نشر بتاريخ: 05/05/2015 ( آخر تحديث: 05/05/2015 الساعة: 15:54 )
الكاتب: سعيد زيد
مَنح تشكيل حكومة الوفاق برئاسة الدكتور رامي الحمدالله أملاً للشعب الفلسطيني بإنهاء الانقسام، وإعادة المياه إلى مجاريها، وتصور البعض أن الانقسام سينتهي دون رجعه، بمجرد تخلي حماس عن حكومتها في غزة، وسيبدأ عهد جديد، وستمارس الحكومة صلاحيتها وفقًا للقانون دون عوائق تذكر. إلا أن الرياح تجري أحيانا بما لا تشتهي السفن، فقد مارست الحكومة صلاحياتها في المحافظات الشمالية "الضفة"، وغُيّبت عن المحافظات الجنوبية "قطاع غزة" بشكل كامل نتيجة لاستمرار سيطرة حركة حماس على المؤسسات وكافة مناحي الحياة بواسطة أجهزتها الأمنية "أداة التحكم والسيطرة".
تضع حماس العديد من العقبات والعوائق أمام الحكومة للحيلولة دون ممارسة صلاحياتها واختصاصاتها القانونية، كتقييد حركة الوزراء واحتجازهم ومنعهم من مغادرة الفندق، أو الالتقاء بأحد كما حدث مؤخرًا، علما بأن وزراء حكومة الوفاق لا يستطيعون زيارة غزة دون تنسيق مسبق مع سلطات حماس، كأنها دولة مستقلة لا تقع ضمن مسؤولياتهم، وبالتالي فهم بحاجة إلى "فيزا" أو تصريح لزيارتها. وتشترط حركة حماس استيعاب موظفي حكومتها "المقالة" في الجهاز الإداري الوظيفي الرسمي للسلطة وفق الرؤية الحمساوية، وترفض خطة الحكومة لاستيعابهم، وتحاول مشاركة الحكومة بممارسة صلاحياتها.
ويعتقد البعض واهمًا بأن استيعاب موظفي حماس وحل مشكلتهم سيزيل العقبات التي تواجه حكومة الوفاق، وتحول دون تولي مسؤولياتها والنهوض بالواقع المرير الذي يعيشه المواطنون الفلسطينيون في غزة، وهذا غير دقيق ولن يغير الأمر شيئا؛ لأن هؤلاء الموظفين وخاصة كبارهم يدينون بالولاء لقيادة حماس ويتلقون تعليماتهم منها، فلها الفضل بتثبيتهم في وظائفهم وحمايتهم من "سلطة رام الله"، وبالتالي لن يمتثل موظفو حماس إلى قرارات الحكومة، وستستمر الجباية خارج إطار القانون لصالح سلطة حماس، ولن يحوّل شيء إلى الخزينة العامة للسلطة الفلسطينية التي تتولى إدارتها حكومة الوفاق؛ لأن لدى حركة حماس آلاف العاملين في أجهزتها الأمنية بحاجة إلى رواتب وإطعام. وقد نص اتفاق المصالحة على تأجيل دمج الأجهزة الأمنية إلى ما بعد إجراء الانتخابات، وبالتالي شرّع الاتفاق جزئيًا قوات حماس في الفترة الانتقالية، ولن تتخلى حماس عنهم كونهم العصا التي تضرب بها كل من يعارض أو يحاول أن يتحدى سلطتها في غزة.
إن تنازلات حكومة الوفاق والقيادة الفلسطينية التي تقدم بهدف توحيد الشعب الفلسطيني، ووقف استمرار الانقسام، ستنعكس سلبا عند بدء دمج الأجهزة الأمنية؛ لأن حماس تعتقد أن ما تقدمه القيادة الفلسطينية من تنازلات ينم عن ضعف، بعيدًا عن المصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني، لذا لا بد أن تُصلّب قيادة منظمة التحرير مواقفها أمام حماس، وعدم تقديم تنازلات لصالحها أيا كانت؛ لأنها لا تسعى للمصالحة وإنهاء الانقسام بقدر ما تسعى للسيطرة والنفوذ.
يعتمد نجاح المصالحة على تغيير حماس لسياستها ورؤيتها للمصلحة الفلسطينية، ولن تتحقق المصالحة دون صلاحيات كاملة للحكومة على كل ما يحدث في غزة- وخاصة الأمن- فالعمل الحكومي بغزة يجب ألّا يكون تحت رحمة حماس وقراراتها. وإعادة تشكيل الحكومة أو زيارة رئيس الوزراء إلى قطاع غزة- التي أعلن عنها بعد تحرير الوزراء- لن تجدي نفعًا، خاصة وان لدى حماس مشروع تسوية مع إسرائيل، ومن الأفضل أن يقدم رئيس الوزراء استقالته احتجاجًا على استمرار حركة حماس اغتصاب صلاحيات حكومته، والفشل في تحقيق أهدافها المتمثلة في التحضير لإجراء الانتخابات، فبدون سيطرة على الأجهزة الأمنية في غزة لن تستطيع الحكومة تحقيق شيء اتجاه تحقيق المصالحة الحقيقة، وغير ذلك ستكون نهاية الحكومة صرافاً آلياً لحماس.