نشر بتاريخ: 04/05/2015 ( آخر تحديث: 04/05/2015 الساعة: 21:28 )
الكاتب: راسم عبيدات
"الدردشات" في الساحة الفلسطينية ليست بالجديدة، و"المدردشون" هم الذين لعبوا دوراً بارزاً في الوصول الى المفاوضات وعقد الاتفاقيات، ولذلك نجد بأن تلك "الدردشات" قادت الى اثمان شخصية وحزبية وتنظيمية ووطنية، ولعلنا نذكر "دردشات" عصام السرطاوي ونعيم خضر لصالح التيار النافذ في المنظمة الى أين أفضت؟؟؟، اغتيال السرطاوي وخضر، وتنكر من قبل عرفات بصلته او علاقته بما قام به "المدردشون"، وخروج للجبهة الشعبية من اللجنة التنفيذية، وتشكيل محور او جبهة الرفض الفلسطينية ناهيك عن حالة الانقسام الداخلي.. وفي النهاية وصلت "الدردشات" الى مفاوضات ومن ثم الوصول الى اتفاق اوسلو العاصمة النرويجية.
واليوم بشكل لافت للنظر الصحف الإسرائيلية تمتلىء بالتقارير والتحليلات حول الظروف والأوضاع الإنسانية المأساوية في قطاع غزة، وكذلك هي تصريحات القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية حول قدرات حماس العسكرية والقائد العام لكتائب القسام محمد ضيف، والتي تركزت حول نجاة محمد ضيف القائد العام لكتائب القسام من محاولات اغتياله وعودته لمزاولة عمله، وحديث عن عودة حماس لتعبئة مخازنها بالسلاح عبر انتاج ذاتي واسع للصواريخ قصيرة وبعيدة المدى، وتدريبات وتجارب عسكرية وغيرها، وترميم أنفاق وحفر أنفاق جديدة للمواجهة العسكرية القادمة، والقيادة العسكرية الإسرائيلية تتحدث عن مواجهة قادمة وعنيفة مع حماس، اذا لم تجر مفاوضات تقود الى تحسين شروط وظروف حياة السكان في قطاع غزة، و"ليبرمان" يصر على اسقاط حكم حماس.
وبالمقابل نجد ان هناك حركة سياسية نشطة، بحيث تحولت غزة الى محج للإتصالات السياسية ودخل على الخط اكثر من طرف دولي، سويسرا وروسيا وقضية رواتب موظفي سلطة حماس، والرئيس الأمريكي السابق كارتر والذي سيزور قطاع غزة لنفس الغاية، ومبعوثي الأمم المتحدة بما فهم أمينها العام، إقليمي تركيا ومشروع الميناء، عربي مشيخة قطر، وحل مشكلة الكهرباء من خلال الربط مع الكهرباء الإسرائيلية، السعودية والغزل مع حماس، والتقارب مع قطر وتركيا.
الحديث جرى ويجري عن اتصالات مكثفة رعتها وترعاها أطراف دولية وإقليمية وعربية ومنظمات غير حكومية بين"اسرائيل" وحركة حماس،والهدف من تلك الإتصالات الوصول الى هدنة طويلة من خمس الى خمسة عشر عاماً بينهما تضمن وقف الأعمال العدائية ،وقف تهريب السلاح وحفر الأنفاق،رفع الحصار وفتح المعابر وإعادة الإعمار،والعمل على تشغيل ميناء للقطاع بمراقبة من حلف الناتو..الخ،
قيادات حماس بين تكذيب والإعتراف بما جري ويجري من اتصالات وتلقي رسائل بهذا الشأن،خرج موقع واللا الإسرائيلي المقرب من المخابرات الإسرائيلية،ليؤكد هذه الإتصالات،وبأن اكثر من ممثل قطري بما فيهم سفير قطر لدى السلطة الفلسطينية ،قد التقى "يواف مردخاي" منسق العمليات في الحكومة الإسرائيلية،بغرض تحقيق تسوية بين حماس و"اسرائيل" تقود الى "إعمار مقابل تهدئة".
في ذروة الحديث عن الإتصالات بين الطرفين،خرج السيد احمد يوسف ،وهو من صلب حركة حماس وفي قمة هرمها السياسي،ليقول بأن ما يجري هو "دردشات" بين "اسرائيل" وحماس برعاية ووساطة اطراف عربية ودولية وإقليمية ومنظمات غير حكومية وأمم متحدة وغيرها،و"الدردشات" تتمحور حول التهدئة،الحصار،الإعمار،تبادل الأسرى،وسارعت حماس لنفي وجود مثل هذه "الدردشات"،وقالت بأن يوسف لا يمثل وجهة نظر حماس،وأنكرت صلتها بما قال على غرار انكار الشهيد الراحل ابو عمار لعلاقته ب"دردشات" السرطاوي وخضر،ولسان حماس يقول "دردشات" يوسف اثمرت"خير وزين"،لم تثمر سيدفع هو ثمنها،إما ان يلحق بالسرطاوي وخضر،او يتولى زمام الأمور ويصبح نجم الساحة،كما حصل مع الذين قادوا مفاوضات اوسلو بمعزل عن الفريق الفلسطيني المفاوض من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في ذروة الحديث عن تلك الاتصالات بين حماس و"اسرائيل" اشتعلت الساحة على نحو غير مسبوق في تراشق الإعلامي وإتهامات بين حماس والسلطة الفلسطينية،ولتصل الأمور اتهام الرئيس الفلسطيني محمود عباس إسرائيل وحماس بإجراء اتصالات في إطار ما تعتبره منظمة التحرير التفافا على المشروع الوطني . وتسود قناعات في صفوف عدد من فصائل منظمة التحرير، وخصوصا حركة فتح، بأن إسرائيل تسعى للفصل بين الضفة والقطاع، وتعمل على إنشاء دولة في غزة حتى يسهل فرض الحكم الذاتي في الضفة الغربية.وليس هذا فقط بل مستشار الرئيس للشؤون الدينية الهباش في خطبة الجمعة شن حرباً شعواء على حركة حماس،وصلت حد تخوين من يقومون بالإتصالات والتفاوض مع اسرائيل من خارج إطار منظمة التحرير وبدون موافقة الرئيس عباس.
نحن ندرك بأن هناك الآن صراع ضاري يجري بين فتح وحماس على كعكة سلطة خالية من الدسم حتما ستقودنا الى كارثة حقيقية،كارثة ثمنها تفكك المشروع الوطني ومرتكزاته الأساسية القدس واللاجئين والدولة الفلسطينية المستقلة،و"دردشات" حماس تأتي في ظل إنقسام يعصف بالساحة الفلسطينية يتعمق ويتكرس ويطول،وتلك الدردشات بدلاً من ان تقرب بين حماس بنهجها وخطها "المقاوم" مع سلطة رام الله بنهجها "المفاوض"،ستباعد كثيراً بينهم،وحماس تعتقد بأن حكومة الوفاق الوطني مقصرة وغير جدية في حل مشاكل قطاع غزة وبالتحديد رواتب سلطة حماس ال(40) ألف،وهي تريد ان تتفرد بالإعمار والإشراف على المعابر،وتقصي حركة حماس،وتأخذ منها السلطة،وهي في سبيل أن لا تسلم السلطة ،او تسمح بعودة السلطة الفلسطينية الى قطاع غزة،مستعدة لطرق كل الأبواب مع اسرائيل وغيرها دردشة ومفاوضات،من اجل أن تطبيق نظرية "التمكين" الإخوانية،كما جرى في مصر مع الحركة الأم الإخوان المسلمين،وحماس لديها رهان على التطورات الحاصلة،لكي تخرجها من عزلتها وشرنقتها،ليس بالعودة الى المصالحة والوحدة الوطنية،بل ترى بأن التطورات والتغيرات الحاصلة عربياً،وخصوصا بعد "عاصفة" الحزم السعودية وتأييد حماس لها في حربها على اليمن،وملامح تغير في الموقف السعودي من حركة حماس في العهد الجديد،وتقارب سعودي- قطري- تركي،قد تمكنها من تثبيت سلطتها.
ما يجري بين حماس واسرائيل بتدخلات ووساطات عربية وإقليمية ودولية، يؤشر الى ان هناك مشروع سياسي يجري طبخه، هذا المشروع قد يؤدي الى دويلة في غزة، مشروع الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة، وتحقيق حلم نتنياهو بالسلام الإقتصادي بشرعنة وتأبيد الإحتلال للضفة الغربية والسيطرة النهائية على القدس.