الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حفيد الخنساء !

نشر بتاريخ: 28/04/2015 ( آخر تحديث: 18/06/2015 الساعة: 10:06 )

الكاتب: المتوكل طه

لم تكن الخنساءُ أكثرَ من إرهاصةٍ لنموذجٍ مُوجع، لتأتي بعدها العشراتُ مِمَّن سيدفِنّ خمس بنات شقيقات، أو ثلاثة أبناء، دفعة واحدة، أو البيت كامل الأركان؛ بزيته وطحينه ودفاتره وقلائده وألبوماته وستائره وزينته وعبوّاته وخزائنه وملابسه وحيطانه وألعابه وأدراجه وأنفاسه وذكرياته .. المطمورة .
سترفع الشاعرةُ الثاكلُ يديها، في القبر، لتدفع الحجارة وتخرج، لِتلدَ من جديد، وتتفوّق، بجنازاتها، على مَنْ سَبَقْنها من الوالدات .. ولن تستطيع !
فثمة مَنْ لم يبق لها غير كلمات زائغة، تخرج بلا وعي، على شواهد طازجة، تمتد لتكون مقبرة لكل من كانوا لها .
بالصدفة، كانت في زيارة جارتها التي قتلوا ابنيْها، عندما خبزت الطائراتُ عمارةَ أسرتها ذات الطوابق الخمسة.
وبالصدفة كانت قد حملت آخر أحفادها، الذي تعلّق في ثوبها .. وهي خارجة من الباب .

*
لوحة !

فراغٌ كثيرٌ يغطّي السواد،
ووجهٌ صغيرٌ، هنا، مثل بدر التّمام،
وحولَ الإطار الشبابيكُ مفتوحةٌ
لاحتمالٍ سنشهده بازدياد!
وقلنا: سيأتي الذي رَسَم اللوحةَ اليومَ
أو بعد شهرٍ وعامٍ ..
ولكنه ترك الأمرَ
حتى يتمّمهُ الناظرون، على مَهَلٍ، في البلاد .
غير أن الإطاَر تغيّر والوجْهَ..
صارت على الحائطِ اللوحةُ التي عُرفت باسمها لوحةً،
نسيتْ وجهَ صاحبها،
ثم راح يرنو علىسطحها أسودٌ أو جراد.


*

دم في كل مكان !

كُلّما رانَ الغبارُ زمناً،وكاد الكبارُ أن يملّوا سردَ الحكايةِ،يفور دمُ العصفور من جديد،فيتوهّجُ السراجُ الكوني،فيرى الصغارُ آثارَ أقدام الغولةِ،وتتفكك الأسرارُ ثانيةً،ولا يملّ الحكواتي المضيء، من التبؤّرفي الزوايا المخيفة ..
شكراً لهذا الدم الحَرام ! الذي يحفظذاكرةَ العرب، ليعودوا، من جديد،إلى ملامحهم، التي تلهّوا عنها،باللهاث ودعوات الرضى والمناكفة الساذجة،وأدركوا أن رأسَ الرمح، الذيفخت صدرَ العصفور، يقترب من النقطة الذهبية في عيونهم .. فيصرخون،ويروحون في الحكاية، كأنهم أبطالها الناجون، أو شهودها في محكمةالأحزان ...
وشكراً لدم العربي هنا وهنا وهنا ...

*
رايتنا !

أرجوانُ العماليق رايتهم للزمان،
يجيء من الحرْثِ أو وَحْمةٍ في الحصان،
أو من لسان الحكايةِ حين أتى ظافراً .. للمكان،
هو الأرجوان؛ مخاضُ العذارى
ومنديلُ لبلابةِ في الغروب
ورمانةٌ سقطت في المياه ..
فكان الزمانُ .. وكان المكان ،
وكانت فلسطينُ في ساحل السنديان .
*

القدس !

لم يكن أيّ ثلْم في النّصل،
وكان لحم المدينة طرياً كالزبدةِ ،
لكن قلبَها صخرةٌ مقبّبة بالذهب .
*

صديقيَ مروان !
يا أيها الحُرُّ!
يا سرَّنا في النخيلِ،
ويا وردةَ الحبرِ في شِعرنا للقتيلْ.
لنا كلّ شيءٍ؛
بلاداً وعشقاً وموتاً جليلاً ،
وقيْداً أُسَمِّيه عودةَ مَن أشْعلتهُ الدروبُ
على نَطْعِ مذبحةٍ للرحيل ..
ولكنّكَ الحُرُّ قلباً وربّاً وَحُبّاً وحَرباً ..
وما زلتَ في أغنياتِ الصغارِ
وأيقونةِ النارِ ،
في فضّةِ الخيل إنْ ضَبَحَت للصهيل ،
وما زلتَ في الدارِ تنأى وتَقْرُبُ ،
والدربُ يأتي ، ويمضي بعيداً ..
بعيداً،
قريباً.. قريباً ،
وسهلاً وصعباً،
وورداً وشوْكاً ،
وعُرْساً وحزناً ،
وحلواً ومُرّاً ،
قصيراً قصيراً
طويلاً
طويل ..