الثلاثاء: 19/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حماس والحركة السلفيةفي قطاع غزة..تنافس محمود..تفاهم مطلوب..وتكامل جهود

نشر بتاريخ: 18/05/2015 ( آخر تحديث: 18/05/2015 الساعة: 15:20 )

الكاتب: أحمد مسمح

مقدمة:لا يختلف اثنان أن لكل جماعةٍ فكرَها ومنطلاقتها وقناعاتِها وتبريراتِها الشرعية في نشأتها وعملها والدور التي تقوم به، وكذلك لكل جماعة منهجٌ في العمل والدعوة والأسلوب، والجميع يعتقد أنه مصيبٌ في أفعاله وأقواله، ويرى أن الآخرين على خطرٍ عظيم، لابد أن يسيروا سيره ويحذوا حذوه، فيحاول بكل الطرق أن يقنع الفريقَ الآخر بفكره ومنهجه، حيث كلٌّ يدّعي وصلاً بليلى، وليلى لا تقرُّ لهم بذاك...

السلفية: نبذة تعريفية

السلفية نسبة إلى السلف الصالح، وهم أهل القرون الثلاثة المفضلة، كما جاء في صحيح البخاري، وهو تيار إسلامي ظهر على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- يدعو إلى العودة إلى فهم السلف الصالح والاعتقاد الصحيح والتمسك بالكتاب والسنة علماً وعملاً، فهماً وتطبيقاً، ويقمع البدع والمنكرات ويحاربها، ولا يغفل كذلك الأخلاق والمعاملات التي كان عليها الجيل الأول.

ولا يوجد بنية تنظيمية بمعناه المعروف للتيار السلفي، وإنما يغلب عليه نظام الجمعيات الشرعية والهيئات العلمية، وكذلك لا يوجد له مرجع واحد في العالم الإسلامي نظراً لكثرة التيارات التي يضمها هذا التوجه، حيث منهم التيار العلمي الذي يقتصر دوره على إعطاء الندوات والمحاضرات والتأليف والفتوى، ومنهم الجهادي الذي رفع رايةَ الجهاد في العالم الإسلامي ضد الاحتلال السوفيتي في أفغانستان والاحتلال الأمريكي في العراق، والذي يتمثل في تنظيم القاعدة وغيرها، ومنهم الدعوي التقليدي، ومنهم التيار التابع لولي الأمر، حيث يقدم طاعة ولي الأمر على كل شيء، وهو التيار الوحيد الذي له مشكلة مع بقية التيارات السلفية..

وفي قطاع غزة يوجد العديد من الرايات السلفية منها ما هو متمثل في جمعيات شرعية كدار الكتاب والسنة وجمعية ابن باز والمجلس الأعلى للدعوة السلفية، وتلك التيارات على خلاف في بعض الرؤى والتوجهات، وكذلك هناك أجنحة عسكرية كلواء التوحيد التابع للجان المقاومة الشعبية وجيش الإسلام وحركة المجاهدين..

حلم تطبيق الشريعة:

وقد تأخذ الشبابَ المخلصَ أحلامُ تحقيق وعد الله في الأرض بتطبيق شرعه وإقامة دينه، لما يرونه من ظلم وتعسف وقهرٍ يتعرض له المسلمون في أنحاء المعمروة، فيرون في إقامة الخلافة المنقذَ والحلَّ الأمثل لمشاكلهم، دون أن يعودوا إلى مبادئ دينهم وإسلامهم وينضبطوا بضوابط الإسلام في الجهاد والدعوة والولاء والبراء، فيقعوا في أخطاء ومواجهات مع الأنظمة الحاكمة تارةً ومع الجماعات الإسلامية تارةً أخرى...

السلفية في غزة: المخاوف والأخطار

لا تشكل الحركةُ السلفيةُ خطراً على الساحة الفلسطينية، لكن هناك العديدُ من المخاوف لدى حركة حماس من مفرزات الفكر السلفي وخطورة استغلاله من قِبل بعض الجهات والأطراف لتحقيق بعض الأهداف المشبوهة، والمخاوف تتمثل في النقاط التالية:

أولاً- تخشى حركة حماس أن يكون ذلك التيار بجمعياته ومعاهده تربةً خصبة ومأوى للشباب المتشدد الذي تجول في ذهنه أفكار الغلو والتطرف والتشدد، حيث يجد في المؤلفات والفتاوى والنصوص الشرعية ضالته المنشودة، إن لم يجد من أولئك العقلاء من يرشده ويوضح له المنهج الصحيح للاستدلال..

وهناك العشرات من الشباب المتحمس الذي أخذته العاطفةُ الجياشة تجاه تحقيق حلم الخلافة، وحاول الوصول لتنظيم الدولة في العراق وسوريا، وقد نجح بعضُهم في ذلك ولقي ربه شهيداً، وهؤلاء بعضهم من السلفيين وبعضهم من الحركة الإسلامية..

ثانياً- أن هناك جهلاً كبيراً في العلم الشرعي لدى أولئك الشباب هو الذي يجعلهم ينحو نحو الغلو والتطرف، دون وعي لدينه وشريعته، فالإسلام بشموليته وصلاحه لكل زمان ومكان، وسع الناسَ جميعاً.

ثالثاً- انضمام مؤيدي تنظيم الدولة تحت راية المقاومة الشعبية وتشكيل جناح باسم لواء التوحيد..

رابعاً- مشاهد حرق الأقباط وذبح المسلمين وسفك دماء المجاهدين وموجة التكفير التي اجتاحت بلاد المسلمين من أعظم المخاوف لدى حركة حماس، حيث إن أول من سيكتوي بنار ذلك السكين هم تيار الإسلام السياسي، الذي يرى فيه التيار الجهادي المرتد الذي ترك تطبيق الشريعة وأوقف الجهاد ضد الأعداء.

لذلك فلا يوجد قلق كبير إلا من جهة الجماعات السلفية الجهادية التي تكثر في كلماتها وخطاباتها تحكيم شرع الله والمرتدين والكفار، ويكثر في تسجيلاته الذبح بالسكين وضرب العنق وتطبيق الحدود، وهو ينطلق من منطلقاتٍ تغاير تماماً فكرَ ومنهجيةَ حركات الإسلام السياسي، وكذلك فإن الجماعات السلفية متعددة ليست جماعة واحدة ولا يجمعها فكرٌ واحد أو مرجعية واحدة، وكذلك هي قابلة للانقسام بفعل الخلافات الفكرية فيما بينها، وهذا ما يعقد أمر كيفية التعامل معها..

حماس وتنظيم الدولة:

تنطلق حركةُ حماس من منطلقات الإسلام الوسطي وتؤمن بفكرة الوسطية في الدعوة والقتال، وهي حركة تحرر شعبي ذات خلفية إسلامية، تنبذ في الكثير من أدبياتها وكتاباتها وطروحاتها العنف والتطرف والغلو والتشدد، ولا توجّه بندقيتها إلا إلى المحتل ولا تؤمن بتوسيع ساحة الجهاد على المستوى الدولي ولا تتدخل في شؤون الدول الأخرى..

بينما الجماعات الجهادية تكثر في كلماتها وخطاباتها تحكيم شرع الله والمرتدين والكفار، ويكثر في تسجيلاته الذبح بالسكين وضرب العنق وتطبيق الحدود، وهو ينطلق من منطلقاتٍ تغاير تماماً فكرَ ومنهجيةَ حركات الإسلام السياسي، وكذلك فإن الجماعات السلفية متعددة ليست جماعة واحدة ولا يجمعها فكرٌ واحد أو مرجعية واحدة، وكذلك هي قابلة للانقسام بفعل الخلافات الفكرية فيما بينها، وهذا ما يعقد أمر كيفية التعامل معها..

ولا ترى في التيار السلفي – كفكرة - خطراً يهدد مصالحها؛ بل ترى في موجة العنف التي تجتاح الوطنَ العربي هو الخطرَ الذي يهدد المنطقة بأسرها، لذلك تحاول أن تبقي الحدود آمنة والساحة خالية من الخلافات، وتمتلك العديد من قنوات التواصل مع مشايخ السلفية في القطاع..

حيث تعطي الحركة مساحةً واسعةً للسلفية ودعاتها وجمعياتها بالعمل في ساحة العمل الدعوي والخيري والعلمي، ولا تتصادم معهم في سجالات ومواجهات ومناظرات حول العمل الإسلامي، إنما الساحة متروكة للعمل، خصوصاً أننا شعب تحت احتلال، له طبيعة تختلف عن باقي شعوب العالم.

غزة وتنظيم الدولة:

لا يمكن أن نقول بأن غزة خالية من مؤيدين للجماعات الجهادية، حيث هاجر بعضُ الشباب سراً إلى العراق وسوريا من أجل الانضمام لتنظيم الدولة وقد استُشهد معظمهم، وهذا يدل على وجود من يؤيد تنظيم الدولة، لكن تبقى الأمور في دائرة التأييد والتعاطف، نظراً لما يراه الشباب من ظلم للمسلمين في كل مكان وجرائم الأنظمة العربية المستبدة وخذلان قضية القدس والأقصى، وحصار غزة وغيرها، وقد حاولت حكومة غزة مراقبة سفر الشباب إلى تنظيم الدولة من خلال الأنفاق الأرضية والسفر إلى العمرة، لكن بعض الشباب نجح في السفر إلى هناك، أو يحاول أن ينشر فكره هنا ويوجد مؤيدين له، مما يلقي بالمسؤولية والتبعة على الحكومة في غزة لمعالجة هذه الظاهرة بكل حكمةٍ ووعي..

الأحداث الأخيرة وكيفية التعامل:

لا شك أن الأحداثَ الأخيرةَ التي شهدها القطاع تعطي العديدَ من المؤشرات الهامة، والتي يجب أن نعيد النظر في ردة فعل الأجهزة الأمنية تجاهها، وإن كانت بعض الأحداث تحتاج لتدخل أمني بدرجةٍ أولى، لكنه ليس الحل الأمثل لمثل هذه الظاهرة الحساسة في المجتمع الفلسطيني، لكن المعالجةَ الفكرية والحوار والمناقشة هو أفضل الحلول لمثل هذه الظواهر الفكرية، حيث إن علياً –رضي الله عنه- حاور الخوارج وأقام عليهم الحجة والبرهان وقد رجع كثيرٌ منهم عن فكره وتطرفه، وقد شهد التاريخُ الإسلامي العديد من تلك الظواهر وقد مرت على الأمة بسلام لوجود العقلاء في الأمة ممن يعرفون كيف يتعاملون مع تلك الظواهر..

على حركة حماس والحكومة السابقة في قطاع غزة أن تستوعب الدرسَ جيداً، وألا تغفل الأحداثَ التي تدور في الساحة الإسلامية، خصوصاً العاطفةَ الجياشة التي تأخذ الشبابَ دونما وعي وتفكير، وأن تحاول أن تنشر الوعي بين الشباب وتحتضن ذلك الشباب في العديد من البرامج الدعوية وتكثر من اللقاءات مع العلماء والمشايخ الكبار وأن تستعين بمشايخ السلفية الذين هم أقدر على مواجهة ذلك الفكر الذي بدأ ينتشر بين الشباب..

والمهم في الفترة القادمة التنسيق مع باقي القوة الإسلامية على ضرورة تنظيم مفاهيم الجهاد وأولويات المرحلة القادمة والجلوس على تفاهمات واضحة، والتأكيد على ضرورة تحييد الساحة الفلسطينية من التجاذبات والخلافات، والتأكيد على حرمة الدم ووحدة الصف، واحتضان الشباب المسلم المجاهد في برامج دعوية، ونشر وسطية الإسلام، وأن جميع الأحزاب تسعى لإقامة الخلافة لكن الذي يحكم هذا الميزان هو طبيعة البلد والظروف التي تمر بها..