقى القضية الفلسطينية تحمل نفس الثقل في ميزان السياسة الخارجية الإيرانية؟
بناءاً على ما سبق من المعطيات التي تحدد التوجه الإيراني تجاه القضية الفلسطينية، يمكننا القول أن القضية ستبقى ضمن أجندة صانعي القرار في السياسة الخارجية الإيرانية، لكنها قد تفقد بعضاً من ثقلها؛ نظراً لطبيعة التوجهات الإيرانية الجديدة والانشغال في الصراع الإقليمي، وطبيعة الاتفاق الذي قد يفرض بصورة ضمنية عدم التدخل في شؤون القوى الكبرى في المنطقة ضمن مشروع إعادة ضبط التوازن في الإقليم.

وعليه من المتوقع أن تستنسخ إيران جزءاً من سلوك قطر تجاه القضية الفلسطينية، هذا السلوك الذي يدعم الحلول السلمية ومشاريع التسوية وفق القوانين والقرارات الدولية بما يحفظ حقوق الفلسطينيين في حل عادل، وهذا لا يعني التأثير على التعامل مع التوجهات المقاوِمَة في فلسطين، نظراً لأن تجربة قطر أثبتت أن دعم الشعب الفلسطيني من خلال توفير مصادر الصمود، سينعكس على المقاومة صموداً في الميدان.

ومما يعزز تمسك إيران في المرحلة القادمة بدعم القضية الفلسطينية، أن الحنكة والذكاء السياسي يتطلبان عدم التخلي عن أدوات وأوراق الضغط على المجتمع الدولي بما يحفظ الاستمرار في التمسك بالاتفاق الإيراني الغربي، والأهم من ذلك أن النظام الإيراني لن يتنازل عن هويته القائمة على الأيديولوجيا الثورية، التي تضفي شرعية وبصمة خاصة لإيران كوطن مستقل يسعى للعدالة.
وختاماً، يمكننا القول أن إيران توازن بصورة ذكية ما بين ثواب الثورة ومصالح الدولة في التوجهات الداعمة لفلسطين وقضيتها، وهذا ما منحها مكانة مهمة على الساحة الإقليمية، هذه المكانة التي فقدتها بعض القوى المركزية نتيجة لسياساتهم الرتيبة تجاه القضية.