الأربعاء: 20/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الصراع السعودي – الإيراني.. من الخاسر؟

نشر بتاريخ: 19/04/2015 ( آخر تحديث: 19/04/2015 الساعة: 10:52 )

الكاتب: أحمد مسمح

لم تفلح حنكةُ السياسيين ولا حكمةُ المسؤولين تجنيبَ البلدين هذه المواجهة العلنية بين أكبر بلدين يمثل كلٌّ منهما مذهبه الديني ويتبناه في أطروحاته وفتاويه وتوجهاته، فإن الصراعَ بين السعودية وإيران أخذ العديد من الأبعاد، فقد أصبح مكشوفاً للجميع، وبدا على مرأى ومسمعٍ من العالم أجمع؛ بل إنه تجاوز الصراعَ السياسي والمذهبي وأصبح عسكرياً وأمنياً، وإن جرى هذا الصراع على أرض اليمن ولم يجرِ على أراضي البلدين، هذا الصراع مدعوم بالدول العربية سياسياً وعسكرياً، وأصبح تشكيل تحالف بين دول متقاربة في الأهداف والتوجهات أمراً سهلاً، فعندما أحست السعودية بالخطر الإيراني الذي يتمدد في المنطقة قامت بتشكيل تحالف لوقف النفوذ الإيراني، والذي أصبح يهدد عرش المملكة، وقد أحس أمراءُ الجزيرة بخطورة التمدد الإيراني في الجوار، فقرروا الحسم العسكري، فقد فاتت فرصة التفاوض والتصالح، مما يعطي إشاراتٍ واضحةً بأن المملكة في أزمةٍ وأي أزمة.

فمنذ سقوط العاصمة صنعاء بيد الحوثيين في 21 سبتمبر 2014م وقد زادت التوترات في المنطقة العربية، فكانت عاصفةُ الحزم، وكانت قمةُ العزم العربية والتي أعطت تأييداً واسعاً للسعودية، لكنّ هذا الصراع بدت فيه المملكة الأضعف وبدت إيران فيه الأقوى، فالأخيرة تفرض باقتصادها وسلاحها وسياستها ومؤيديها واقعاً وتتحكم على الأرض، وترى السعودية أنها تخوض المعركةَ وحدها دون دعم أمريكي، فأمريكا قد غطت الطرف عن التوسع الإيراني في العواصم الأربع: دمشق، بغداد، صنعاء، بيروت، وتتوصل أمريكا مع إيران إلى "اتفاق الإطار" مع الدول الست العظمى بخصوص الملف النووي، وكذلك رفعت روسيا الحظر عن تسليم إيران صواريخ “اس 300″ الروسية المضادة للطائرات الأمر الذي سيثير قلق السعودية حتماً.

ويرى مراقبون ومحللون أن ما يحدث للمملكة في هذه الأيام هو حصادُ سياستها الخارجية تجاه قضايا العرب والمسلمين، إذ إن السعوديةَ خذلت دولَ الربيع العربي ولم تقف مع رغبات الشعوب في الحرية والانعتاق من الظلم؛ بل وقفت مؤيدةً مع الحركات المجابهة للثورات العربية، ودعمت الأنظمة الظالمة، في اليمن ومصر وغيرها، وحتى إن القضية الفلسطينية لم تحظَ بتأييدٍ من أمراء السعودية، فكانت المواقف الباهتة لها إبان الحروب الإسرائيلية على غزة وإغلاق المعابر والحصار وغيرها من القضايا. كذلك المواقف المتناقضة للمملكة في الملف السوري حيث تقف مع المعارضة السورية وتمدهم بالسلاح، وفي الوقت نفسه، تعارض المقاومة في فلسطين..

بينما كانت إيران ولا زالت تدعم حركات التحرر والمقاومة، وكانت مواقفها تجاه القضية الفلسطينية واضحة، إلا أن الملف السوري هو الذي شوّه صورتها وجعلها تظهر بالذي يكيل بمكيالين، تدعم المقاومة في فلسطين من يد وتذبحهم في سوريا باليد الأخرى، تحقيقاً لمشروعها في المنطقة لتكون لها اليد الطولى في سوريا.

وتخشى السعودية من انقلاب الحرب في اليمن إلى حربٍ طائفية في المنطقة لا تستثني أحداً، حيث يوجد في المملكة ثلاثة ملايين شيعي، مع اقتراب الشيعة إلى جنوب السعودية على حدود اليمن، وكذلك وجودهم في سوريا والعراق وبعض دول الخليج، إذ ترى المملكة أنها تخوض تحالفاً سنياً ضد التمدد الشيعي في المنطقة، لكن هذا التحالف لم يُدرس بشكل جيد، ولم تظهر معالمه، فحتى يؤتي هذا التحالف أُكُله لابد أن تعيد السعودية خريطةَ تحالفها في المنطقة من جديد.

فمع ظهور الجيل الثالث للقاعدة، الذي يمثله "تنظيم الدولة" في المنطقة واشتعال معارك تنظيم الدولة وبروزه وتحقيقه بعض الإنجازات الإعلامية، ترى المملكة أن المعركة باتت قاب قوسين أو أدنى مع جبهتين متشددتين: الأولى شيعية والثانية سُنية، لذلك فإن الخلاصَ للمملكة هو أن تتصالح مع حركات الإسلام الوسطي، فهو الوحيد القادر على الوقوف في وجه التشدد الجارف في المنطقة العربية.

كتب "ديتر بيدنارز" وزميلاه في صحيفة "دير شبيغل" الألمانية: "إن الأخطاء الإستراتيجية ليست بجديدة على المملكة السعودية، ففي الخريف الماضي فقط، أخطأت الرياض بشدة في اليمن عندما عمدت إلى قطع المساعدات المالية عن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، كون السعودية كانت ترى أن هادي - السني - متساهل جدًا مع الحوثيين الشيعة الذين يشكلون ثلث سكان اليمن.

الواقع يقول إن الملك سلمان الذي تسلم دفة القيادة منذ يناير الماضي فقط، هو كبير بالسن وضعيف؛ لذا من الأجدى أن يكون أبناؤه وأبناء أخوته يسعون الآن لاستخدام الصراع في اليمن لإعادة التمحور تجهيزًا للتحول القادم مع الجيل الجديد لآل سعود، حيث تزعزت الأسرة الحاكمة السعودية جرّاء تحول موقف الراعي الأمريكي الموثوق، وأصبح الجيل القادم بحاجة للاستقلال ربما عن الراعي الأمريكي".

وكتب إبراهيم شرقية قائلاً: "هذا ويبدو أن قيادة جديدة في المملكة العربية السعودية قد أتت بسياسة خارجية جديدة. فمنذ وصول الملك سلمان إلى السلطة، انخفض التوتر داخل دول مجلس التعاون الخليجي - وخاصة مع قطر- إلى حدٍّ كبير. وحتى إن مواجهة الإخوان المسلمين قد أصبح أقل أولوية بالنسبة للسياسة الخارجية في المملكة العربية السعودية. فمن كان يتصور منذ بضع سنواتٍ أن المملكة العربية السعودية وجماعة الإخوان المسلمين اليمنية سيكونان في المعسكر نفسه يخوضان القتال ضدَّ حليف السعودية التقليدي، علي عبد الله صالح؟".

لا شك أن الصراعَ محموم، وأن دولاً إقليمية ودولية تلعب من تحت الطاولة، وأن من العرب من ينتظر أن يتهاوى عرشُ خامنئي في القريب العاجل، وآخرون ينتظرون أن تتهاوى عروش كثير من العرب، مع أنهم لا يؤيدون إيران ولا سياستها، ويبدو أن تتغيراً لخارطة العالم العربي بات وشيكاً إذا تغير الوضع في مصر ودخلت على خط الصراع السياسي، بما تمثله مصرُ من ثقل عربي وإسلامي، هذا إذا لم يتورط الجيش المصري في اليمن، وكذلك إذا لم تنزل القوات العربية على أرض اليمن السعيد.. والأيام حُبلى يلدن كل جديد.