نشر بتاريخ: 05/05/2015 ( آخر تحديث: 05/05/2015 الساعة: 16:08 )
الكاتب: عباس الجمعة
يولد الإنسان في هذه الدنيا باكيا والناس من حوله فرحون لقدومه للدنيا، يضحكون له وتتلقفه الأيدي يحنون عليه وينشا بينهم و ينمو، ويعيش في هذه الدنيا بمرارتها وحلاوتها، فيكبر الطفل وينسى من رحلوا عنه ويكادون يصبحون مجرد ذكرى يصعب تذكرها، وتستمر الحياة ، ويكبر الطفل في زحمة الدنيا ولهوها على طريق لا يعلم نهايته ويشهد درجات متفاوتة من المحن والبلاء والفرح والسرور، ويشارك آخرين أفراحهم وأحزانهم ويختلط معهم ويصاحب من يصاحب ويفارق من يفارق، و تستمر الحياة، ويكبر أكثر وينمو عقله وتزداد تجاربه وخبراته وقد ينسي معظمها مع تكالب مسؤولياته، وقد يستفيد من بعضها عندما يتحمل مسؤوليات جديدة وينسي من "مضوا" من حياته وماتوا ، وبعد هذا العمر الطويل والطريق الممتع والشاق في الحياة،وهكذا هي الحياة لا يوقف عجلتها بلاء أو مصيبة، يمين أو عهد، قانون أو دستور.
ما أجمل سياسة "طنش، تعش، التي ينتهجها الاطفال الصغار للتكيف مع تقلبات حياتهم البريئة، إذ تمكنوا بفلسفتهم البسيطة من الاستمتاع بحياتهم ، بحلوها ومرها، فالحياة عندهم لم تتوقف عند لحظة ألم أو خسارة أو بكاء، ولا بد لنا أن نتعلم من منطقهم الواقعي أن "الحزن" بكل أنواعه إنما هو لحظي ومؤقت وعابر، ومهما تكرر، ومهما ظلت ذكرياته عالقة في القلب، فان ألامه المؤقتة ستزول، ولو بعد حين، مع أول تقلب جديد للحياة.
من هنا نرى بأن الانسان يعيش ماساة حياته الراهنة التي اتسمت بالظلام والحيرة والقلق، وبالظلم والتعسف والعدوان وهذا ما يجري في فلسطين والمنطقة العربيه , حيث تقود قوى الامبرياليه و الصهيونية اهدافها الخطيرة المرسومة ، من خلال ادوات ارهابيه تمثل شرائع الغاب المتوحشة ، التي تفترس بانيابها كل حق مقدس ، و لا تبالي باية قوانين انسانية ، او شريعة سماوية .
امام ذلك نقول لا بد من الثقافة الثورية التي تقوم على المفاهيم و المرتكزات الوطنية والتقدمية والقومية المجتمعية في خندق المواجهة مع الغزو بشتى أنواعه ، الثقافي والاقتصادي و السياسي و الأدبي و الفكري ، من خلال اقامة ندوات ثقافية حتى يصبح المجتمع متحررا من الغزو الفكري والثقافي الامبريالي الاستعماري الذي هو أشد مراحل الغزو فتكاً، لأنه يضرب العربي بمعتقداته و فكره فيجعله غير قادر على مواجهة الغزو العسكري أو الاقتصادي , لهذا نرى ان الشعوب في هذه الأيام تستسلم لقدرها البائس، لا تغضب لما يلحق بها , ولا تغضب لغلاء الأسعار مثلاً , و لا تسعى لنهضتها ، مما يتطلب قيام ثورة صادقة على هذه البقعة الجغرافية من اجل ترسيخ مفهوم الثقافة الثورية .
فالفكر هو نتيجة التئام كافة مناحي الحياة في المجتمع، فتتولد نظرة تؤدي إلى قناعة في معتقدات المجتمع بعاداته وتقاليده ومفاهيمه، فالحرية لها صفاتها، والتحرر له معالمه التي يتقيد بها، وإذا كان فلاسفة الأمة وحكماؤها لا يضعون للأمة أهدافها التي يجب أن تسير عليها، سيظل مجتمعنا العربي يعيش بلا هدف، ويحيا من اجل يومه ولا ينظر للمستقبل.
إن النضال الثوري لا يكون بالسلاح فقط أو يختصر على هدف سياسي، بل هو نضال في جميع المجالات، ويجب أن يدخل كل ثغرة وبيت وعقل في المجتمع، لتغيير الواقع كله، ومن ثم يصبح المجتمع بأكمله أحدى مقومات النضال، والفكر هو أساس المجتمع، فهو الذي يصنع القناعة بالعمل ويزرع المثابرة في الفرد؛ ليصل في النتيجة إلى الهدف العام الذي تسعى له من اجل تحقيق اهداف و مستقبل الأمة.
نحن اليوم نعيش في محنة كبيرة وحقيقية, فأن ثقافة ديمقراطية ثورية بهذا الإتجاه ستوفر لنا القدرة على مخاطبة الجميع، مما يحتم علينا تمتين العلاقات بين الشعوب ومنع نمو ثقافات عنصرية وهذا يستوجب توفر ثقافة المواجهة التي تستمد مقوماتها من داخل الثقافة الدينية ذاتها, أي أن نواجه الحالة الظلامية الارهابيه التكفرية بسلاح الفكر والنضال .
إن طبيعة المرحلة الراهنة المتميزة بالسعي إلى إرساء بناء مجتمعات ديمقراطيه تعدديه في مجالات التفكير و الإبداع، و التكوين و الاتصال و الترفيه، فان المهمة صعبه في هذه المرحلة، لانها بحاجة للتفكير عند الجمهور في ذاته و في محيطه حتى يتمكن من التمرس على حق الاختيار و البحث في اختيار المنتجات الثقافية من حيث جماليتها وقدرتها على إشعاع القيم التنويرية.
وعلى هذه الارضية لا يمكن ان نغفل دور المرأة في الثقافة فهي أسقطت من قاموسها التصور الخيالي الجسدي الذي اصطبغت به صورة المرأة وكينونتها ، ولم تسقط التصور العاطفي الذي تنطلق منه وتبني على قاعدته معاني الجمال الواقعي بصورته البهية ، كما رسمته المناضلات الفلسطينيات والعربيات وحتى العالميات من خلال الثبات والمقاومة أمام منطق الجوع الهادف للتركيع ، والخضوع والتنازل ، اللغة التي لم تفهمها ولم تتعلمها المرأة ، ولا تتقن فنونها وأدواتها ، لانها تتقن بحرفية صناعة الأمل ، وقيادة الحاضر ، وبناء المستقبل ، ومجابهة التحديات والانتصار فيها ، فلذلك يجب علينا نعطي حقها في المساواة بأعتبارها إرادة نسويه تتعملق أمام المحن ، فهي السياسية والاعلامية والشاعرة والفنانة والعاملة وربة المنزل ، وهي التي تزف الشهيد ، وتضمد الجريح ، وتبني جيلا تلو جيل ليحفر بالصخر ويدون اسم وطن محاصر ، يحاولوا أن يقتلوه ، ولذلك يغدو العمل على تشارك المرأة والرجل باعتبارها نصف المجتمع المحيد كحليف قوي ضد السياسات المحلية والدولية المعادية لحقوق الانسان، وبناء أحلاف اجتماعية تشارك فيها جميع القوى العاملة والحية وذات المصلحة في التقدم الاجتماعي، لأن تحرّر المرأة لايقع بمعزل عن تحرّر الإنسان.
وفي ظل هذه الظروف نؤكد على اهمية النضال الثقافي ، الفن والفكر والإبداع ، باعتباره حراك ثقافي يشحذ الهمم في وجه الإرهاب والقتل والدمار الأسود، فعلى المثقف أن يكون فعال في مواجهة الاحتلال و الإرهاب ويعطي القضية الفلسطينية موقعها في قلب الصراع باعتبارها القضية المركزية .
ختاما لا بد من القول : لا يمكن للثورة أن تزرع جذورها في عمق المجتمع إلا بتعميق ثقافة متوازية مع نهج النضال في كافة المجالات المجتمعية تكون متلائمة إلى حد ما مع مجتمعها واحتياجاته، ليصبح المجتمع منتجا ومبدعا وموحدا في كل شيء، ويسعى إلى مستقبله بخطى واثقة وبأمل مفعم، فالدعوة للحرية الصادقة لبني الانسان سوف تحقق غاياتها رغم أنف دعاة التحجر الديني الذين يحرفون أيات الله تعالي من أجل بضاعتهم المزيفة ، ان الانتاج الفكري يتطور ، فالعالم يتلقي علومه باعتبار ذلك حصيلة جهد بشري متراكم ، وهذا يستدعي تطويره في ظل التحولات الفكرية الكبيرة ، وان العقل هو محرك التاريخ و العنصر الاول لانه منبة للاحساس والتصور والشعور ، لأن زمن الاستبداد قد ولي وزمن النور والحرية سوف يشرق عاجلا اما اجلا .