نشر بتاريخ: 12/05/2015 ( آخر تحديث: 12/05/2015 الساعة: 15:19 )
الكاتب: محمد عودة الأغا
يُنظر للتنافس في العلاقات الدولية على أنه حالة تجمع بين طرفين دوليين أو أكثر يقرران خوض التنافس وفق حسابات عقلانية، مركزين جهودهم وإمكانياتهم نحو تحقيق فوائد ومصالح توفرها بيئة معينة في النظام الدولي، وقد يتطور التنافس ليأخذ طابع التعاون، أو الصراع الذي قد يصل لحد المواجهة العسكرية.من واقع الجغرافيا كمحدد للعلاقة بين أي طرفين دوليين، نرى أن إيران وتركيا دولتين متجاورتين، وقد حكم الجوار الجغرافي العلاقة بينهما على مر التاريخ، فأثرت التكوينات العرقية (الفرس والترك) على تقاليد السكان وعاداتهم في البلدين، كما أثر اختلاف المذاهب الدينية المُتبعة في البلدين على طبيعة العلاقة، وكان للجوار الجغرافي الأثر أيضاً على سير العلاقة من الناحية السياسية.
فإيران عندما ظهرت كدولة في مطلع القرن السادس عشر عند وصول الصفويين للسلطة، أُعلن المذهب الشيعي ديناً رسمياً لدولتهم، وتغيرت عاصمتهم مراراً بسبب قرب إيران من السلطنة العثمانية التي تتبع المذهب السني كمذهب رسمي، وبرغم ذلك فإن أبرز ما يميز العلاقات التركية-الإيرانية بأنها خالية من الصراع الحدودي أو الجغرافي بين الدولتين فالحدود بينهما هادئة.
تعتبر إيران وتركيا قوتين سياسيتين وازنتين، لكل منهما مشروع إقليمي طموح، يسعى إلى التمدد وفرض مكانة كبيرة في الإقليم سعياً لدور مؤثر في السياسة العالمية، وبالتالي من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى حدوث تنافس كبير بينهما في كثير من الملفات والقضايا، لكن هل يصل التنافس إلى حد الدخول في منعطف الصراع نتيجة لتضارب المصالح؟
إن كلا المشروعين التركي والإيراني يعتمدان على معطيات التاريخ ومقومات الجغرافيا السياسية، فتركيا تحتل موقعاً مميزاً على الخارطة الجيوسياسية؛ فهي دولة آسيوية وأوروبية، وعلى مقربة أيضا من القارة الأفريقية عن طريق البحر الأبيض المتوسط، ولذلك تحركت تركيا تاريخياً على أساس أنها دولة مركزية محورية، كي تضمن عدم التعامل معها كجسر يربط بين نقطتين فقط، أو كدولة عادية تقع على حافة العالم الإسلامي والغربي.
وبالنسبة لإيران فإن موقعها يفسر تصاعد نفوذها وتوجهاتها الخارجية، فهي حلقة وصل بين أهم منطقتين نفطيتين في العالم، هما: الخليج العربي وإقليم وسط آسيا، وتزداد أهمية هذين الإقليمين بالنسبة لإيران بسبب الاحتياطي مذهبي (أقليات شيعية) والمادي (نفط وغاز طبيعي) لكلا الإقليمين.
بالتالي فإننا نرى تقاطع الاهتمام الإيراني والتركي في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن إيران سبقت تركيا في التمدد داخل الإقليم لأسباب عدة، منها تراجع الدور التركي في السابق قبل وصول حزب العدالة والتنمية للحكم، وإستراتيجية إيران الهادئة في التغلغل في المنطقة من خلال وكلائها وحلفاءها السياسيين في العراق ولبنان واليمن، وعدم وجود قيادة إقليمية مؤثرة وواعية.
لكن هذا التمدد والنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط بدأ يواجه بعض الإشكاليات التي أوقفته عند حد معين وهددت تقدمه المستقبلي، نتيجة للتنافر المذهبي المُختلق بين السنة والشيعة، وإحساس الدول المركزية في الشرق الأوسط بتراجع مكانتها وانفلات السيطرة على مفاصل الإقليم، أضف إلى ذلك التطور الكبير في السلوك التركي الخارجي، وطبيعة توجهه نحو بناء تحالف إقليمي جديد يصفه البعض بالمحور السني المقابل لإيران.
ورغم حالة الشحن الإقليمي المتبادل، والتنافر، لم تنحى العلاقات الإيرانية-التركية باتجاه الصراع، مثلما حدث بين إيران والمملكة عربية السعودية، إثر قيادتها لتحالف عاصفة الحزم، والذي يهدف إلى تقويض الدور الإيراني الإقليمي، مع الأخذ بعين الاعتبار التأييد السياسي التركي للتحالف، ويمكننا تفسير ذلك بسبب الاحتياج المتبادل لكلا البلدين للآخر في الجوانب الاقتصادية، خصوصاً مجال الطاقة، فالسوق التركي يعتمد بشكل كبير على مصادر الطاقة الطبيعية الإيرانية، ويشكل ذلك السوق المتنفس للاقتصاد الإيراني الذي يعاني من العقوبات الاقتصادية، أضف إلى ذلك طبيعة التداخل الكبير بين البلدين في عدة مجالات، وبصورة أساسية فيما يتعلق بالتكوين الثقافي للمجتمعين التركي والإيراني، وطبيعة السياسة الخارجية التركية القائمة على تصفير المشاكل مع دول الجوار.
ولذلك سيبقى التنافس الإيراني-التركي في إطار التعاون، ولن يتطور ضمن المدى المنظور باتجاه الصراع، حتى وإن نشأ تحالف إقليمي (سُني) جديد تكون تركيا ضمن عضويته، وضَمِن هذا التحالف متطلبات السوق التركي من الطاقة، فمن وجهة نظري سيكون هذا التحالف الضامن لهدوء المنطقة وإعادة التوازن، وليس تصعيد المواجهة مع إيران.