الخميس: 26/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

عاصفة العرب، التي هبت من الرياض

نشر بتاريخ: 15/04/2015 ( آخر تحديث: 15/04/2015 الساعة: 13:00 )

الكاتب: عزت علان

في يوم الأحد الموافق الثامن من شهر آذار الماضي، خرج مستشار الرئيس الإيراني علي يونسي مصرحاً أن الإمبراطورية الإيرانية عادت من جديد، وأن بغداد هي عاصمة الإمبراطورية الجديدة التي وصلت حدودها الى البحر المتوسط وباب المندب. وإن كان هذا التصريح يحمل كماً هائلاً من الإستفزاز، فإن هذا الإستفزاز يكاد أن يتلاشى، إذا ما قورن هذا التصريح بتصريحات عدة مرجعيات شيعية تحدثت عن خطط واستراتيجيات تهدف لتمكين الشيعة من حكم الخليج
العربي، والسيطرة على المدينة المنورة ومكة المكرمة.

هذه التصريحات هي تعبير عن القناعة التي ترسخت لدى طهران بضعف خصمها العربي وعجزه عن المواجهة بعد انجازها لمهمة اسقاط صدام بالتعاون مع الشيطان الأكبر، وعَزَزَت انتصاراتها السهلة في العراق وسوريا من ثقتها بانها اللاعب الإقليمي الوحيد الذي يجيد ممارسة الملاكمة، وتوجيه ضربة تلو أخرى دون الخوف من أي ردة فعل، أو لكمة عربية أو غربية أو حتى عبرية. وهذه القناعة بضعف الخصم وعجزه، دفعت إيران لخوض مغامرة عدن، ليكون يوم الخامس والعشرين من آذار، وهو اليوم الذي اختارت فيه طهران محاولة احتلال عدن مستخدمة احدى ميليشياتها، يوماً مفصلياً أثار عاصفة سيكون لها آثار وتداعيات كبرى على مجريات الأحداث.

ثارت عاصفة الحزم بعد وصول الحوثيين الى عدن، وبهذا أصابت المملكة العربية السعودية مجموعة عصافير بحجر واحد، فإطلاق عاصفة الحزم أعاد التوازن الى ميزان القوة الذي مال كثيراً لصالح طهران خلال السنوات الأخيرة، والعربي الذي ظل آيات الله يصورونه عبر أتباعهم ومناصيرهم مرتديا دشداشا، منفقاً ملياراته لشراء أسلحة لا يعرف استخدامها، إذا بهذا العربي يخلع دشداشه ويرتدي بزته العسكرية، ويعتلي صهوة طائراته ضاربا ميليشيات طهران غير آبه بسخطها أو خائفا من ردة فعلها، بل يقوم هذا العربي بفرض حصار بحري وجوي معلنا ومتحديا إيران بالإقتراب من اليمن العربي، وانقلبت الموازين وتبدلت الأدوار، وانتقلت حالة الضعف والعجز والإكتفاء ببيانات الشجب والإدانة وصيحات البكاء من الرياض إلى طهران.

أما العصفور الثاني الذي أصابته الرياض بعاصفتها، فهو القضاء على القدرات العسكرية لميليشيات الحوثي الموالية لطهران، والتي مثلت تهديدا جدياً للأمن القومي السعودي، صحيح أن لا أحد يستطيع أن يزعم علمه بما ستؤول إليه الأمور خلال الأيام وربما الأشهر القادمة، لكن لعل الجميع يستطيع أن يخمن النتائج الكارثية التي ربما كانت ستحصل، لو تركت المملكة اليمن فريسة لميليشيات إيران، التي تحدثت صراحة عن أحقية اليمن بمحافظتي نجران وجازان السعوديتين، بل ان زعيم الحوثيين أعلن عن طموحه بالسيطرة على مكة المكرمة. ولم يكن للمملكة أن تراهن أن كلام الحوثي هذا مجرد هراء، وأنه مجرد شعارات فارغة شبيهة بشعارات الموت لأمريكا التي تستخدم لخداع الأتباع وزيادة أعداد المناصرين، دون أن تؤثر هذه الشعارات على العلاقة الحميمة بين طهران ومن تدعو عليهم بالموت في أفغانستان، والعراق، وسوريا وأخيراً في اليمن. ما كان للسعودية أن تقف موقف المتفرج على النار المشتعلة بفناء
بيتها، منتظرة وصول لهيبها الى داخل البيت لتتدخل، وهي إذ تحركت، وبعد مرور عشرين يوماً على عاصفة الحزم، فقد تمكنت من إطفاء خطر هذه النار الى حد كبير، وباتت المواجهة الفعلية مع القوات الموالية للرئيس الذي خلعه الشعب اليمني، وليس مع ميليشيات الحوثي التي كسر عمودها الفقري تحت وطأة الضربات السعودية.

أما العصفور الأكبر الذي اصطادته المملكة، فهو تربعها على عرش قيادة جبهة أو تحالف عربي إسلامي كبير، وهو تحالف طال انتظاره، فبالرغم من صعود قوى اقليمية ذات أهداف وأجندات معادية للعرب، ظلت الساحة فارغة من تحالف أو حراك عربي مضاد، وبالرغم من محاولة الرياض دعم تحالفات عربية ومحاولتها القيادة وإدارة الدفة من الخلف، إلا أن المشهد الإقليمي ظل في واقع الأمر خالياً من حراك عربي حقيقي يتصدى للمشاريع الإقليمية التوسعية المعادية، وكان الإعلان عن عاصفة الحزم في حقيقته إعلاناً عن تقدم المملكة العربية السعودية لملئ الفراغ بنفسها، وقيادة مشروع عربي إسلامي كبير من الرياض، وإذا كانت الصفعة العسكرية التي وجهتها الرياض لطهران شديدة، فإن الصفعة السياسية المتمثلة بالتحالف الذي نشأ في سويعات معدودة، أشد بكثير. والتحالف لم يكن عربياً وحسب، بل ضم الدول الإسلامية الأقوى والأكبر، تركيا وباكستان، وقبلت كل هذه القوى بتسليم القيادة للرياض، ليقول جل العرب والمسلمون، أن اعتداء إيران على المملكة هو اعتداء على كل العالم العربي والإسلامي.

قد تبدو هذه القراءة للأحداث دون أي معنى لمن تسيطر نظرية المؤامرة على تفكيرهم، فهؤلاء يؤكدون أن عاصفة الحزم ما كانت لتهب دون ضوء أخضر أمريكي، لكن هؤلاء لا يجيبون حول إذا ما كانت سيطرة الحوثيين على صنعاء وغيرها من محافظات اليمن قد تمت بضوء أخضر من واشنطن أم لا، ولا يفسرون ترك قوات
المارينز لأسلحة تقدر قيمتها بمئات ملايين الدولارات غنيمة بيد الحوثيين، وأصحاب نظرية المؤامرة هؤلاء لم يوضحوا كيف يكون التصدي للحوثيين مؤامرة، في حين لا يكون دعمهم وهم الذين قسموا اليمن، وأعلنوا عن نيتهم بتهديد أمن السعودية، والعمل على تقسيمها مؤامرة أكبر.

وإلى أن تُقدم نظرية المؤامرة شيئاً يجعلها ذات قيمة، فالمؤكد أن ما بعد عاصفة الحزم لن يكون كما قبلها، وهزيمة إيران في اليمن ستعزز من ثقة التحالف الذي تقودَه الرياض، وستزيد ايمانه بالقدرة على الفعل، وسيتحول ذلك إلى رغبة وسعي لفرض رؤية التحالف في الملفات الأخرى، فكرة الثلج قد تكونت في
اليمن، وستدحرج وتكبر لتشمل المواقع الأخرى، وقد تكون سوريا المرشحة الأولى لتكون الساحة المقبلة للعاصفة التالية، وقد تكون فلسطين بعيدة أو مؤجلة ضمن هذه الحسابات، لكن لا يمكن أبداً استبعاد أن تعاطي هذا التحالف العربي الإسلامي مع قضية فلسطين سيكون مختلفاً تماما اذا ما انتصر في اليمن، تذكروا العراق قبل حربه مع خميني طهران، وكيف أصبح العراق بعد الحرب قوة إقليمية كبرى يحُسب لها ألف حساب.