ثانيا : أبناء المسؤولين

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

سألني اصدقائي قبل نشر المقالة : وأين اولا ؟ ولماذا تقول ثانيا ؟ قلت انني لم أصل بعد لمرحلة الجرأة كي أكتب اولا ، فالعالم العربي تربّى على النفاق او على التنّحي ، ومن لا ينافق عليه ان يقف جانبا كيلا يتأذى بشدة وهذا يشمل جميع المجتمعات العربية بلا استثناء . وان مسؤول فاسد واحد اخطر من مئة لص .

قرار وقف التحويلات الطبية المخبرية الى اسرائيل قرار جريئ ، ولكن هل يصمد المدراء امام ضغط المسؤولين وأولاد المسؤولين اذا ما أرادوا تحويلة طبية الى اسرائيل ؟ هل يطبق القانون على الجميع ام ان الوزارة وبعد ان تقرر " التوبة "  سيأتي من يعزّ عليها وتنهار وتوقع تحويلة طبية استثنائية لفلان او علان او ابن فلان او اخت علان !!!!
ذات يوم استضافني أحد وزراء الصحة في مكتبه وشرح لي كيف ان التحويلات الطبية لاسرائيل تكلّف خزينة السلطة مئات الملايين سنويا ، انا كنت احمل وجهة نظر مختلفة وادعو الى منح التحويلات للجميع ، ولكنه سرعان ما افحمني واقنعني ... وبعد ان افحمني واقنعني اكتشفت ان التحويلات الطبية للمشافي الاسرائيلية توقّفت عن المواطنين الفقراء وبقيت حكرا على الاغنياء والمسؤولين وعائلاتهم !!!!

واذا لا تخونني الذاكرة فقد كتب الزميل حافظ البرغوثي عام 1999 مقالة في صحيفة الحياة الجديدة ، لا أزال اذكر فحواها . حينها دخل بعض القادة على الزعيم ياسر عرفات وأقنعوه بضرورة انشاء مدرسة للموهوبين والمبدعين من ابداء فلسطين ، مدرسة للمبدعين فقط والاطفال العباقرة والمخترعين ، واكدوا للزعيم عرفات ان الشعب الفلسطيني ملئ بالابداعات والطاقات الخلاقة ولكنه يحتاج لرعاية خاصة وتطوير وحث . وفعلا اقتنع ابو عمار لاقامة المدرسة بل وكان هناك فكرة لاقامتها في نابلس على ما أذكر .
حينها كتب الزميل حافظ  مقالة ناشد فيها ياسر عرفات عدم اقامة المدرسة ، وقال فيها : ان المدرسة سرعان ما ستتحول الى ابناء المسؤولين ، لان كل مسؤول في فلسطين يعتقد ان ابنه مبدع ومخترع وعبقري ، لانهم هم انفسهم مقتنعون انهم مبدعون وموهوبون وعباقرة ، وبالتأكيد ان اولادهم عباقرة مثلهم . ولن يدخل هذه المدرسة اي عبقري ولا مبدع ولا مخترع من عامة الناس .
وانا اقترح على البرلمان الفلسطيني ، اذا يوم قدر الله وان اجتمع ونحن على قيد الحياة ، أن يدخل تشريعا على القانون الاساسي يقول فيه : يسري هذا القانون بتاريخ صدوره وعلى جميع الجهات تنفيذه دون تردد ولكن هذا القانون لا يشمل اولاد المسؤولين من اي فصيل كان . وان نفتح مدرسة لاطفال المسؤولين المبدعين والعباقرة . فهم كنز وطني وخسارة ان نضيع ابداعاتهم في الجلوس بيننا .