الأربعاء: 20/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

العد التنازلي

نشر بتاريخ: 17/04/2015 ( آخر تحديث: 17/04/2015 الساعة: 13:44 )

الكاتب: عوني المشني

وفق نظرية ابن خلدون لنشوء وتطور الدول فقد وصلت اسرائيل للذروة وتربعت عليها ما يقارب الاربعون عاما ، حرب حزيران عام ١٩٦٧ هي القفزة التي صعدت اسرائيل بها الى اعلى قمة هرم التفوق ، انتصار كاسح في وقت قياسي واحتلال اربعة اضعاف مساحتها من الارض وتحطيم جيوش ثلاث دول عربية ، وماذا اكثر ؟!!!! تحول دراماتيكي في الرأي العام الغربي لصالح اسرائيل واكتساح الصهيونية المسيحية لامريكيا ، اوروبا الغربيه اعتبرت اسرائيل قطعة منها وعاملتها بافضلية تفوق افضلية بعض الدول الاوروبية لبعضها ، انه الانتصار العسكري والمعنوي الذي لا يضاهيه انتصار .

واستمرت اسرائيل لفترة طويله متربعة على القمة ، لكن جنون القوة لا يستمر الى الابد ، والقيادة الحكيمة هي التي تستطيع استغلال امكانياتها وتوظفها لتطيل فترة تفوقها ، وهذا يحتاج الى اكثر من القوة ، يحتاج الى تجديد الذات اولا ، وعدم تآكل الحافز ثانيا ، والحكمة في التعاطي مع المستجدات ثالثا
كان بامكان اسرائيل توظيف انتصارها لصنع سلام ينهي القلق الوجودي ، ويدخل اسرائيل الى المنطقة من باب واسع هو باب الشراكة الجيوسياسية في التعاطي مع مشكلات المنطقة ، ولكن الجشع الاسرائيلي للارض والوهم بامكانية تحقيق انتصار نهائي على الفلسطينيين اعمى بصر وبصيرة القادة الاسرائيليين ، انه جنون العظمة ، مرض الامبراطوريات الكبرى ، تجاهل حتميات التاريخ ، اضاعة الفرص التاريخية . انه مقتل اسرائيل .

وخلق قادة اسرائيل شيئا سموه الاستيطان ، غلفوه بطابع ديني واعطوه بعدا اسطوريا ، ليقنعو الجمهور به ، كانت اسبابه الحقيقيه امنية ، ولكن ضحكو على عقول البسطاء باستنساخ رواية دينية اسطوريه اسمها وعد الرب ، كبرالاستيطان ، تحول الى ثقافه ، ثم قوة سياسية وانتخابية ، اختطف الاستيطان دولة اسرائيل وحولها الى رهينة ، اصبح عبئا على قادة اسرائيل ذاتها ، سلب الارض ولكنه سلب فرص السلام ، سلب هامش المناورة ، سلب الهامش المشترك بين اسرائيل واوروبا ، سلب الشراكة الاستراتيجية مع امريكيا ، وسلب اكثر من ذلك اليقين الوجودي ، وضاعف القلق الوجودي اكثر فاكثر فاكثر ، دخل الفلسطينيين من ثقب ابرة اسمها اوسلو ، دخلو متسللين من بين الدبابات والطائرات واجهزة الانذار المبكر ، اعادوا انفسهم عنوة للخارطة السياسية ، ارادت اسرائيل ان تستوعبهم كقضية اسرائيلية داخلية ، ها هي اسرائيل تتحول الى قضية فلسطينية داخلية ، كيف ؟!!!

اسرائيل تواجه قوة مزعجة في غزة ! وهي من منتجات القضية الفلسطسنية . اسرائيل تواجة مقاطعة تتفاقم وتمتد وتتعمق وهي احدى منتجات الفضية الفلسطينية ! اسرائيل تواجه حزب الله بنصف مليون صاروخ ، وهي احدى تداعيات القضية الفلسطينية ! اسرائيل تواجه ايران نووية ، وهي احدى تداعيات القضية الفلسطينية ! اسرائيل تواجه ازمة في هويتها عبر عشرون بالمائة من سكانها هم فلسطينيين ، وهي احدى منتجات القضية الفلسطينية ! اسرائيل تواجه واقع انها تحولت الى دولة واحدة اكثر من نصف سكانها فلسطينيين وهي احدى منتجات القضية الفلسطينية ! اسرائيل تواجه امريكيا ، وهي احدى مضاعفات القضية الفلسطينية ! اسرائيل تواجه شرخ في الايباك ، وهي احدى مضاعافات القضية الفلسطينية !!!! الفلسطينيين موجودين في حلمهم ، كوابيسهم ، في طعامهم ، شرابهم ، في طرقاتهم ، في مستقبلهم ، في تفاصيل حياتهم ، الصناعة والزراعة والرواية والقصيدة والانتخابات والاقتصاد والكنيس . نعم اسرائيل اصبحت ردة فعل حمقاء للقضية الفلسطينية ، استجابة خاطئة للقضية الفلسطينية ، صدى مزعج للقضية الفلسطينية
لم تنفعهم الطائرات والدبابات والقباب الفولاذية والجدران الاسمنتية ومحطات الانذار والاستشعار ، كل تلك وغيرها لم تجيب على سؤال : وماذا غدا ؟!!!!
الفلسطينيين يعرفون الاجابة : عدهم بالتاكيد احسن من يومهم هذا ، لا جدال في ذلك ، وحتى لو كان هناك يرموك واستيطان واعتقالات وهدم بيوت ، غدنا اكثر وضوحا اكثر اشراقا اكثر تفاؤلا .

بدأ النزول الاسرائيلي عن قمة الهرم ، مقابله صعود فلسطيني ، بدا النزويل بطيئا ولكنه نزول ، هناك مكابرة وانكار اسرائيلي لكنه نزول ، هناك ضباب كثيف يغطي ولكنه نزول ، هناك مرواغة لكنه نزول ، هناك صلف وغطرسة ولكنه نزول ، الحقائق عنيدة ونزول اسرائيل عن قمة الهرم حقيقة وعنيدة وموضوعية وحتمية ربما نحتاج لبعض الوقت كي تنجلي الصورة اكثر ، لكن الوقت لا يستر عورة ، وكما قال اجدادنا " اللي متغطي بالوقت عريان "