الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

مطاعم رام الله.. ومطاعم بيروت!

نشر بتاريخ: 26/04/2015 ( آخر تحديث: 26/04/2015 الساعة: 14:37 )

الكاتب: فراس عبيد

إذا أردتَ أن تحكم على مستوى تحضّر شعب، فانظر إلى مستوى نظافة ما يأكل وما يشرب في مطاعمه ومقاهيه وعربات قهوته المتجولة.
لنقم بجولة بسيطة، تفضلوا!
اختر أية مدينة فلسطينية شئت، رام الله مثلا.

الثامنة صباحا.. موعد طعام مواطن فلسطيني طيب من أحد مطاعم الحمص والفول الشهيرة جدا.
- مرحبا.. أريد صحن حمص عليه قليل من الفول، طلب خارجي لا داخلي.
- بكل سرور.
يبدأ صاحب المطعم بإعداد صحن المواطن الطيب.. في هذه الأثناء يناوله أحد الزبائن قطعة مالية معدنية ليحاسب على صحن اشتراه قبل آخر زبون، يمد صاحب المطعم يده فيتناول النقود ويعيد ما تبقى منها، وبأصابع اليد نفسها التي تناولتْ النقود وأرجعتها يتناول صاحب المطعم حبة بندورة عليها بقايا تراب وأوساخ فيقطعها بسكين مجاور، ثم بأصابع اليد نفسها يلتقط حفنة من المخلل فيضعها في صحن المقبلات ويغلفها بورق قصدير لميع، ويناولها مع نظرة بلهاء للمواطن الفلسطيني الطيب.
المواطن الفلسطيني الطيب الجائع.. ممتعض من سلوك الأيدي غير السوي، لكنه لا يجرؤ على الشكوى الرسمية لأن الشكوى ستضعه في مواجهة مباشرة مع أصحاب المحل الذين قد ينتقمون منه!
وقبل أن يغادر المواطن الفلسطيني الطيب أرض المطعم، يشاهد صاحبَ المحل وهو يأمر الجرسون بتنظيف بلاط المحل والحمام ثم العودة لخدمة زبائن المطعم، يعود الجرسون للخدمة لكن دون أن يغسل يديه، فيزداد امتعاض المواطن الفلسطيني الطيب وقرفه، ويفكر في البحث عن مطعم جديد نظيف، فهل يجد؟!

الثالثة عصرا.. موعد مواطن فلسطيني طيب مع أحد مطاعم الشاورما الشهيرة.
ما ألذ اللحم بعد عناء يوم عمل، لا سيما بتلك النكهات العجيبة التي تتحفنا بها محلات الشاورما مع المخللات المنوعة، يتناول المواطن الفلسطيني الطيب لفة الشاورما المغرية ويقربها فورا من فمه المتلهف، يبدأ معركة التذوق، يخدع نفسه قليلا بلذة الطعم، ثم يكتشف أن طعم اللحم الطبيعي ليس هكذا! وأنه لم يأكل لحما! وأنه دفع نحو 4 دولارات دون أن يحس بالتغذية الحقيقية! ولا يدري لماذا أحسّ بعد الساندويش بألم في رأسه أو في أحشائه؟!

يقول الكاتب.. ترى هل تقوم الجهات المعنية (الصحة - الاقتصاد - المحافظة) بفحص عناصر النظافة وبيئتها في تلك المحلات، أو بفحص كمية البكتيريا الضارة والملوثة الموجودة هناك؟!
وهل يغسل العاملون فيها السَلَطات جيدا؟ ما الدليل؟ وهل يغسلون أيديهم قبل تقطيع السلطات؟ ما الدليل؟ وهل سكين اللحم غير سكين الخضروات؟ وحدث ولا حرج عما هو معروف عن صناعة الشاورما عربيا ومحليا (بعض المحلات لا كلها) التي تنقع كتل الشاورما المحلية أو المستوردة أياما وليالي بعد أن توضع عليها مواد مُطرّية للحم تجعله مثل (قطعة الحلقوم) في فم المواطن الطيب، الذي يجهل بالطبع خطورة تلك المادة على الصحة البشرية، تماما كما يجهل انّ تلك المطريات تُصنّف دوليا بأنها مسرطنة جدا ومحرم استخدامها للأطعمة البشرية وغير البشرية!
المفترض أن يأكل البني آدم لحما طبيعيا لا معالجا.. أليس كذلك؟

أي ساعة من ساعات اليوم.. يبحث المواطن الفلسطيني الطيب عن كوب قهوة رخيص من إحدى عربات القهوة المتنقلة.
- كوب قهوة ساده وحياتك.
- فورا.. لكن انتظرني قليلا لقد نفد الماء، سأذهب لإحضار الماء.
يراقبه الطيب.. ذهب صاحب العربة إلى أسفل بيت درج العمارة المجاورة وأخرج مطرة ماء كبيرة مصفوفة بإحكام في مكانها وسط المطرات دون أي غطاء عليها، يتناولها ويصب منها في الغلاية.
يشرب الطيب قهوته وهو يتمتم:
الله يستر!
المفترض أن يشرب البني آدم قهوة صنعت من مياه غير ملوثة.. أليس كذلك؟

يقول الكاتب.. هذا غيض من فيض، هل أحدثكم عن المطاعم التي لا يوجد فيها مغاسل لتغسيل الأيدي، وعلى رأسها مطاعم المعجنات! كيف يمنح ترخيص لمطعم لا يوجد فيه مغسلة للزبائن؟!

وليست مطاعم بقية المدن الفلسطينية بأحسن حالا، ربما تكون أقل تلوثا،.. لكن رفع مستوى النظافة فيها، ومراقبته، هو أمر ضروري، لا بل فوق ضروري!

لكني قبل أن أترككم أود تذكيركم بواقعة مفيدة.. حدثت في المجاورة لبنان قبل بضعة أشهر، حيث قام وزير السياحة اللبناني بفحص عينات نظافة وبكتيريا من معظم مطاعم العاصمة بيروت، وكانت المفاجأة المروعة.. فلم يكتف الوزير بما وصله من بيانات مخبرية دقيقة، بل قام بنشر أسماء جميع تلك المطاعم مع نوع البكتيريا التي وجدت في طعامها (ومن ضمنها عينات براز)، وكذلك المخالفات الصحية التي وجدت فيها، على جميع وسائل الإعلام.. دون أن يستثني مطاعم الفنادق الكبرى!
كل الاحترام لتلك العقلية.
تكرار.. كل الاحترام لتلك العقلية!

ولنعلم، أن ليس في القانون الفلسطيني ما يمنع السلطات الرسمية من نشر أسماء المطاعم المخالفة ونوعية مخالفتها بالتفصيل، ونوع العقوبة.

إذن.. لم لا يستبسل الرسميون الفلسطينيون من أجل سلامة غذاء المواطن الطيب؟
أليس لهذا وُجدت السُلطات الرسمية؟
إنّ بيروت قريبة جدا منا..
وإن مجتمعنا بحاجة الى قفزة نوعية في نظافة المطاعم من خلال خطوة مزلزلة.