السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاعلام و اعادة انتاج حصان طروادة

نشر بتاريخ: 15/04/2015 ( آخر تحديث: 15/04/2015 الساعة: 15:00 )

الكاتب: د. وليد الشرفا

يمكن القول ان هذه المداخلة ستركز على الابعاد الرومنسية للمعلومة بالارتباط مع الذات ، هذه المعلومة التي ستنزع الذات متلبسة ثوب الموضوعية ، وستعود بعد سطوة الوسائط المعلومة نفسها الى قناع للذات ، في المحنة الجديدة التي سينتجها السؤال النقدي ، هل هناك نسخة عذراء او معنى صفري ، ذلك ان الوسيط حالة من التحلل للذات على حساب الموضوع ، كل ذلك سيضاف اليه عنصران وسائطيان ، احدهما سائل وهو الزمن والاخر متحجر وهو التحقق ، وستتخذ هذه الخارطة المعقدة ابعادها الاعلامية وفق المتتالية التالية : كيف يمكن توزيع ادوات التحقق من المعلومات بالعلاقة مع الزمن ، وكيف يمكن فصل الذات عن الزمن والتفسيرات الذاتية للسياقات عن المعلومات نفسها ، التي ستعود مرة اخرى بالعلاقة مع وسيطين : وسيط داخلي هو التركيب والسياق ، ووسيط خاجي هو الالية والزمن ، وهل يمكن القول بعد ذلك بوجود اخبار قابلة للتحقق . بعد سيولة الوسيط وانقلاب المعادلة ، من شبهة علاقة الذات بالموضوع الى شبهة الفصل بين الدات والموضوع في فضاء الافتراض الكبير ، وهو الوسائط الاجتماعية .
المدخل الاساس لفهمي الذاتي للموضوع تكمن في صعوبة ايجاد معيار ثابت، لذلك ساتحدث عن ثنائيات يخلقها سياق مختلف .
تمت استعارته من حصان طروادة ، حيث الظهور المبهر يخفي عملية اختفاء مرتبة ومنظمة لهدف نقيض للهدية والاحتفال ولذلك ، لا بد من عودة تنازلية ، تبدا بالمشهد العربي ولا تنتهي عند ادق التفاصيل الفلسطينية .

اولا : العالم العربي يعيش حالة حادة من الاغتراب بين المؤسسات التاريخية ومؤسسات الراي العام ، بمعنى ان هناك حالة من التشوه واللاكتمال في المؤسسات التاريخة ، الدولة ، البرلمان ، الانتاج الاقتصاي ، في حين ان هناك حالة من الترف والتعدد والطوفان في مؤسسسات صناعة الراي العام ، بداية من المسجد وليس انتهاء بالاعلام الاجتماعي والمدونات .
يعني ذلك ان حالة التواصل حولت القضايا الاساسية التاريخية الى قضايا خدماتية ، ضمن صيغة بنيوية هي الصراع على تمثيل القيم ، بداية من الدين مرورا بالقيم الاساسية – الرسمال الرمزي – للامة العربية وليس انتهاء حول من يمثل قيمة حرية التعبير اصلا . ه>ا الصراع ياخذ شكل الاقنعة ، اي الاختفاء وراء المعلومة الخبر ، وسياقة لتقديم خصم ما للمحاكمة ، في صيغة شبه ادبية مفادها : ان السرد لا يكذب ، لكنه لا يقول الحقيقة . بمعنى هناك اخبار تقول عن قمع لحقوق الانسان في مكان ما ، ولا يوجد اخبار تقول انه لا يوجد قمع في المكان الاخر ، او بمعنى اخر : سقط عشرات الضحايا هنا بينهم اطفال ، في سقط في مكان اخر ضحايا جميعهم اطفال .

ثانيا : ان مقولة ماكوهان الاساسية في التقنية بان الوسيط هو الرسالة ، مازالت تعمل بقوة في العالم العربي ، سواءاكان ذلك في العلاقة العربية – العربية أو في العلاقة مع الاخر ، ذلك ان التقنية بنت مجتمعها ، لا يمكن استعارتها بشكل الى دون الوقوع في خطابها الايدولوجي، لذلك فن الوسيط العربي وسيط ايدولوجي يحمل المؤسسة والرغبة ويخفي نزوعها نحو السيطرة والتمثيل ، تمثيل القيم وصناعتها . الرغبة والتمثيل هنا في فهم افهم لاصل استعارة القرية ، هي الصراعاتع البدائية الوحشية على الزاد والماء والسلطة والمكاسب ، فمن يملك جتمية المعلومة يملك حتمية تعريف الواقع .

ثالثا : ان اليات النقل تعني اليلت تشكيل الحقائق الاجتماعية ومن يمتلك التقنية يمتلك فرص صناعة الحقيقة ، ولان الديموقراطية في العالم العربي ، تعني فقط الاغلبية ، فان حالة الانفلا ت تتشكل اعلاميا وتصبح الديموقراطية شاهدة زور بين الاحزاب والوسائط ، بشكل يكشف عن تهتك معنى الحرية لصالح الاصطفاف ،وعليه فان الخسارة مزدوجة : تضخم في المفردات ، وحالة من الهزالة في البناء . ولان النسق القبلي ، دول قبلية ، واحزاب قبلية دينية ،هي الفواعل ، فان النتائج تكون وجود الاخلاف ، دون وجود ثقافة الاختلاف ، وعلية تصبح التقنية – الحداثية – مستاجرة عند ممارسات رعوية تقليدية
ممعنوة في عقلية الدوغما ، حتى تحولت الوسائط نفسها الى دوغما : في الاخبار هناك ضحايا مقدسة وهناك ضحايا مدنسة دون ان نعرف الاسماء والهويات والتفاصيل ، هنا يصبح السياق هو الخبر مثلا .

رابعا : هناك تشكك منهجي في امكانية ان تخلق الوسائط نسقا مغايرا للنسق التقليدي ، بل تصبح خادمة له ، فهي تستاخر لخدمة الجماعات الاجتماعية ، ومنظومة القمع ، فالرقابة على الارض لم تتحول الى حرية على الادوات الافتراضية ،بل تحوات الى نوعين من التنكر ، استخدام الاسماء الوهمية والقناع من خلال صفحات الاعلام الاجتماعي ، ومن ثم تشكيل مجموعات قيمية معيارية تفرض الحصار والقتل على من يعارضها الكترونيا تمهيدا لفعل ذلك على الارض ، الحرية كانت الوجه الاخر للقمع ، من قمع المنع الى قمع البث ، لان من يبث يملك الواقع ومن لا يبث يخسر ، ضمن ثائية : ما يحدث وينقل يحدث ، وما يحدث ولا ينقل لايحدث .

خامسا : ان الاعلام التقليدي يمارس قمع الانتقائية ويحول الحداث الى علامات ، في حين يعتاش الاعلام الاجتماعي ، يعتاش على انتقائية مزدوجة ، البث والاخفاء من الحالة التاريخية والبث والاخفاء من الاعلام التقليدي ، التلفزيون والفضائيات ، وعليه فان القمع يحدث بتحويل العلامات الى مرجع للواقع ، مايعني تاويليا ، قتله، لا ن عملية التحقق تبدو مستحية امام طوفلن البث وغرائزيته وعليه لايمكن ان تجنمع الغواية والعقلانية والسرعة والتلقي الناضح ، وتعدد الروايات والصور وسرعتها وانعدام مرجع ثابت لها مع الدقة .

سادسا : السياق يفرض المعنى يتغير كل ذلك عند الحديث عن السياق الفلسطيني ، بوجود متغير هو الاحتلال ، وعليه تنهار كل الاساطير المحيطة بحرية التعبير ، على ذلك انا متشاءم مع ايماني بضرورة المحاولة ، في تلقي الادولت الجديدة منعطفا ، لان الذوات تنسحق امام البنية .
تبعا لذلك فقد اصبح الاعلام الاجتماعي ملاذا للبسطاء والمهمشين والمقموعين والفاسدين ايضا ، فحالة الرقابة والمحاصرة التي يتعرض لها هولاء يتم انتجاها بالنقيض ،بالاختفاء والانتشار عبر الفضاء الاجتماعي الحالم الذي يستعير شيئا من الفضاء الافتراضي ، وهو مجال للتعويض عن منطقة الطرد الاجتماعية ، العادات ، المحرمات ، المؤسسات الرسمية .

من هنا فان هذا الانتشار يعيد انتاج العلاقات البنيوية نفسها وهي البطولة والنرجسية عندما يكون الامر دون مغامرة ام عقاب والقمع المقنع المختفي على طريقة حصان طروادة من خلال اللجوء الى الاختفاء والقناع بالاسماء المستعارة عندما يكون هناك مساءلة ومسؤولية .
لا يعني ذلك مطلقا انتاج ثقافة الحرية ، لا ن الحرية الانتقامية قتلت حرية الاختلاف ، لان الحرية المتعلقة بالسلطة والانتقام تقل حرية الاختلاف ، من خلال تحويل الشاشات الى جغرفيا مقدسة ومدنسة مرة اخرى .

ان الانتقام كنسق يحكم اتلعلاقة بين الفرد والمؤسسة يعود مرة اخرى متسللا من الواقع الى الحلم الافتراضي وهو تسلل ليس دائما اصلاحيا ، فالانتقام ياتي ضد العالة احيانا ، كما ياتي ضد الظلم ، لان المسافة بين المعلومة والادعاء في العلام الاجتماعي خاضعة لمغامرة اي جديد .
في النهاية ، ان التواصل الحاد والمزمن في اتجاه واحد يدفع الى التوحد ، وكيف يمكن معالجة امراض التوحد بالنص القانوني ، الذي يبدا غالبا ، بخطيئة او جريمة كبرى .

عودة الى المؤسسات التاريخية التي تشبه جدار حصان طروادة ، انها ما زالت تتحكم بالاحلام وتقود عملية الاختفاء والانتقام ، لذلك لم ينجح النموذج الفلسطيني في الحراك الشبابي بانها الانقسام ، لان ذلك كان يعني التنازل عن المؤسسة التاريخية والتي يعني عند كثيرين التمسك بها جهادا مقدسا . او كثيرون يهربون عندما يحين خلع الاقنعة .

قراءات
Rob Shields, culture of internet, sage,1996
ريجيس دوبريه ، الميديالوجيا ، ترجمة: فؤاد شاهين، الطليعة ، بيروت
برنار بوليه ، نهاية الصحف ومستقبل الاعلام ، الدار العربية ، بيروت ، 2011