نشر بتاريخ: 10/05/2015 ( آخر تحديث: 10/05/2015 الساعة: 15:03 )
الكاتب: د. بسام عويضة
وصف المفكر المغربي الكبير محمد عابد الجابري الخطاب العربي منذ القرن التاسع عشر ولغاية اليوم بأنه سجين بدائل يدور في حلقة مفرغة لا يتقدم إلا ليعود القهقرى.
الجابري يقول في كتابه "العقلانية والنهضة في مشروع الجابري ،مركز دراسات الوحدة العربية ،2012 ، ص 194 .) ،" لهذا أصبح زمن الفكر العربي المعاصر زمناً راكداً جامداً ميتاً ،وهذا ينعكس على الداعية السلفي أو الليبرالي أو الماركسي " .
خلاصة الحديث ان المنطلقات الابستمولوجية للخطاب العربي تتميز بما يلي : الاستبداد الفكري المؤسس على فرضية امتلاك الحقيقة ونفي الآخر وإعتماد الإقترابات الحدية في تصنيف الإتجاهات الفكرية والتعميم وانغلاق النسق المعرفي ، أي ادلجة المعرفة و سكونية الزمان في الخطاب وانعدام دلالة المكان و المراوحة بين الثنائيات الجامدة و ردود الافعال غالباً ما تكون عاطفية ،غير مبنية على أسس إستراتيجية .
وبما أنّ الخطاب الإعلامي العربي المعاصر هو جزء من الخطاب العربي العام ،فإن ما ينطبق على الأول ينطبق على الثاني .
بشكل عام ، ليس من جادة الصواب أنْ نطلق على الفضائيات العربية ،الرسمية والخاصة والدينية ، وسائل إعلام حقيقية ، كما هو الحال في أوروبا مع بعض التحفظات على الإعلام الأوروبي ، وإنما هي أدوات تشرف على معظمها دول دكتاتورية ،لم تعرف في حياتها معنى لحقوق الإنسان أو صندوق الانتخابات.
لقد أضحت وسائل الإعلام في الوطن العربي مؤسسات سياسية ،بحسب محمد سعد أبو عامود أستاذ العلوم السياسية في جامعة حلوان فهو يقول : " إنْ وسائل الإعلام أصبحت مؤسسة سياسية ، مما جعل دور الإعلام مؤثراً في السياسة ومحفزاً أو مثيرا للافعال السياسية ، فقد أضحى الإعلام قوة سياسية ،قادراً على تشكيل الرأي العام ، فالإعلام لم يعد أداة تابعة للعمل السياسي وإنما صار يدخل في صميم العمليات السياسية على المستوى الداخلي والخارجي."
الخلاصة هي أنّ الإعلام العربي ،كما المواطن العربي " مظلوم من مُعظم ممتهنيه ،و مظلوم أيضاً من النظام العالمي الذي ابتكرته الدول الكبرى وعولمته ثم فرضت قيمه على العالم ."
وقد وقع أشّد الظلم على التلفزيون ،بإعتباره أهم وسيلة إعلامية في الوقت الحاضر،بسبب إنتشار الأمية في العالم العربي ، فهو أداة لا تحتاج إلى مهارة القراءة أو الكتابة،أن التلفزيون شكل سلطة هائلة للصورة وغياب شبه كامل للنشاط الذهني ، وهذا يسهل تدفق المعلومات وإنتاج المعنى الذي يريده القائمون على الوسيلة الإعلامية ، فبحسب شهادة جان بودريار،"أن وسائل الإعلام تنقل لنا عالم الواقع المفرط ، فالواقع الحقيقي لم يُعد موجوداً ، بل استعيض عنه بما نشاهده على شاشة التلفزيون من مشاهد وصور وأحاديث وتعليقات."
خلاصة القول،أنّ الخطاب الفضائي الإعلامي العربي المعاصر يتميز بعدة خصائص ،منها:
1 . غياب الفكر أو التصور أو المشروع أو السؤال القلق أو بُعد النظر عند القائمين على الإعلام.
كما يلاحظ أيضاً غياب مفاهيم ورؤى كانت موجودة عند الإعلاميين المثقفين العرب في القرن التاسع عشر، مثل : النزعة الإنسانية ،الأخلاق ، فصل السلطتين الدينية عن السياسية ، الضمير ، حرية المعتقد ،الفكر، المسألة الثقافية ، المعرفة ، المساواة وقضايا المرأة ، المسؤولية ، الدولة والحداثة ، ما بعد الحداثة ،التنوير ، إعادة قراءة التاريخ ، التأويل ،الدستور ،الإنسان والوجود والاغتراب .
وهذا بدوره أدى إلى غياب مفكرين عرب كبار عن الفضائيات مثل عبد الله العروي ، كمال عبد اللطيف ، هاشم صالح ، جورج طرابيشي، رجاء بن سلامة ، هشام جعيط ، عبد الإله بلقزيز ، علي حرب ، أدونيس .
2 . غياب البُعد أوالمسألة الثقافية عند الإعلاميين أو القائمين على الإعلام العربي.
لا يوجد دراسات أو أبحاث علمية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تناولت موضوع "المسألة الثقافية في الإعلام العربي "، بينما يوجد بعض الدراسات التي تناولت "المسألة الثقافية " في العالم العربي.
الصحافي والمفكر، شخصان متلازمان ، فالصحافي ليس صاحب حرفة ، وإنما صاحب مشروع ، لهذا أصدر المفكر المصري سلامة موسى كتاباً بعنوان " الصحافة حرفة ورسالة " بين فيه : " أنّ الصحافة حرفة ورسالة ،هي حرفة من حيث ان أصحابها ومحرريها ومخبريها وسائر موظفيها وعمالها ينشدون منها الكسب أو الأجر لكي يعيوا مثلهم في ذلك مثل جميع من يعملون ويكسبون ،ولكنها أيضاً رسالة ، لها شرف الرسالة وواجب التضحية وشهامة الإنسانية والوطنية ."
3 .يتميز الإعلام الرسمي العربي بإنه إعلام فاشل من الدرجة الأولى ، بينما يدعو بعض الإعلام الديني إلى الكراهية والعنف ونبذ الرأي الآخر، ويتميز بعض الإعلام الخاص بإنه غير مهني ، ويدعو أحياناً إلى العنف.
كما يعاني الإعلام الخاص من ظروف مادية صعبة للغاية ،ما يعرضه للابتزاز المادي من قبل بعض الأنظمة السياسية .
4 . وجود عدة قراءات إيدولوجية مختلفة للخبر أو التقرير .
يوجد تأثير مباشر من السلطة السياسية على وسائل الإعلام العربية ،سواء كانت الكلاسيكية أوالجديدة لايصالها إلى أكبر شريحة من المواطنيين.
لهذا تعمد بعض وسائل الإعلام بحسب فاضل محمد البدراني في كتابه " الإعلام وصناعة العقول " ، إلى التلاعب في مفردات الخبر أو في الصورة لإنتاج معرفة بهدف خدمة سلطة سياسية.
إنّ العلاقة بين السياسة والإعلام علاقة خفية و" تتمظهر هذه العلاقة غالباً في شكل رمزي من خلال الخطاب "، ولكن من واجب الإعلامي المهني أنْ يتحرى الدقة والموضوعية حتى لا يقع فريسة سهلة في شباك هذه العلاقة الخفية .
فقد يشاهد المرء في قناتين مختلفتين في وقت واحد تقهقر" الجيش السوري النظامي "على قناة " الجزيرة " أو قناة " العربية " ،وفي الوقت نفسه يُشاهد تقدم ملحوظ ل "الجيش العربي السوري" على قناة " الميادين " .
وحتى تكتشف العلاقة الخفية بين السياسة والإعلام ، عليك في في هذا المقام كما يقول بورديو " هناك أشياء ، يدركها المنتجون في تغطية التلفزيون ، ولا يدركها المشاهدون، لكن مشاهدة أكثر من وسيلة إعلامية في نفس الوقت ، تكشف عن بعض ذلك."
5 . غياب المفهوم الأخلاقي في الخطاب الإعلامي العربي المعاصر.
هذا المفهوم الكبير الغائب عن الخطاب الإعلامي العربي تاريخيا ،ليس له مكان في بنية العقل العربي ،بعكس "العقل الأوروبي " .
لقد اشتغل عصر الانوار في القرن الثامن عشر في منطقتين وهما : السياسة والأخلاق ، فالأخلاق عند الفيلسوف الألماني أيمانويل كانط تقوم على مبدأ واحد وهو : " لا توصي بشئ بشأن الأخلاق ولكن تبني شروط أمكانية عمل أخلاقي مؤسس على المعرفة وليس نتيجة للطاعة ".