نشر بتاريخ: 16/04/2015 ( آخر تحديث: 16/04/2015 الساعة: 10:54 )
الكاتب: د. وليد القططي
منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة ضد العدو الصهيوني الغاصب لفلسطين في منتصف الستينات من القرن الماضي والجدل دائر داخل هذه الثورة حول علاقتها بمحيطها العربي والإسلامي , وبالتحديد فيما يجري داخله من صراعات داخلية في البلد الواحد وبين البلدان المختلفة . وموضوع الجدل يدور حول ما إذا كان من مصلحة فلسطين ثورةً وقضية ً وشعباً الانحياز والتدخل لصالح طرف أم عدم التدخل في هذه الصراعات مهما كانت المبررات . وقد انقسمت الرؤى حول هذا الموضوع إلى اتجاهين مختلفين , فالاتجاه الأول يرى ضرورة الانحياز والتدخل لصالح الطرف الأقرب إلى فلسطين , وذلك حسب التصنيف الثنائي للأمور , كالوقوف مع الثوري ضد الرجعي , ومع القومي ضد الموالي للاستعمار , ومع الاشتراكي ضد الرأسمالي , ومع الإسلامي ضد العلماني ... . أما الاتجاه الآخر فيرى عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية والصراعات الداخلية لهذه الدول أو بينها , والتزام الصمت تجاه هذه الصراعات حفاظاً على القضية الفلسطينية من أن تكون عرضة للنتائج السلبية لهذه الصرعات .
والاتجاه الذي يرى البقاء عدم التدخل في هذه الصراعات وآخرها ما يجري في اليمن الآن , والتزام الصمت إزائها استند في ذلك إلى مبررات أخلاقية وتاريخية وواقعية تؤيد هذا الموقف . فمن الناحية الأخلاقية عندما يتعلق الأمر بالصراعات الداخلية التي ينقسم فيها الشعب إلى فئتين أو أكثر لا يمكن الزعم بأن أحد الأطراف يمتلك الخير المطلق الذي يجب الوقوف معه , بينما الطرف الآخر يمتلك الشر المطلق الذي يجب الوقوف ضده , فالخير والشر نسبيان في مثل هذه الأحوال حيث تختلط المبادئ بالمصالح , وتتداخل العوامل المحلية والإقليمية والدولية التي يبحث فيها كل طرف عن مصالحه تحت غطاء من المبادئ والقيم التي تُستخدم لتغليف هذه المصالح والأطماع الإقليمية والدولية , وهذا لا ينفي عدم وجود هذه المبادئ والقيم بالكلية في مثل هذه الصراعات , ولكن الموقف الأخلاقي الأفضل لكل الأطراف الخارجية هو تأييد الحوار الداخلي للوصول إلى توافق وطني وتعايش سلمي بين مختلف القوى المتصارعة في البلد الواحد , وهذا الموقف ينطبق على الثورة الفلسطينية وفصائلها المقاومة .
ومن الناحية التاريخية , فقد اثبت التجارب التاريخية السابقة للحالات التي تدخلت فيها الثورة الفلسطينية أو أحد فصائلها الرئيسية في الصراعات الداخلية في الدول العربية أو بينها , أو أقحمت نفسها فيها كطرف من أطراف الصراع أن هذه التدخلات قد أحدثت ارتدادات مدمرة على فلسطين – الشعب والقضية والثورة – عانت منها لسنوات طويلة ولا زالت تعاني من بعضها , وأدت إلى تعميق المأساة الفلسطينية وزيادة تشتت اللاجئين من بلدٍ لآخر . ومن هذه الأمثلة التاريخية ما حدث في أيلول الأسود بالأردن عام 1970 , والتورط في الحرب الأهلية اللبنانية في سبعينات القرن الماضي , والمأساة التي تبعت تأييد الغزو العراقي للكويت عام 1990 , وآخرها التدخل في الصراعات الداخلية التي أفرزتها ثورات ما يسمى بالربيع العربي , وتأييد أحد طرفي الصراع في مصر وسوريا واليمن وغيرها.
ومن الناحية الواقعية فلم يؤثر هذا الانحياز وذلك التدخل في مثل هذه الصراعات السابقة على مجريات الأمور أو نتائجها في تلك الدول , بل ربما كانت النتيجة عكس ما أرادت فصائل الثورة والمقاومة الفلسطينية , فإمكانيات هذه الفصائل وقدراتها مجتمعة أو منفردة لا تسمح لها بالتأثير على مجريات الأمور , أو المساهمة في تغيير مسارها , أو المشاركة في تحديد نتائجها , وبالتالي فلا يوجد فائدة واقعية تبرر الوقوف مع طرف ضد آخر , ولذا فمن الأجدر أن نبقى قضيتنا الفلسطينية بعيداً عن هذه الصراعات وتجاذباتها , وهذا موقف في حد ذاته يعبر عن مسؤولية وطنية , إذا أن الصمت في مثل هذه الحالات أبلغ من الكلام كونه يحفظ قدسية القضية الفلسطينية , ويحمي الشعب الفلسطيني من أي ارتدادات عكسية سلبية عليه وعلى قضيته العادلة التي يجب أن تظل قضية العرب والمسلمين الأولى .
وبناء على هذه المبررات الأخلاقية والتاريخية والواقعية, فالأفضل للثورة الفلسطينية وفصائلها المقاومة أن لا تنحاز لأي طرف من أطراف الصراع ,فضلا عن التدخل في الصراع حتى لو كان لها موقف أخلاقي يدعوها لإعلان موقفها ,وذلك منعا لأي ارتدادات مدمرة تضر بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني في الداخل والشتات .