نشر بتاريخ: 10/05/2015 ( آخر تحديث: 10/05/2015 الساعة: 12:59 )
الكاتب: المتوكل طه
بعد أن برأت جروحه التي أثخنته في حطين، وصل متأخراً إلى المسجد الأقصى المغسول بماء الورد ودمع الشكر لله العلي الحميد، فبكى لأنّ اللحظة فاتته إلى حدّ ما!
ولمّا جمعوا أمرهم لِدَّهْم الممالك اللاتينية لتسقط بأيديهم مثل الثمار الناضجة، كان على فرسه كالغُرّة البيضاء، فخاض وتقدّم، وحمل واحتمل، ونزف وشرِق بعندمه، وشرب الترابُ دمَه حتى النهاية، فحملوه إلى هناك، ودفنوه بجروحه وعتاده وعجاجه وريحه الزكيّ النافذ ، الذي عبق حتى حطّ الطير والفَراش على أغصان قَبْرِه، فكيف لا تفرد الفراشاتُ أجنحتَها للذود عن الحيّ المدفون.
* * *
تهبط من القدس غرباً باتجاه يافا، على طريق باب الواد، قبل المنعطف القديم المؤدي إلى قرى زكريا وبيت جبرين والفالوجة، وقبل أن تصبح هذه القرى مستوطنات بأسماء وشوارع خلقت جغرافيا جديدة طردت التاريخ القديم. وعلى اليمين، وقبل أن تغادر آخر بيوتات القدس الغربية مباشرة، ومع بداية المنحدر الشديد، ترى جبلا ً تغطّيه أشجارُ الأحراش المحتشدة التي كسته فروة خضراء، حتى لا تتبيّن من تضاريس الجبل شيئاً!
هناك على رأس الجبل المُسمّى "جبل سيدنا علي"، وهو غير "قرية سيدنا علي" الواقعة على البحر شمال يافا، يقبع قبر قديم ما زال يحتفظ بشاهديه وحجارته المصطفّة على شكل مستطيل بائن ومحدد. ويبدو أن سلطات الاحتلال أرادت أن تشقّ طريقاً يقطع القبر، فأحضرت الجرافة لإزالته باعتباره قبر أحد "الأغيار" العرب أو المسلمين!
اقتربت الجرّافة بفمها المسنّن الفولاذي العريض، ومشت هادرة بثقة الحديد لإزالته، غير أن الجرّافة تعطّلت فجأةً، فأحضروا مَنْ يصلحها ليكتشف أنها بكامل جاهزيتها، فحاول سائق آخر أن يتقدم بها مرّةً ثانية فتكسرت أسنانها ومخالبها المشرعة!
أحضروا جرّافة ثانية، فأُصيب سائقها بنوبة قلبية، وجاء سائق آخر فانقلبت الجرّافة، وأحضروا بواقر فولاذية محمولة على ذراع حفّارة ضخمة، فتكسّرت وتحطّمت كأنها أسنان الحليب!
تشاءم القوم من هذا القبر، واهتدوا إلى أن يزرعوا الديناميت، ففعلوا، وانفجرت أصابع الديناميت دون أن يَحدُث ما ينبغي! كأنها ألعاب أطفال صوتية!
وسمع بما حدث بعض المستوطنين، فحضر حشد منهم ، وهم الذين يكرهون الأرض التي حملت، يوماً ما، عربياً على ظهرها، وأقسموا أغلظ الأيمان بالتوراة والتلمود وكُتب الأنبياء والمشكاة وبملوك إسرائيل أنهم سيذرّون القبر في الهواء، فأعملوا معاولهم، وما إن بدأوا حتى هاجمتهم أسرابٌ من الدَّبْر (الأدبُر أو الدُّبور) والنحل اللاسع، ففرّوا هاربين.
وكرّروا التجربة ببواقر محمولة بروافع عَنْ بعد، وراحوا ينبشون سطح القبر، وقبل أن يخدشوه التفّت أفعى عظيمة على ساق أحدهم، فوّلوا هاربين!
... وما زال سيدنا علي نائماً في قبره، غير عابئ بكل المُخططات التي تسعى لإيقاظه، والتي كان آخرها أن المُشرفين على شقّ الطريق قد قرروا أن يقصفوا القبر بطائرة "إف 16" ليحدثوا حفرة كبيرة مكان القبر.. الذي يُفترض أن تتطاير حجارته وأشلاؤه.
* * *
جاء في الصحافة أن طائرة حربية قصفت هدفاً عسكرياً على طريق مفرق بيت شيمش "بيت جبرين"، غير أن القنابل وقعت بعيداً عن مقبرة قريبة، ما دفع الطائرة إلى أنْ تُلقي حمولتها ثانيةً وثالثةً ورابعة... وما زال الموقع على حاله !