نشر بتاريخ: 10/04/2015 ( آخر تحديث: 10/04/2015 الساعة: 14:29 )
الكاتب: عبد الناصر فروانة
أقر المجلس الوطني الفلسطيني، باعتباره السلطة العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1974، خلال دورته العادية يوم السابع عشر من نيسان/ابريل ، يوماً وطنياً للوفاء للأسرى وتضحياتهم ، باعتباره يوماً لشحذ الهمم وتوحيد الجهود، لنصرتهم ومساندتهم ودعم حقهم بالحرية، يوماً لتكريمهم و للوقوف بجانبهم وبجانب ذويهم، يوماُ للوفاء لشهداء الحركة الوطنية الأسيرة.
ومنذ ذلك التاريخ كان ولا يزال "يوم الأسير الفلسطيني" يوماً ساطعاً يحيه الشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات سنوياً بوسائل وأشكال متعددة.
وللتوضيح، فان اختيار هذا اليوم واقراره من قبل المجلس الوطني ليس له علاقة بأي حدث تاريخي ومميز ذو صلة بالحركة الوطنية الأسيرة ، سواء كان ذكرى أول عملية تبادل للأسرى والتي جرت في 23 تموز 1968، أو إطلاق سراح أول أسير فلسطيني الذي كان في 28 يناير 1971 كما هو منشور على موقع الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" وكما هو سائد لدى اعتقاد الكثيرين ، أو اعتقال أول أسيرة فلسطينية في أكتوبر 1967 .
كما ليس له علاقة باستشهاد أول شهداء الاضراب عن الطعام عبد القادر أبو الفحم في يوليو/ تموز 1970 في سجن عسقلان ، أو أول شهداء القدس قاسم أبو عكر في سجن المسكوبية بتاريخ 23 مارس 1969 .
وإنما جاء تقديراً ووفاءً للأسرى وقضاياهم العادلة ومكانتهم لدى شعبهم وقيادته ، وبهذه المناسبة أبعث بأسمى آيات الحب و التقدير، والفخر والاعتزاز لكل أسرانا وأسيراتنا وفي المقدمة منهم الأسرى القدامى ورموز المقاومة والنواب والقيادات السياسية والأسيرات وللأسرى المضربين عن الطعام ، وللأسرى المحررين والاسيرات المحررات كافة .
وحينما نتحدث عن الأسرى، فان حديثنا لا يقتصر على ستة آلاف وخمسمائة أسير يقبعون في سجون الاحتلال، منهم الأطفال والشيوخ، أمهات وقاصرات، نواب وقادة سياسيين، مرضى وجرحى، وإنما نقصد قضية وانتماء، ونتحدث عن تاريخ عريق ورافد أساسي للثورة، نتحدث عن تجارب من الصمود والتضحيات وفصول من المعاناة والانتهاكات والجرائم مورست واقترفت بحقهم من قبل السجان الإسرائيلي.
نتحدث عن أصوات لخفقات قلوب أدماها الحرمان والقهر، ودموع ذُرفت لتغرق الأرض وتروي عشباً أخضراً نبت وترعرع بين شقوق الصخور وجدران السجن.
نتحدث عن أجسام شبان وشيوخ حُفرت عليها سياط الجلاد وعذابات السجان ، وأمهات ولدت ، و أطفال كبرت ، وشيوخ توفيت خلف القضبان ، وشبان شابوا وهرموا خلف القضبان ..
نتحدث عن جيش مفعم بالشوق والحنين للأهل والوطن وأزقة المخيم وشوارع المدينة ، وإصرار على الحياة ، وأمل باقِ لم ولن يغيب.
نتحدث عن حركة نضالية متجذرة ومتطورة دوماً، انضوى تحت لوائها وانضم لصفوفها منذ احتلال إسرائيل لفلسطين مئات الآلاف من الفلسطينيين، وهؤلاء هم جزءٌ لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، وهم من حملوا لواء النضال جنباً إلى جنب مع بقية المناضلين ولم يعرفوا إلا الثورة وطنـاً وهويةً في السراء والضراء و انخرطوا في صفوف النضال في أصعب مراحله وأحلك لحظاته وقدموا الغالي والنفيس دفاعاً عن كرامة وشرف شعبهم وحقوقه العادلة، وتركوا عائلاتهم فكان لهم في سجل التاريخ والبطولة صفحات مضيئة، والمستقبل الفلسطيني سيبقى مشوها ما لم ينل من تبقى منهم خلف القضبان حريتهم .
تطُل علينا ذكرى "يوم الأسير الفلسطيني" هذا العام، بصور متعددة الأشكال، ممزوجة المشاعر، ما بين الألم والأمل، ما بين صمود أسرانا وثباتهم وشموخهم، وقهر الاحتلال وفظاعة جرائمه وتصاعد انتهاكاته وممارساته اللا إنسانية والتي تصاعدت في الآونة الأخيرة بشكل خطير، وامتدت لتطال ذويهم وأبنائهم ونسائهم ولتمس بشكل مباشر مشاعرهم الإنسانية والدينية.
تلك الانتهاكات التي يوصف بعضها أحياناً بالجرائم، لم تعد تُطاق، كما ولم يعد بالإمكان حصرها، لتتحول السجون بمختلف أسمائها وأماكن وجودها إلى بدائل لأعواد المشانق، حيث يجرى بداخلها أبشع عمليات القتل الـروحي والنفسي والتعذيب الجسدي، وبداخلها يتم إعدام الأسرى بشكل بطيء، مما يعني أن شبح الموت يهدد حياة الأسرى كافة.
الأسرى الفلسطينيون ، هم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، الذي لم ولن يقبل بالظلم والاضطهاد ولا بسلب حقوقه الوطنية والإنسانية ولا المساس بشرفه وكرامته.
وأن قضيتهم كانت وستبقى هي قضية مركزية بالنسبة لشعبهم. فهم من ناضلوا وضحوا وأفنوا زهرات شبابهم خلف قضبان السجون من أجل فلسطين ومقدساتها، ومن أجل قضايا الأمة العربية والإسلامية جمعاء .
ومن الواجب الوطني والشرعي والديني، الأخلاقي والإنساني نصرتهم ومساندتهم والعمل لوقف الإنتهاكات الخطيرة بحقهم، والسعي بكل الوسائل المشروعة لضمان تحقيق حريتهم وعودتهم إلى بيوتهم وأحبتهم سيراً على الأقدام، لا محملين على الأكتاف .
و على المجتمع الدولي بكافة مؤسساته الحقوقية والإنسانية أن يصون ويحمي اتفاقياته ومواثيقه الدولية التي تضرب بعرض الحائط من قبل إسرائيل وأمام مرأى ومسمع من العالم أجمع.
وعلى العالم أجمع أن يدرك بأن الأمن لم يتحقق يوماً إلا بالسلام القائم على العدل، الذي يبدأ بإنهاء الاحتلال وتحرير الأرض والإنسان وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وعليه، بل ومن واجبه أن يضغط على سلطات الاحتلال للإيفاء بالتزاماتها وبما أتفق عليه والإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى ما قبل أوسلو، إذا أرادوا للمفاوضات أن تستمر، كمقدمة أساسية نحو الإفراج عن كافة الأسر بدون استثناء أو تمييز ضمن جدول زمني واضح كشرط لنجاح العملية السلمية.
كما وأدعو جماهير شعبنا في الوطن والشتات، وقواه السياسية ومؤسساته المختلفة، وعلى اختلاف انتماءاتهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية إلى المشاركة الفاعلة والواسعة في إحياء يوم الأسير الفلسطيني، باعتباره يوما وطنيا وعالميا لنصرة الأسرى ومطالبهم العادلة.