نشر بتاريخ: 06/05/2015 ( آخر تحديث: 06/05/2015 الساعة: 12:25 )
الكاتب: تيسير نصرالله
يُحيي الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تجّمُعه الذكرى السابعة والستين للنكبة، كما في كل عام، بمسيرات الغضب، والتأكيد على تمسكه بحقوقه الثابتة، وفي مقدمتها حقه بالعودة إلى دياره الأصلية التي طُرد منها عام 1948م على أيدي عصابات القتل والإجرام الصهيونية، ولا شك أنّ مناسبة النكبة مدعاة لإعادة التركيز على الألم والمأساة المتجددة، ففي كل عام هناك نكبة جديدة تحلّ بالشعب الفلسطيني في أماكن مختلفة، وكأنّ قدر هذا الشعب أن يبقى يعيش فصول النكبة وما رافقها من حياة التشرًّد واللجوء حتى يومنا هذا، وإن كانت في أثواب جديدة، ولكنها في نهاية المطاف إقتلاع من الجذور، وإمتحان جديد في القُدرة على التحمُلّ والصبر.
ولعلّ منظومة المجتمع الدولي التي ساهمت عبر المائة عام الماضية في التناوب على تكريس مفهوم النكبة المتجددة، وإن كانت بأساليب مختلفة، بحق الشعب الفلسطيني، إلاّ أنها بقيت عاجزة، حتى الآن، عن إعطاء بصيص أمل بقرب إنتهاء هذه المأساة، رغم أنّه كان باستطاعتها فعل ذلك قبل سبعة وستين عاماً، حين كانت قضية اللاجئين الفلسطينيين في بدايتها، وكان عدد اللاجئين لا يتجاوز المليون نسمة، وكانت بيوتهم وممتلكاتهم ما زالت جاهزة لاستقبالهم بإستثناء بعض القرى التي تم تدميرها بالكامل، ولكنّ هذه المنظومة الدولية بقيت تستنسخ العجز والفشل في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وكأنها مسلوبة الإرادة، ومشلولة الأداء، بينما نراها في مواقع أخرى شبيهة، بل ربما أقل توتراً وتعقيداً، تُحرّك أساطيلها، وتُنشئ التحالفات العملاقة، وتقوم بالحملات العسكرية، بل تشنّ الحروب تلو الحروب لضرب هذه الدولة أو تلك ممن تعتبرها راعية للإرهاب، في إشارة واضحة لسياسة الكيل بمكيالين، والمعايير المزدوجة التي أصبح العالم يتعامل بها.
وعندما يتعلّق الأمر بالكيان الإسرائيلي، الذي هو رمز الإرهاب العالمي المًمنهج، تصبح هذه المنظومة الدولية بلا أظافر، مهيضة الجناح، لا تقوى على شيئ، وليس لها أية قوة تُذكر، غير قادرة على فعل شيئ سوى المطالبة بإحترام المواثيق الدولية التي صادقت عليها عبر مسيرة الصراع الطويلة بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي، ودعوة الطرفين إلى إلتزام الهدوء، والمزيد من الأمنيات لتحقيق السلام، في الوقت الذي يواصل فيه هذا الكيان الغاصب، على مرأى ومسمع من هذه المنظومة الدولية، سياسة مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية، وإقامة المستوطنات عليها، وسنّ القوانين العنصرية لتهويد الأرض، وبالتالي فرض واقع جديد يُحبط أية محاولات تدعو للسلام العادل والشامل بين الشعبين، أو تكريس حلّ الدولتين الذي إستندت إليها العديد من القرارات الأممية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، فلم يعُد ممكناً تحت كل الظروف تطبيق هذا الحل في ظلّ إستمرار الإستيطان، وتمدد المدن الإستيطانية، وبناء جدار الضم والفصل العنصري فوق الأرض الفلسطينية، ومواصلة المطالبة بالإعتراف بالدولة اليهودية المبنيّة على أساس التمييز العنصري، وسياسة الطرد والتهجير بحق أبناء الشعب الفلسطيني الصامدين فوق أرضهم.
لم يعًد بالإمكان تصديق مقولات السلام المزعوم، ونحن نعيش في كل عام نكبة جديدة، أشدُّ إيلاماً من سابقاتها، فنكبة أبناء شعبنا في مخيم نهر البارد بلبنان ما زالت بلا حلً منذ عدة سنوات، بعد أن دمُّرت منازلهم وهم ينتظرون إعادة إعمارها ليعودوا للسكن في المخيم. ونكبة أبناء شعبنا في قطاع غزة، هي الأخرى قائمة على أثر الحروب الثلاثة التي شنّها الكيان الإسرائيلي في أقل من عشر سنوات، أكلت الأخضر واليابس هناك، وشرّدت الآلاف من أبناء شعبنا، الذين ما زالوا يعيشون تحت رحمة تعاقب الفصول الأربعة عليهم، وما تحمله من برد وحرّ ومعاناة حقيقية دون أن يحرّك المجتمع الدولي ساكناً، عبر الضغط على الكيان الإسرائيلي للسماح بإعادة إعمار ما دمرّه الإحتلال.
وما حدث لمخيم اليرموك في سوريا يندرج تحت نفس العنوان، بإستمرار النكبات على شعبنا، فبدل أن يُطالب الفلسطيني اللاجئ بالعودة إلى مسقط رأس أجداده وآبائه الذين طردوا منه عام 1948م، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بحق العودة وفق القرار 194، صار يُطالب بالعودة إلى مخيمه المُدمّر، وبيته الآيل للسقوط، أو البحث عن مكان لجوء جديد، وهجرة جديدة، من خلال إعتلاء أمواج البحار والمحيطات عبر قوارب مهترأة، وتجار دماء يتفقون مع أسماك القرش على كيفية أكل لحوم الفلسطينيين وهم يغرقون في قاع البحر. ورغم كل هذه النكبات إلاّ أن حلم العودة ما زال يراود كل الفلسطينيين، فهو الحلّ الشافي لكل آلامهم، والدواء السحري لنكباتهم، وهو القاسم المشترك الأعظم لوحدتهم، ومن خلال تطبيقه يصبح الحديث عن الإستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط ذو معنى، ودون ذلك فسيبقى الصراع محتدماً، وستزداد قوى التطرف والإرهاب في المنطقة.
إنّ أولى مهمات القيادة الفلسطينية هي إبقاء وهج القضية الفلسطينية قائماً، وإعادة البريق للوحدة الوطنية الفلسطينية، ومواصلة الطرق على أبواب مؤسسات المجتمع الدولي وهيئاته المختلفة ونيل العضوية فيها، ومواصلة إعتراف برلمانات وحكومات العالم بالدولة الفلسطينية القادمة. إنً مواصلة ثبات الإنسان الفلسطيني فوق أرضه، وتعزيز أسس الصمود الوطني، وتوفير كل المقومات الضرورية لهذا الصمود، هو الآخر، يندرج في المهمات التي تضطلع بها القيادة، بالإضافة إلى إستمرار المقاومة الشعبية وتفعيلها، وتطوير أدواتها، وتوسيع رقعتها وإمتدادها الجغرافي.
في ذكرى النكبة، يتعمّق الحنين إلى الذكريات، وإلى أرض البرتقال الحزين، وإلى شاطئ يافا وحيفا، وإلى أسوار عكا، وإلى صرخات الزير وجمجوم وحجازي وهم يلاقون حتفهم بالإرادة الحرّة، لا يهابون حبل المشنقة ما دام هذا الحبل هو الذي سيوصل شعبهم إلى طريق الخلاص من الإحتلال، وإلى إحقاق الحق الفلسطيني طال الزمان أم قصُر.
في ذكرى النكبة، يواصل الفلسطيني إيمانه المُطلق بحتمية النصر، ساعياً نحو عودته مهما إدّلهمّ الليل، وإزدادت الطريق وعورة، فالحق لا يضيع، وبقاء الحال من المحال، وسُنّة الكون التغيير، ولن يدوم الظلم والإستعمار، فإرادة الشعوب الحرّة هي التي ستنتصر في النهاية.